القاهرة: quot;ما لم تقله النساءquot; عنوان الرواية الصادرة أخيرا عن مركز الحضارة العربية للروائي محمد القصبي، والتي ترصد للصراع بين التيارين العلماني والسلفي في المجتمع المصري، متخذا من الأسرة ميدانا للحرب المشتعلة بين التيارين وبعيدا عن المساجد وأجهزة الإعلام والمنتديات الثقافية والسياسية ومظاهرات الشوارع، حيث شاء المؤلف أن يكون عش الزوجية ميدانا لمعارك طاحنة بين التيارين انتهت بمقتل الزوجة الدكتورة زينب الحناوي أستاذة الأدب الانجليزي في جامعة المنصورة وصاحبة التوجهات التنويرية، حيث قيدت القضية ضد مجهول، فهل قتلها ابن خالها وزوجها الشيخ السلفي هشام الغزولي رئيس جمعية أحباء الرسول، وهي الجمعية التي اتخذ أعضاؤها من مسجد quot;السنيينquot; بقرية المعصرة دقهلية ملتقى لهم quot;هذا المسجد كان ملتقى بعض الشباب الذين ينتمون إلى التيارات الدينية بقرية المعصرة، وبعضهم ألقى القبض عليه مؤخرا على خلفية تفجير مديرية أمن الدقهليةquot;.
يقول القصبي الذي ينتمي إلى قرية المعصرة أنه في هذه الرواية التي كتبها منذ عدة سنوات بالإضافة إلى أكثر من مقال في صحيفة القاهرة أشارإلى خطورة هذا المسجد في تفريخ عناصر متشددة.
وكان الزواج بين بطلي الرواية الدكتورة زينب والشيخ هشام تقليديا، حيث اتفقت والدة زينب مع أخيها على تزويج ابنتها لابنه هشام، وما كانا قد برحا صفوف الدراسة بعد، هذا ما نستشفه من تلك الرسالة الطويلة الأشبه بالسيرة الذاتية والتي سطرتها الدكتورة زينب إلى أستاذها في الجامعة الدكتور سامي الجبالي الذي أشرف على رسالة الدكتوراة الخاصة بها، ولم يكف أبدا عن ملاحقتها بغزلياته، ولم تكف أبدا عن زجره، ودون أن تخبره بالحقيقة، أنها بالفعل كانت تكن له قدرا من الحب، بل كانت تستحضره في لياليها الأرقة بالحرمان رجلها الذي يخصب جسدها بالارتواء دون أن تظهر له ذلك، حتى كتبت له تلك الرسالة، التي كشفت فيها عن معاناتها الهائلة كأنثى، في غرفة النوم تئن روحها قبل جسدها من الحرمان بسبب انغلاق رأس زوجها الشيخ هشام على مفاهيم ضيقة لطبيعة العلاقة الزوجية، وأي خروج على تلك المفاهيم يراه خروجا عن الدين، لكن قضية حرمان الجسد لم تكن وحدها الهاجس المحوري الوحيد الذي فاض به قلمها على أوراقها، بل أيضا رأسها المثقلة بأسئلة الوجود والدين والرسل.
quot;ورغم أنني في أحيان كثيرة أكون مؤرقة بفكرة أنني.. أننا جميعا لاوجود حقيقيا لنا، ربما بكتيريا فضلات أو زفير كائنات أخرى عملاقة في أكوان أو أبعاد لاعلم لنا بها، الا أنني سريعا ما أتخلص من هذه الفكرة، مؤكدة أنني بالفعل موجودة طالما أنا مؤرقة، إنني وأنت جميعنا تضفيرة حبل مشدود من القلق بين، ربما عدمين، أو عالمين، رغم داخلي المكتظ بتراث يؤكد على الأقل وجود أحدهما.. الآتي.. النار أو الجنة.. إلا أن تفاصيله مضببة باللايقين!quot;.
هذا الشرخ الذي يفصلها عن زوجها روحا وجسدا وفكرا يتحول إلى أخدود لانهائي حين يخبرها زوجها بأنه سيتزوج بأخرى مات عنها زوجا لحمايتها من الفتنة، فيكاد رأسها ينفجر من رجلها الذي يسعى لحماية أخرى من الفتنة، وهو عاجز عن حماية زوجته من استحضار آخر في أحلامها وهي تشاركه فراش واحد، وينتهي الزواج بالطلاق وهروبها بطفلتها خوفا من أن يلحق بها أو أعضاء الجمعية التي يرأسها الأذى، لكن الصحف تنشر خبر مقتلها في شقتها الصغيرة التي استأجرتها في المنصورة، أما دفتر المذكرات التي كتبتها في صورة رسالة إلى أستاذها الدكتور سامي الجبالي فعلى ما يبدو أنها لم تصل إليه، بل عثر على الدفتر في شارع لاظوغلي يوم 6 مارس 2011 مع اقتحام المتظاهرين مقار مباحث أمن الدولة.
لقد ماتت الدكتورة زينب الحناوي طعنا بسكين المطبخ، وقيدت القضية ضد مجهول، فهل قتلها مطلقها الشيخ السلفي هشام الغزولي رئيس جمعية أحباء الرسول السلفية ؟ وهل أدركت مباحث أمن الدولة هذه الحقيقة فلم تشا أن تكشف عنها أمام القضاء حماية للشيخ ولجماعته السنية التي ارتبطت بعلاقات وطيدة مع أجهزة الأمن، ووظفت هذه العلاقة في مجابهة مخططات الأخوان للسيطرة على المساجد، وهذا ما كشفت عنه الدكتورة زينب في رسالتها لأستاذها الدكتور سامي الجبالي؟
أسئلة كثيرة ستظل تؤرق رأس القاريء حتى بعد أن يعيد الرواية إلى رفوف مكتبته، خاصة وأن تلك الأسئلة ترتبط بإشكاليات المشهد الراهن من العلاقات الشائكة بين الثالوث المقلق للشارع المصري، الداخلية والسلفيين والأخوان.
ويتوقع المؤلف أن تواجه الرواية بكثير من التحفظات من قبل بعض النقاد لما يشوب بعض أجزائها من تقريرية، ويقول القصبي إن quot;التقريرية لم يكن ثمة مهرب منها، لأن الرواية تتخذ شكل السيرة الذاتية لأستاذة جامعية علمانية، وعلى قدر عال من الثقافة دفعت بها الظروف العائلية، لأن تكون زوجة لابن الخال المنغلق فكريا، لذا من الطبيعي أن تحتشد رسالتها بالآراء والمعلومات التي تراها دعما لها في مواجهة الرجل، كما أن البطلة تختزن بداخلها بركانا من الغضب ظل مقموعا ألاف السنين، ورسالتها انفجار للبركان الذي لايتلاءم معه أبجدية الهمس بل الصراخ، وقد حذرت البطلة أستاذها من التعامل مع رسالتها كنص روائي معيوب، فهي لاتكتب أدبا، بل الأمر لايخرج عن كونه لحظة شعرت خلالها بالغثيان فتقيأت كل ما بداخلها من معاناة!quot;.
وحتى فيما يتعلق باشكالية تجنيس ما تكتب تستحضرالأستاذة الجامعية حيرة رولان بارت حول كتابات جورج باتاي: هل هي سرد قصصي ..؟ أم شعر أم مقالات ؟ هل باتاي رجل اقتصاد أم فيلسوف أم متصوف؟ وأخيرا استقر بارت على أن باتاي يكتب نصا! وليس بمنأى عن الثيمة المحورية، الصراع العلماني السلفي
تعالج الرواية التي صمم غلافها الفنان الكبير أحمد عبد النعيم مجموعة من القضايا الانسانية التي تبدي البطلة دهشتها من ارتكان البشر الى كونها بديهيات ينبغي التكيف معها، فالبطلة تحكي عن تكوينها الرومانسي المفرط في شفافيته والذي تشكل عبر قصائد شعراء المهجر وأبو قاسم الشابي وابراهيم ناجي وثومة وحليم وشادية، ويبدو هذا الجانب صيغة يأنس لها وجودها الانساني، إلى أن تداهم بجانب جسدي تنفر منه بداية، لكنها بمرور الوقت تتآلف معه وتنجح في تحقيق المصالحة بين ماهو روحي وملائكي بداخلها وماهو جسدي غريزي، بل وتنتهي إلى المواءمة بين ما كان نقيضين إلى أنهما الواحد الذي لايتجزء، شاعرية ضي القمر رمزا للرومانسية ولسعة الشمس رمزا للجنس! إلا أنها لم تنجح أبدا في تحقيق تلك المصالحة مع روح تحلق في علياء رائعة جبران أعطني الناي، ومعاناتها في دورات المياه!.
وثمة تناقض لا تجد له تفسيرا بين سلوكياتها الراقية التي تنبثق من قراءاتها العميقة، وبين نزعاتها البدائية التي لاتجد لها تفسيرا إلا عند عالم الحيوان الداروني هنري مودسلي الذي يرى أن هناك بالفعل مخا بدائيا داخل مخ الانسان يجعل بالامكان تتبع البدائية الوحشية في الحضارة، أي أن الانسان مهما بلغ مستوى تحضره يرتد في كثير من سلوكياته الى البدائية الكهفية التي كان عليها أجداده من سكان الكهوف، ومازالت بقاياها متجذرة بداخله فيما أسماه مودسلي بالمخ البدائي.