ليس "ماكس هافيلار" كتابًا عاديًا. فأخيرًا ظهر بالعربية، بعدما ترجم بلغات كثيرة، وهو الذي قتل الاستعمار، كما يقول الروائي الأندونيسي برامويديا أنانتا تور.

إيلاف: صدرت أخيرًا الترجمة العربية الأولى لرواية "ماكْس هافِلار: مزادات القهوة في شركة التجارة الهولندية" Max Havelaar: Or the Coffee Auctions of the Dutch Trading Company للكاتب الهولندي إدوَرد داوِس دِكَر، المولود في سنة 1820 في أمستردام. وهذه روايةٌ سِيَرية ساخرة يوثق فيها داوس دِكَر معاناته الشخصية خلال عمله بصفة مساعد مقيم في ليباك في جاوا التي كانت في تلك الأثناء مستعمرةً هولنديةً. 

اتخذ دِكَر لنفسه اسمًا أدبيًّا هو مُلتاتولي ليعبّر عن مكابدته ومرارته، حيث إن هذا الاسم يعني باللاتينية "تَحَمَّلْتُ كثيرًا".

منظوران متنافران

كان دِكَر يأمل أن يُعرَض عليه منصبٌ في إدارة المستعمرات يُعيد إليه اعتباره، ويؤدي إلى تحسين وضع الجاويين، لكن حين رفض وزير المستعمرات الهولندي أن يعيّنه من جديد في أندونيسيا، كان لا بد من نشر الكتاب. 

وحين نُشرت الرواية في عام 1860، أحدثت جدالًا سياسيًا واجتماعيًا هائلًا، حيث انتابت جسدَ الأمة الهولندية “قشعريرةٌ" من جَرّائها، وأدت في نهاية الأمر إلى إصلاحاتٍ كثيرةٍ. 

كتاب حارب الاستعمار

تُروى أحداث الرواية من منظورين متنافرين: في البداية، نلتقي بسمسار القهوة الأمستردامي دروخستوﭘل، الذي تستحوذ تجارة القهوة على كل تفكيره وأفعاله، ويدّعي أنه مخلص لعمله والحقيقة، لكنه في الواقع شخصية كاريكاتيرية. 

وتتضح سخرية المؤلف منه من خلال إعطائه اسم بَتافوس دروخستوﭘل، الذي يعني "الهولندي المتحذلق" (باللاتينية والهولندية على التوالي). وحين يلتقي دروخستوﭘل بزميل دراسته القديم ماكس هافلار، وكان قد عاد للتو من جاوا فقيرًا مُعدمًا، نطالع منظورًا مختلفًا للأحداث.

نكتشف هذا المنظور في المخطوطة التي يطلب هافلار من دروخستوﭘل أن يساعده على نشرها. والمخطوطة، التي تُكذِّب رؤية دروخستوﭘل السطحية للأحداث، تروي قصة حياةَ شابٍّ مثالي يعمل في السلك المدني في الإدارة الاستعمارية الهولندية في جاوا، وهو يحاول حماية الفقراء والمستضعفين الجاويين، من جور الزعماء المحليين والحكومة الاستعمارية الهولندية، فلا يُفلِح إلا في دفع الإدارة إلى إقالته.

كتاب قتل الاستعمار
كان كتاب ماكس هافيلار مسؤولًا عن الحركة القومية التي أنهت الاستعمار الهولندي في أندونيسيا بعد عام 1945، إذ كان مفيدًا في تفعيل الدعوة إلى إنهاء الاستعمار في أفريقيا وأماكن أخرى في العالم. وهكذا، ماكس هافيلار هو الكتاب الذي قتل الاستعمار، وفقًا للروائي الأندونيسي برامويديا أنانتا تور.

في الفصل الأخير، يعلن المؤلف أنه سيترجم الكتاب "إلى اللغات القليلة التي أعرفها، وإلى اللغات العديدة التي أستطيع أن أتعلمها". في الواقع، ترجم كتاب ماكس هافيلار إلى أربع وثلاثين لغة. وترجم أول مرة إلى اللغة الإنجليزية في عام 1868. 

في أندونيسيا، استشهد بالرواية كإلهام من سوكارنو وغيره من القادة القوميين الأوائل، مثل سفير إندو (أوراسيا) المؤلف ديكر الذي قرأها باللغة الهولندية الأصلية. ولم يترجم الكتاب إلى اللغة الأندونيسية حتى عام 1972. أما المترجم إلى العربية فهو موسى الحالول، أكاديمي ومترجم سوري وُلِد في الرقة في عام 1965.