&


أجلسُ وحيداً
لستُ ممن يتحدثون عن الهوية
بعتُ حماري قبل تسعمائة سنة
وبعتُ عتاداً لا يخصني
متخففاً من مزالقِ الكلامِ عبرتُ قروناً
ومتشبثاً بضوءٍ ما، وهو غالباً ينبعُ من داخلي، جئتُ إلى مكة
لكن الطريق من مكة إلى الحرية طويلةٌ
وخزها شبابيك
وصليلها أيائل حكمةٍ بدائية.
الْيَوْمَ يومُ يأتمرُ فيه الضالون ليرسموا لنا غباءً نستحلبه لعهودٍ قادمة،
وغداً
هو الباب الذي رسمه نذيرٌ لا نريد سماعه؛
كان يقول: إن الشعراء لعنة
إن الصدقَ خطيئة الطيبين
وإن عصفورا صريعاً يقفُ على مفترق الروح؛
يبدو ككلمةٍ مهجورة
كظلٍ مجنون لشاعرٍ يعوي.
لا بدَّ من عبورِ كل هذه المزابل
القفرُ ليس يدي وحدها
ولا حتى بقيةُ جسدي الذي أنكره.
رعاةٌ لا أحبهم يتلون "شعراً وطنياً فاقعاً"،
يطبعون قبلاتٍ حارّة على قطع الهواءِ المتجمدة في مواعيد شريرة،
غزاةٌ يخطئون طريقهم
يضنون بالحكمةِ على المارّة
ويسألون عن الخلاص.
طريقٌ طويلةٌ تُسلكُ بلا قدمين
ودائماً ما يشعرُ المرتزقةُ أنهم أحفاد الحقيقةِ.
من منهم كان يسألني يوم ولادتي:
"من أفنى هَذِهِ المدن؟،
من أباد هؤلاء الصبية؟".
إنها دهشتي الأولى
تلك التي تتوالد في خطاباتٍ يدبجها منافقون لا يملون
ينصبون المشنقة تلو المشنقة للجَمال
كُـتّابُ التعازي
أقلامُ بلا لون
ومهرجون لا يعرفون الحياء على حافّة العرش؛
أهم وحدهم من يريد طمسَ الخارطة بحوافر الأمنيات؟.
اليوم لا بد من بدء جديد،
نحو الحرية أفتشُ عن قبائلَ كانت هنا
عن ضحكاتٍ غاب أصحابها
عن لقطاء طيبين لا ذنب لهم وسط كل هذه الشهوات.
بداية تشبه أنكاثاً يصعب إعادتها إلى هيئتها الأولى
قبل الشعر
وحتى قبل أن يتعثرَ وطني في جثث بلهاء.
اليوم ليس هو الحقيقة
لأن في الغد من يتلو على "جيران العالم" قصائد ريتسوس الخضراء جدا
تلك التي تشبه الملائكة
تشبه حُداءً كنتُ أعرفه قُبيل موتي؛
لكنني الآن لستُ أكثر من وخز
بريءٌ من كل هذا الركام
ومن كل هَذِهِ الوجوه العاهرة.
&