كلما حاولت أن أحتضن حرقتها دفعتني بعيداً بصمت وكأنني أنا النار التي التهمت قلبها، لقد مضى عام منذ أن وقفت معها على قبره أول مرة، لم يكن ولدها الوحيد بل كان أملها وكل ما يربطها بهذه الحياة، ولم أكن لها الرجل الذي تأمن له بل كنت الوجع الذي يتحرك أمام عينها ولا يتخلى عنها.
لقد دخلت قبل عام عليها بخبر وفاته ومن حينها لم تقطعني فلا زالت تقوم بواجباتها ولكنها لم تعد تنظر في عيني، لم تسقط بين ذراعي ولكن دموعها لم تجف، بقي جسدها قريباً وملازماً لظلي ولكن روحها في كل مكان تظن بأن روحه قد تملؤه، كنت أظن بأنها تقتل بخياناتي المتكررة لكنها كانت كالنخلة، لم تتمكن أي مرأة من هزيمة قلبها حتى صدقت بأنها لم تحبني قط ، لم يتمكن منها سوى الموت الذي باغت أملها بحياة مختلفة تعيشها تحت جناح رجل أكرم من زوجها الظالم لكن من وعدها بالحرية قد غادر الحياة وتركها تواجه مصيرها لوحدها.
كلما نظرت إليها رأيت عجز المرأة في المجتمعات المغلقة، فيطمئن قلبي وتكبر خطواتي وتتعدد باتجاه غيرها لكي افرغ ما بداخلي واطفئ رغباتي، ثم أعود وأنا أعلم بأنها ليست المرة الأخيرة، ومع هذا أحاول الاقتراب منها ومن الجروح التي تسببت بها ولكن كفي لا تساعدها على الشفاء فلازالت آثار آثامي عالقة بها وتثير جروحها، وأعلم جيداً بأنني لم أحفظ بذاكرتها شيئاً يستحق أن يذكر، فما رأته مني خلال سنوات زواجنا لم يكن بالأمر الهين، كان الدافع الوحيد لتحمل كل ذلك هو ابنها، كان الصوت الوحيد القادر على تجديد الصبر بداخلها، كان خوفها عليه أكبر من رغبتها بالخلاص من هذا السجن الذي وضعتها به، لذا كانت في كل مرة تنحني.

كم أنا في شوق لضمها وللبكاء بين يديها، كم أنا في شوق لها وإلى صوتها وإن كانت ستصرخ بي وتهز كياني بالكلمات التي حبستها خلف شفتيها لسنوات، كم أنا في شوق للمسها واحساسها ودفئها وللعودة فقد هزمتني بالغربة.. غربة الروح التي هجرت هذا البيت بعد رحيله، لقد غادرت ارواحهم وبقيت أنا وجسدها البارد من كل شيء إلا دموعها التي تحرقني بها، لا استطيع أن أعيده لها لكنني استطيع أن أعود كما ولدت بلى ذنوب وأصبح طفلها ووحيد قلبها وكل رجالها، ونقف على قبره روحين وقلب واحد.
&