&&&

يمتد صوته خيطا حريريا تقف عليه طيور الدنيا تغني، ومن الجانيين هناك صوت مؤذن وأرغن في كنيسة!
يبوح بأسراره للنساء حاصدات القمح فيضحكن حتى المساء!
&حنجرته تلك القبة الذهبية النانئة في عنقه كبقايا سيف تصير فجأة محراب كل مجهول مرتجى!&
ينهال عليها مطر وجفاف، غيم وصحو، ليل ونهار، حزن الثاكلات، أنين العاشقين المسلولين وتظل بفصاحة هدهد!&
وهذا الحزن كيف انبثق من براعم خضر على شجر الغراف؟&
وصار فرحا؟ وخمرة في العروق؟
&هو صانع سخي للخمرة تسكب مجانا من ينابيع على الطريق!&
&هذا الأسمر النحيل&
يخطر فارسا مرتديا ثياب عرسه دائما&
&فكل أغنية هي عروسه تلك الليلة!&
أوتاره تفتح أبوابا على الدنيا المقفلة!
تدخل وتخرج منها طيور آبدة ومهاجرة، فيمازج عسلها
بزيتون وأعشاب تنبت على جدران أيام قاحلة!
فهو يعرف بخبرة حكيم أن الحلاوة المفرطة قاتلة!
&تلك البحة هي الكحل في العيون الصافية، والعتب الخجول بعد هجر طويل!&
عندما انطفأت أنوار آخر المعابد السومرية لجأت قيثاراتها إلى بيته&
فحملها بين جوانحه، تحت عبائته، يلقي نغماتها في القلوب كما يلقي حاكم عادل حجته وأحكامه! سكب عبرات الماضي في الكؤوس متساوية، وقال أشربوها واسكروا آمنين!&
بحار كثيرة حوله، قواقع وشجيرات مرجان تتعثر بها قدماه!&
&وجوه تخفق وتلوح له من بعيد!
&نساء كثيرات بكين مصائرهن،وأرحن جباههن على صوته الصلد كالرخام!&
أطلق ألحان غواياته إلي حزم النور كما يطلق صائد في الهور فالته إلى السمك، كلاهما يمسك صيده، فلا يرضى بقدره، ولا يلعنه!&
كثيرون كانوا يعتصرون صوته طلبا للمزيد من الماء يبلون به قلوبهم الظامئة،&
كانت المذياعات في طول البلاد وعرضها تفيض بالدموع!&
ومن يلومه؟&
غزلان وحمائم كثيرة جريحة في البلاد&
عشاق ماتوا كمدا كان عليه أن يقيم قيامتهم كل أسبوع !&
وعندما مرت النجوم المحترقة بحقول الرز، وتراجعت رائحة العنبر إلى مياه راكدة عند الشامية؛ صارت التجاعيد تملأ وجهه&
حاول صوته أن يزوغ عن تجاعيد الأرض والزمان ويظل محدقا بوجه البلاد كما رآه يوم مسقط رأسه!&
&ظل يدور الليالي هائما بين البارات، أراد أن يلم الأحزان كلها في حنجرته بسلمها للرياح، ويطلق خلفها الكلاب علها تنهشها وتختفي إلى الأبد!&
غنى آخر مرة في ملعب غص بشباب بأيديهم زجاجات الكوكاكولا، راحوا يصرخون هازئين من سبحته؛ مطالبين بمطرب جديد كلما سمعت صوته الطيور تفر كما لو من بندقية صيد!
&هم لم يروه وهو يغني مقلبا حبات سبحته كما يقلب عاشق جمرات قلبه،
&كانت ذاكرتهم خاوية تماما كخوذ آبائهم الذين ماتوا في حروب خائبة، وكانت آهات داخل تحاول عبثا اعتراض الرصاصات التي اخترقت قلوبهم!&
من يلوم قائلا : فقدنا أفراحنا مذ فقدت استكانات الشاي عندنا نكهة صوته الحزين!&
&