&

&
&لماذا بوتين؟
لأنها فتحت النافذة.
لم تفتحها على وسعها،
لأنها من دون زجاج - ماهي فائدة فتحها إذا، سوف أغلقها، لكنها مغلقة.
في الطرف الآخر، بكاء طفلة، أسكتي أيتها الطفلة من دون زجاج، مافائدة أن تغلق أو أن تفتح. يؤلمها رأسها، تقول الأم، وجع شقيقة ويزداد مع صياح ديك المنزل المقابل، لا يهدأ لأنه يصيح حتى حين يذهب الفجر، يؤلمها أيضا مع زقزقة العصافير التي &لاحظت ازدياد عددها ولا تدري لماذا ازداد عددها، هل ازداد عددها أم أن الزقزقة تتابعت وشارك فيها كل طائر حط على شريط الكهرباء، وكل طائر على اغصان الشجرة المتهدلة في الحوش. &تقول لها توقفي عن البكاء، فتجيبها يا أمي ستأتي الطائرة وأنا نائمة ولهذا لن أنام. إذن من دون بكاء، ظلي مستيقظة من دون بكاء.
افتحي النافذة اريد أن اتنفس.
ليست مغلقة، أو هي مغلقة كأنها مفتوحة – من دون زجاج فما فائدة أن تكون بهذا الوضع أو ذاك، تنفسي لا يهم مبدأ النافذة.&
في حيرة من أمرها، لأنه فجأة انطفأت الكهرباء أو أن الدنيا أعتمت، حين تذكرت أنها ذهبت الى صنبور المياه كي تكتشف أنه لم يعد موجودا، لقد اختفى، جاء إلى مكانه ردم كبير، هكذا فجأة تذكرت الردم الذي حدث بسرعة يوم أمس وحين اكتشفت أنها بخير مع ابنتها، جاءت ابنتها تركض وهي تصرخ قائلة ماما انا بخير، ضمتها وهي تهصر أوجاعها ورعبها وتنتظر أن يأتي الآخرون، لكن لم يأت من الغرف الأخرى أحد آخر سواها.
انطفأت.
علت الزقزقة، فخمنت الطفلة التي يصح أن نقول عنها إنها بنت، بنت بالغة لأن الزمن في هذا الزمن غير عادل. من المحتمل قالت البنت التي كانت تبكي ثم سكتت من المحتمل لأن الأصوات زادت وراحت الزقزقة تعلو أنها قادمة، فالحيوانات تسمعها أكثر مما نسمعها. رهافة أقصد، حس الحيوان أكثر رهافة منا نحن بني الإنسان.
الطيور ليست حيوانات يا ليلى!
قالت الأم وهي غير متأكدة إن كانت الطيور بالفعل حيوانات أم لا.
أرهفت السمع من دون جدوى ذلك لأن أصواتها علت وراحت تثقب الأذن.&
لوح الأب من الطرف الآخر، رفع رأسه من تحت الردم وهو يوصي الأم والإبنة أن يجدوا مكانا آمنا ويختبئوا فيه.&
العقل يقول نبقى في مكاننا، البارحة كنت هنا ولم يصبني أذى!
أخذت ابنتها في حضنها إلى زاوية من الغرفة وهي تصلي أدعية "حفظ ورحمة وتهوين خطب" لله الذي لو تعدد أدعيتها له منذ أول خطوة حتى هذا اليوم لفاقت الآلاف مع هذا مازال ايمانها قويا وبعض الهدوء وهي تعيد وترطن بالرحمة على المسلمين – القصد عبيد الله – لكن أي عبيد الله- &تحت أصوات القدر الغاشم . الله في النهاية هو القادر وليسوا هم.&
جعلت الابنة تسألها حين اقترب صوت الطائرة، وحين أصبحت في السقف، تهدر مثل آلة صنعت لتحطيم الصخور العملاقة التي تقيم الجبال...لكن الأم لم تسمع ابنتها، لم يكن أحد يعلم من تكلم في تلك اللحظة، من لم يتكلم، ومن سمع ومن لم يسمع، اللهم رحمتك وظلال محبتك ووقايتك وحمايتك، وهناك كلمات جديدة أخرى أوجدتها لأنها ضاقت صبرا بكلمات الرحمة والحماية والوقاية تظن أن هذه الكلمات قديمة ففقدت قوتها ولم تعد تصل اليه.
قالت الإبنة في أذن أمها: ماما من يصنع بنا هكذا؟
&من الذي يقود الطائرة التي راحت ترى صوتها في الزجاج الفارغ من الزجاج أو من دون زجاج في النافذة تمر بالقرب منهما من يصنع فقالت الام من دون انتباه إلى ما تقوله سوى أنها قالت ماكانت تتخيله لحظتها: يا ابنتي رئيس روسيا.
لأنها تخيلت الذي يقود الطائرة هو رئيس روسيا – رأت صورة له وهو يخرج من نهر، عار الصدر مفتول العضلات يلبس بنطال المارينز، وهو لباس الطيارين، ثم يعود الى النهر ويسبح ببنية قوية واثقة وملامحه قوية فهو الذي يقود الطائرة.
قالت الابنة ان مرت بسلام ولم تأذِنا فسأعطه وردة.
من أين لها أن تفكر بالوردة وهي خائفة وصوتها المرعب...
بالتأكيد هناك وحي هبط عليها في تلك اللحظة كي تفكر بالوردة ولم تفكر بشئ آخر يواجه تلك القسوة والبطش.
&فتحت الأم فمها ومع أنها لم تفهم ماذا قالت الابنة مع هذا فتحت فمها ذلك لعلمها ان فكرة غريبة طرأت في رأس ابنتها.
لماذا الوردة؟
سوف تجلبها من أيدي العصافير ومن الزقزقة في كل مكان. ذهبت نحو الشجرة بينما أمها تنادي كي تعود الى المخبأ الآمن لأن الشجرة في الحوش مكشوفة وهناك رمي عنقودي وفراغي، الأم لم تسمع أن ابنتها لم تسمع.
سلمت الأم أمرها الى الله – من الكاتب: فكرة التسليم تولد في النفس البشرية حين تغلق أمام المرء بوابة الحياة وتحاول يد القدر إخراجه منها، كما حدث يوم البارحة حين حِدتُ عن طريق السير في السيارة على الطريق السريع، لم أر ورائي شاحنة نقل مجنونة، انبثقت من زاوية غير مرئية، ولن تقدر على الفرملة، سمعت صوت نفيرها الهائل يخترقني وعلمت أن شأني انتهى ولم يبق إلا تسليم الأمر، أي في لحظات اصبحت بين يدي الله، هذه الخبرة يكتشفها في العادة السائقون الذين يتهورون للحظة أو المقاتلون في ساحات القتال حين يقعون تحت وابل رصاص يأتيهم من كل جهة ولا قدرة لهم على الإختباء... لأنها لم تعد تملك حيلة ولم تعد تملك زمنا كي ترى ما الذي يحدث. & &
توقف سائق الطائرة قليلا في السماء كي يدقق النظر في الأحياء التي في الوهدة، والتي أطفأت "داعش" أنواراها- تقول الابنة: لا تقل داعش، قل الدولة الاسلامية وإلا نحروا رؤوسنا.&
ثم عادت تركض- راكضة. بيدها وردة ذابلة لكن الصوت لم يدعها تركض فراحت تحبو لأن الهواء الذي لا تعرف مصدره ولا تعرف شكلا له – وهو قد يكون دفعا أو تفريغا، له عدة لغات في عالم الفيزياء والتسليح والمعارك. &شعرت بأنها ملتصقة بالمكان أو تتحضر للطيران، مشاعر عديدة مثل لمح البرق اجتارت رأسها الصغير وهي تتأمل الحياة وكيفية خلقها فوق هذه البسيطة. &&
جرت محاورة قصيرة بينها وبين الله، لكن ليس الله الذي نعبده، إنما إله آخر يحضر فجأة في مثل هذه اللحظات الروحية التي يتجلى فيها الوجه الحقيقي للموت وللحياة وللخلق برمته.
مع ذلك لم تحلق في الفضاء، تحركت خطوات واثقة وهي تحمل الوردة الذابلة التي فتتها النوء. أين تذهب، تقول في نفسها وقد نسيت المكان الذي يجب أن تذهب إليه أو أن علائم المكان تغيرت على حين غرة ولم تعد تعرف أين هي، تغيرت سريعا.
وقفت صامتة وكانت الرياح هي التي تتكلم، الضغط فوق العادة، والأنواء المجهولة التي تولدت من السمت الخفي في طرف الأرض. أين تذهب ولم يعد هناك إلا بوابة واحدة لأنه على حين غرة – كل المسألة جاءت على حين غرة، ومض البرق.
&
&