«إيلاف» من اصيلة: يغري سحر مدينة أصيلة المغربية بالسفر عبر دروبها وأزقتها لاكتشاف جاذبيتها ومدى تأثيرها على السكان والزائرين سواء من داخل المغاربة أو خارجه، سحر يتمازج مع ألوان الطيف المتلاحمة التي تتميز بها الجداريات الفنية المنتشرة عبر أنحاء المدينة، والتي على الرغم من صغر مساحتها، إلا أنها أضحت قبلة لعشاق الفن والأدب والإبداع، بفضل موسمها الثقافي الدولي.

رسوم تبعث الروح في الازقة

 

ألوان متناغمة

يذهل زائرو المدينة منذ الوهلة الأولى بالكم الهائل من الجداريات الفنية التي خطت عبر أزقة أصيلة القديمة، والتي استطاعت أن تجعل منها لوحة فنية، تختزل البعد الثقافي والأدبي والسياحي للمدينة، وتمكن المواطنين من الاحتكاك بالفنون في محاولة لاستقطابهم وجعلهم يتابعونها أثناء تجولهم عبر دوربها، فعوض زيارتهم للمعارض التشكيلية، المغلقة تتحرك هذه الأخيرة لتسلب أنظار الزائرين، وتقتسم معهم لحظات من الإبداع والابتكار.

ولهذا اختار رسامو الجداريات الفنية مشاركة أعمالهم الفنية مع عموم السكان ، والذين يكون بمقدورهم الاطلاع على المنتوج الفني بكل أريحية والتعرف على تفاصيله الدقيقة، بعكس ما هو متعارف عليه لدى الفنانين الذين ينشدون الدخول في عزلة والتركيز بشكل كبير على إلهام يقودهم نحو مواضيع شتى، يعبرون عنها بالفرشاة والصباغة، ويعلنون عن تفاصيلها بعد الانتهاء منها.

جداريات أصيلة لا تقتصر على مكان موحد بل تتراءى للزائر في نوافذ وأبواب المنازل، لتحولها إلى لوحة مشتركة، تزيد من جمالية الموقع وتشكل تحفيزا للزائرين على استكشاف خبايا المدينة في كل مرة يقبلون عليها.

وفكرة الجداريات بالمدينة هي تقليد انطلق مع أول دورة لموسم أصيلة الثقافي الدولي، وبالتحديد سنة 1978، حينما بادر المنظمون بتوفير معدات وأدوات لفنانين تشكيليين مغاربة، بهدف القيام بإنجاز نوع من الزينة يعكس الوجه الحضاري والفني لأصيلة، وتقديم رسالة مفادها الحفاظ على البيئة وجعل الناشئة يكبرون في محيط مفعم بالجمالية ، ليتطور الامر تدريجيًا مع توالي دورات المنتدى ويتم إشراك فنانين أجانب من مختلف دول العالم، من أجل المشاركة في جدارياتها.

 المغربية سناء السرغيني رفقة إحدى الفنانات الأجانب

 

ورش الصباغة والحفر

تحول فضاء قصر الثقافة بأصيلة إلى فضاء مفتوح للحفر والصباغة ، يجمع بين فنانين مغاربة وآخرين من دول متعددة، يجمعهم قاسم مشترك ويتمثل في الولع بالمدينة التي يعتبرونها ساحرة بكل المقاييس، ولا محيد عن زيارتها في كل مرة تسمح لهم الفرصة بمعانقة أجوائها المتميزة.

و قالت الفنانة التشكيلية المغربية سناء السرغيني، في تصريح لـ"إيلاف المغرب" أن المرسم الذي يحتضنه قصر الثقافة ينقسم لورشتين تهمان الحفر والصباغة، بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب من دول عديدة، منها تونس، الأردن، البحرين، الطوغو، اليابان، إسبانيا، إيطاليا وغيرها.

و أوضحت السرغيني المشرفة على مشغل الصباغة أنه يفتتح في كل سنة، بالموازاة مع انطلاق المنتدى الدولي الثقافي لأصيلة، ويتميز في كل مرة بتناول مواضيع مختلفة في نقاش ثقافي، يوحد بين الفنانين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفنية.

وزادت السرغيني قائلة "دائما هناك الجديد، بالنظر لتباين الفنانين المشاركين، والجميل في هذه التظاهرة أن كل واحد يقدم رؤيته وأسلوبه الخاص ونظرته للمدينة، وعن كيفية إدارة الأعمال التي ينتجها الفنانون المشاركون في المرسم، أفادت أنهم يتركون ثلث أعمالهم المنجزة خلال هذه التظاهرة لمؤسسة منتدى أصيلة، على أن يتم عرضها لاحقًا في متحف وعرضها للعموم"، مشيرة الى ان الفنانين التشكيليين "لديهم مطلق الحرية في إبداع وابتكار مختلف الاعمال، وكل منهم يترك لوحتين للمؤسسة".

البحرينية لبنى الأمين أثناء اشتغالها

 

أصيلة تجمع بين الثقافات

والتقت"إيلاف المغرب" مع مجموعة من الفنانين المشاركين القادمين من بلدان مختلفة، وذلك أثناء قيامهم بإنجاز لوحات فنية مبتكرة سواء في فن الصباغة أو الحفر.

وقالت الفنانة الأردنية هيلدا حياري أنها تشارك للمرة الثانية في ورشة الصباغة التي يحتضنها قصر الثقافة، وتعتبر أن ما شجعها على العودة مجددًا لمدينة أصيلة هو الأجواء المتميزة التي شهدها العام الماضي، إضافة إلى سحر وجمال المدينة التي تدفع أي فنان بالرجوع لها، فهي أساس كل الأعمال الفنية وان اختلفت توجهات مبتكريها.

في السياق ذاته، تضيف لبنى الأمين، فنانة تشكيلية من البحرين" أنا من عشاق أصيلة وموسمها السنوي، أعتقد أنه تطور بشكل ملفت عن آخر مرة شاركت فيها، خاصة أنه يمنحنا فرصة التعرف على خبرات جديدة، وتكوين علاقات متينة مع فنانين جدد، ما يثلج الصدر هو ظهور فئة جديدة من الفنانين الذين كانوا يتابعوننا وهم صغار والآن أضحوا فنانين كبارا".
بابتسامة عريضة، تقول الفنانة الإسبانية نازبال إيتزيار إن مشاركتها في مرسم الصباغة عمل ممتع، وتجربة جديدة، نابعة من حبها العميق للمملكة المغربية، بتاريخها وطبيعتها وعبقها الحضاري، وأشادت بالتلاقح الفكري والثقافي الذي يوفره منتدى أصيلة باستضافته لوجوه فنية من جميع أنحاء العالم.

الفن بالنسبة لإيتزيار لا يعرف حدودا، وهي التي توظف جسدها بدل الفرشاة من أجل رسم معالم مختلفة، تستلهم أفكارها من ألوان أصيلة المتنوعة، وتفسح لخيالها المجال للإبداع وإخراج كل ما يخالجها من أحاسيس ومشاعر للمتلقي الذي تترك له حرية التخمين والفهم حسب قناعاته وتصوراته للميدان الفني.

وتضيف الفنانة الإسبانية "تستهويني الصباغة بشكل كبير، يجعلني أطلق العنان لكل حواسي للمشاركة في إنتاج لوحات فنية، أمزج الألوان التي أرغب بالاعتماد عليها، وأقوم بتلطيخ يدي إلى المرفقين وبعدها أبدأ بالرسم مع وجود موسيقى حالمة ترافقني في مختلف المحطات، هناك من ينتقد هذه الطريقة التي أعتبرها مستجدة على اعتبار انها لا ينبغي أن تلامس الجسد، لكني أؤمن بأن عملي يبنى على حلم، أحاول إيصاله للناس لكي يحسوا به".

من جهته، يعتبر لاوسون فولا، الفنان الطوغولي نفسه محظوظاً لكونه يشارك في منتدى أصيلة وبالتحديد في معرض الفنانين التشكيليين للمرة الأولى، و يشير فولا المقيم حاليا في السنغال بمجهودات القيمين لجمع عدد مهم من الفنانين من دول مختلفة، يجمعهم قاسم الفن والإحساس الراقي في التعبير.

 فنان من الطوغو ينجز لوحته في حديقة قصر الثقافة

 

الحفر حاضر بقوة

نفس التوجه يتبناه كمال عبد الله، فنان تونسي مختص في الحفر والغرافيك، والذي لم يخف إعجابه بالتنظيم المحكم وأجواء الاشتغال التي اعتبرها إيجابية وجيدة،"هذه أول مرة أزور فيها مدينة أصيلة، راقني كثيرا أن يجتمع فنانون من العالم في مكان واحد لاقتسام تجاربهم، عموما ليس لدي دراية معمقة بالفنانين المغاربة، أعرف أعمالهم فقط عن طريق الإنترنت، وهي فرصة بالنسبة لي للتعرف عليهم عن قرب وتبادل الخبرات".

في سياق متصل، تؤكد الفنانة المغربية مليكة أكزناي، المشرفة على مشغل الحفر "منتدى أصيلة تطور بطريقة ملفتة وسريعة، فهو يستضيف أكبر الفنانين في الميدان ممن يعملون على نقل تقنياتهم وتجاربهم، واكبته منذ سنة 1978 أي منذ انطلاقه، و لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي للدور الذي يقوم به في مجال الثقافة والفن".

و عن التحديات التي تواجه فن الحفر في المغرب ومحترفيه، قالت أكزناي إنه من الضروري ان يكون هناك تدريس لهذا الفن والابتعاد بقدر الإمكان عما توفره البرامج المعلوماتية من أجل إتمام الأعمال المقدمة، تضيف بامتعاض شديد"استعمال هذه الوسائل مخالف لإحساس الفنان الذي يصبح رهينا بنمط معين في العمل عوض ان يترك لنفسه مجالا شاسعا من الإبداع بكل حرية".

 الاردنية هيلدا حياري وهي ترسم لوحتها
الفنانة الإسبانية نازبال إيتزيار
الفنانة المغربية مليكة أكزناي أثناء وجودها بمشغل الحفر