&
من خلال الرسائل التي كان يكتبها عالم النّفس الشهير، سيغموند فرويد لابنته أنّا نكتشف خفايا العلاقة التي كانت تربط بينه، وبين أفراد عائلته. وكان سيغموند فرويد الذي ولد في النمسا عام 1856، وتوفّي في بريطانيا عام 1939، قد تزوّج من مارتا بارنايس عام 1886، ومنه أنجبت ستّة أبناء هم على التّوالي ماتيلد، ومارتين، وأوليفييه، وإرنست، وصوفي، وأنّا التي كان له ميل خاصّ لها باعتبارها الصّغرى. وفي حوار معها، تحدّثت المؤرّخة وعالمة النّفس الفرنسيّة إليزابيت رودينسكو عن المقام التي تمثّله العائلة بالنسبة لفرويد قائلة:”كانت العائلة تمثّل أهمّيّة كبيرة بالنسبة لفرويد، وبالنسبة لنظريّته أيضا. وقد نشأ علم النّفس من التحّول الذي شهده وضع العائلة في أوروبا، والذي تجسّد من خلال تقلّص دور الأب أمام تصاعد النّزعات الأنثويّة، وأمام الأهميّة التي اكتسبتها حقوق الطفل. وكان فرويد يعالج نساء مصابات بالهستيريا من جرّاء الكبت الجنسيّ. ومثل كلّ علماء عصره، هو اهتمّ بمشاكل الجنس لدى الأطفال". وتضيف إليزابيت رودينسكو قائلة:” كان فرويد يعيش في فيينا وسط عائلة موسّعة، مع أبنائة السّتة، وزوجته، وأخت زوجته، والمربيّة، والطبّاخة. إلاّ أنّ سلطته لم تكن سلطة البطريرق المتجبّر، والمتسلّط. وكان يدافع عن حقّ المرأة في العمل، وعن منع الإنجاب، وعن حقّ الأبناء في إختيار حياتهم العاطفيّة، والمهنيّة. وتكشف لنا رسائله عن خفايا الحياة اليوميّة للعائلة في فترة "العصر الجميل" الذي كان يشهد تحوّلات متتابعة. وفيها نجد أجواء شبيهة بأجواء روايات توماس مان ،أو بروست. كلّ طفل يشعر أنه مختلف، غبر انّ جميع الأطفال يشعرون أنهم مسحوقون لا بسبب التسّلّط الأبوي المبالغ فيه، وإنّما لأنهم أبناء مفكّر كبير، يتعرّض لهجومات من جانب خصومه رغم شهرته العالميّة. ثمّ أنّ فرويد كان "أبا مؤسّسا " محاطا بمريدين، وبمرضى".و تقول إليزابيت رودينسكو أن أطفال فرويد لم يكونوا منفصلين عن الإكتشافات التي كان يقوم بها في مجال عمله. بل وكان يخضعهم لبعض التجارب تماما مثلما يفعل مع مرضاه، ومع البعض من طلبته، وأصدقائه. الوحيدة التي أصبحت عالمة نفس متابعة عمل والدها هي أنّا .ولم تفعل ذلك بضغط منه، وإنّما اختارته عن طواعيّة .ولمّا اكتشف فرويد أن لابنته ميولا سحاقيّة دفعها لكي تهتمّ بتربية صديقتها دوروتي بوراينغام. وقد عاشت المرأتان في نفس العمارة التي كان فرويد يقيم فيها. وتعلّق إليزابيت رودينسكو على ذلك قائلة:” هذه القصّة مثيرة للغاية. وهي ليست لا سوداء ولا ورديّة، وإنّما هي قطعة من الحياة، وفي قلبها كارثة الحرب الكونيّة الأولى التي غيّرت مصير علم النّفس في أوروبا...كما أنها سبقت ظهور ما هو أفظع، أي النّازيّة التي أجبرت عائلة فرويد على ترك فيينا للعيش في المنفى".