إنه وقت الظهيرة.. حيث ننزع عنا جميع الأفكار التي كانت تتطاير فوق رؤوسنا أثناء العمل، ونرتدي ثوباً مريحاً ثم نفرد أجسادنا المرهقة من ذلك العناء الذي لاقيناه في يومنا، إنه وقت التمدد تحت سقف الصمت.. صمت الأفواه من أجل الإصغاء لحديث النفس، لكن زوجتي لن تقوم بهذه العادة في هذا اليوم بالذات &لقد فتحت الشرفة على آخرها، اغمضت عينيها وأخذت تملئ رئتيها بصير، جلست أتأمل هدوئها وصمتها وضجيج تنهدها العالي، أدرك جيداً بأنها تطبق على شفتيها من أجل أن لا توجع نفسها، ناديت عليها لكنها لم تكن تسمع سوى صوت ذلك الوجع الذي تئن به غريزتها ، ناديت مرة أخرى فالتفتت نحوي دون حرف، كانت تحاول أن تخفي جرحها بعيداً عن عيني كي لا اقترب منه وتشعر بألم آخر كما تدعوه " وجع الاحساس بالشفقة ".

كنت جالساً فوق فراشها وحدي، وهي تنازع أفكارها وضعفها أمام عينني ذهاباً و إياباً وأنا لا أملك حيلة من أمري سوى أن أعينها على أن ترضى، طلبت منها أن تبكي إن كان ذلك يريحها، فحررت نفسها ورمت بضعفها في حجري أخذت تجهش بالبكاء، وقلبي يتقطع عليها ككل عام ، ثم رفعت رأسها لتخبرني بكل ما تحدثوا به اليوم زميلاتها بالعمل، وعن تلك الصور التي التقطت لهم وسط ابناءهم واسرهم، وعن الاحتفال الذي نظم من اجل كل واحدة للاحتفاء بمجهودها العظيم، وكيف كانت تشعر كل واحدة بأنها سيدة هذا الكون وكيف توجت ليلة الأمس من ابناءها واعتلت عرش قصرها وسط تصفيق حار من بناتها الاتي ينتظرن دورهن لكي يحضوا بمثل هذا التتويج، كيف كان رجل كل واحدة منهن فخور بأن قلبه اختار أجمل وأحن نساء الأرض لتكون جنة لأبنائه، وكيف.. وكيف،، وكيف، وهي تسمعهم &وترى بقلبها ذلك الفراغ الذي يكبر ولا شيء يمكنه أن يملئه، وذلك الجزء الناقص الذي خلفته لي، فقد مضى على زواجنا عشر سنوات &كنت أردد فيها بأنها سيدة قلبي وأنا لها ما تريد وكيفما تريد، ولكن ذلك لم يكن كافياً ليشفي جرحها، ففكرة أن تكون عاجزة تقتلها مهما نجحت ومهما تألقت وكأنها فقدت أهم ضلع في عامودها الفقري.

سكتت ولكن عينيها مازالت تتحدث وتصرخ بالكثير من الكلمات، لأننا متيقنة بأن لا أحد سينادي عليها ليرى العالم من خلالها، ولأنها تدرك جيداً بأنني مهما تظاهرت بأنني طفلها الذي لا غنى له عن اهتمامها فقد كبرت على الكثير من التفاصيل التي تحتاج لأن تمر عليها، الشعور بالعجز كان ولازال بداخلي أقف أمامه كلما وقف أمامي بكل ضعفها .
اليوم هو يوم الأم.. عيد الكلمات التي يجب أن تقال بحق تلك المعطاءة، ولكن تلك الشاردة التي تنام بحجري لن تسمعها، ليس لأنها لا تحمل في صدرها قلباً يسع هذا الكون ولا لأنها لا تملك القدرة على التحمل كباقي النساء، بل لأن قدرها قد كتب به أن يغرس بقلبها حب من نوع واحد لرجل واحد يكون هو العالم والطفل والرجل، لذا اسمعي صوت قلبي وهو يبارك سيدته ووالدته في يومها المجيد وكل عام وأنت الأبقى.