&&

تحول غارديان رواية "صلاة البحر" لخالد حسيني فيلمًا بتقنية الواقع الافتراضي. وهو يوضح كيف مثّل عمله مع الأمم المتحدة، ورغبته في إحداث فرق، مصدر إلهام له.
&
إبتسام الحلبي من بيروت: وصلتُ إلى مكتب في سان خوسيه لا شيئ مميّز فيه، حيث سأقابل خالد حسيني وسط كسوف شمس يحصل مرة واحدة في العمر. استغربت نوعيّة ضوء كاليفورنيا، فهو فضي ومثقل.
عندما فتح حسيني الباب، ألقيت تحية رسمية عليه فقاطعني: "هل رأيته؟". كان طويل القامة وأنيقًا، يمشي بطريقة ساحرة تذكّرك بجورج كلوني.
قال لي "هيا بنا"، وسلّمني زوجًا من النظارات الشمسية الخاصة واندفع نحو الجزء الخلفي من المبنى. أشار إلى بقعة في الفناء الخلفي قائلًا: "هناك بالتحديد، هذه أفضل بقعة."
وضعت النظارات الشمسية ونظرت إلى الأعلى نحو السماء. كانت الشمس دائرة مثالية، قصّ منها القمر بظله القاتم والمستدير قطعة على شكل هلال. لم أر يومًا مشهدًا مماثلًا. كنت قد حاولت مشاهدة الكسوف من سيارتي وأنا متّجه إلى الاجتماع، وفشلت، لكن ما أراني إياه حسيني يخطف الأنفاس بدرجات أكبر كثيرًا. خلعت النظارات بعد لحظة ونظرت في اتجاهه. كان يبتسم مبتهجًا، وكأنّه يشاهد الشمس من خلال عيني.
&
التزم توثيق حياة اللاجئين
عندما بدأنا المقابلة، كان الروائي متنبّهًا تمامًا. انهال عليّ بأسئلة حول من أكون ومن أين أتيت، وذلك قبل منحي فرصة تشغيل المسجل. شعرت أن سفراته في أنحاء العالم كسفير للنوايا الحسنة لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو منصب شغله أكثر من عقد من الزمان، وحديثًا في أوغندا، زاد من تقديره لحياته وحياة الآخرين.
وكان إسهامه الأساس في التحدث مع أولئك الفارين من القتال في بلدان مثل أفغانستان وتشاد والعراق والأردن وأوغندا، وكتابة قصصهم، كما فعل مع شخصيتي أمير وهزارا في روايته " عدّاء الطائرة الورقية" The Kite Runner الأكثر مبيعًا في عام 2003.
لو واجه كاتب غيره مثل هذا النجاح غير المتوقع، وبيع له أكثر من 7 ملايين نسخة من كتابه هذا في الولايات المتحدة وحدها، لربما كان انسحب مبتعدًا عن العالم. لكنّ حسيني، الهارب من الحرب، التزم بدلًا من ذلك توثيق حياة أحدث اللاجئين بهدوء، على أمل أن تقوم كتاباته بتحفيز العالم للتنبّه إلى محنتهم.
أخبرني أن "الجميع على علم بوجود حرب، لكن بمجرد الشعور بما تعنيه هذه الحرب، أعتقد أنّه بالنسبة إلى معظم الناس سيصبح من المتعذّر فهم عدم اتّخاذهم أي إجراء، حتى لو كان صغيرًا. وسيصبح التغاضي عنها أصعب بكثير. وإلا فستشعر بوخز الضمير".
&
وخز ضمير الغرب
بطريقة ما، كانت المهمة الكاملة لحسيني ككاتب هي وخز ضمير العالم الغربي. وكان والده دبلوماسيا أفغانيا يعمل في باريس عندما غزت روسيا وطنه في العام 1979. وطلبت أسرته اللجوء في الولايات المتحدة، ووصل حسيني إليها حين كان يبلغ 15 عامًا، وكان فهمه للغة الإنجليزية محدودًا.
ارتاد كلية الطب، وبدأ ممارسة مهنة الطب في ولاية كاليفورنيا. وفي حين كان لا يزال يعمل كطبيب، بدأ بكتابة "عداء الطائرة الورقبة"، على أمل مشاركة ما كانت عليه الحياة في وطنه. تذكّر: "كنت أتوقع أن يلقى الكتاب أصداء بين الأشخاص المهتمين بالمنطقة، ربما الذين كانوا مهتمين بأفغانستان على وجه التحديد". واضاف "لكن الشعبية التي نالها فاجأتني قليلًا".
ظلّ "عداء الطائرة الورقية" 110 أسابيع على قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا. ثم أتبعه حسيني بكتاب "ألف شمس ساطعة" A Thousand Splendid Suns في عام 2007، فبيع 38 مليون نسخة من أول كتابين معًا في جميع أنحاء العالم. لكن قبل كتابة روايته الثالثة والأحدث "وردّدت الجبال الصدى" And the Mountains Echoed في عام 2013، بدأ عمله مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي تجربة يقول انها غيرته ككاتب: "أعتقد أن كتابي الثالث كان أكثر هدوءًا، تعامل بشكل أقل مع الأنماط البدائية، [هو] أكثر تعقيدًا. النزوح واللاجئون وهذه الأمور لا تزال ترافقني بشكل كبير، وأعتقد أنني أعيش الآن، لست مشغولًا، بل شاغلًا ذهني في قضايا أكبر من تلك التي كانت تشغلني حين كتبت عداء الطائرة الورقية".
&
قصة مؤلمة ومدمرة
آخر أعمال حسيني قصة قصيرة: "صلاة البحر" Sea Prayer، تم تحويلها إلى مشروع بالواقع الافتراضي بالتعاون مع المفوضية وصحيفة غارديان.
إنها قصة مؤلمة ومدمرة، يرويها والد أرسل ابنه على متن قارب من سورية فيناجي المياه الشاسعة متوسلًا أن تحافظ على سلامة طفله.
استوحى الروائي كتابه بعد رؤية صورة آلان الكردي، اللاجئ السوري البالغ من العمر ثلاث سنوات الذي غرق في عام 2015 بعد أن انقلب القارب الذي كان على متنه وهو متّجه نحو أوروبا. فعندما نقلت المياه جثته الهامدة إلى شاطئ تركيا، أثارت الصور المروعة رد فعل عالمي ضخم، محوّلة الطفل إلى رمز مأساوي للأزمة السورية، خصوصًا أن ما لا يقل عن 8500 شخص قد فقدوا في البحر الأبيض المتوسط منذ وفاة الطفل.
يفسّر حسيني أن الطريقة التي فكر بها، عندما رأى الصورة، كانت كل العمل غير المرئي المبذول لتربية طفل، "كل المخاوف الخاصة، والقلق الخاص، والتأكد من أن لديهم هذا، والحرص على أن يأكلوا كما يجب، وأن يتمّ تلقيحهم، وأن يرتدوا ملابس تلائمهم، وألا يشعروا بعدم الارتياح، وأن يناموا جيدًا، وأن يحصلوا على الفيتامينات اللازمة. ثم يضيف قائلًا إننا نقلق على رفاهيتهم، ونحرص على قيامنا بكل هذا العمل، لنرى الشخص الذي أشبعناه من كل هذا الحب والعاطفة والعمل، جثة هامدة على الشاطئ.
&
الكتاب العابث
في مشروع الواقع الافتراضي، يتمّ تحويل قصة "صلاة البحر" إلى لوحة غامرة ثلاثية الأبعاد أبدعتها الفنانة ليز إدواردز، من خلال استخدام تقنية تيلت بروش، لتظهر مع زخرفات وبقع من الطلاء مترافقة في الوقت نفسه مع السرد، حيث يروي القصة الممثل عديل أختار الحائز على جائزة بافتا.
رافقت التجربة المرئية، موسيقى تصويرية مؤثّرة من تأليف الموسيقار ديفيد كولتر، بالتعاون مع "فرقة كرونوس" الوترية الرباعية Kronos Quartet، وهي مجموعة تبرعت بوقتها لتسجيل القطعة الموسيقية.
عندما قرأت - وشاهدت - صلاة البحر، ما ذُهلت بالجمال فحسب بل بالعبث الذي يمثله هذا الكتاب. فالوالد يناجي البحر، لكنّ البحر لن يستجيب أو لا يمكنه الاستجابة لصلاته. سألت حسيني إن كان يبقى متفائلًا، حتى بعد إمضاء جزء كبير من العقد الماضي منغمسًا في أحلك جوانب الإنسانية، أجاب: "لو لم يكن لدي إيمان أو ثقة بأننا بقيامنا بما نقوم به نحن نصنع فرقًا، فإنني سأعيش في عالم سخرية فعلي، ولا أجد أنها طريقة مثمرة للعيش. هناك، نكون قد وصلنا بالفعل إلى وضع ميؤوس منه. في الأقل، بهذه الطريقة هناك أمل في أن شخصًا ما سينسجم ويتواصل مع هذه القصص".
مهما بدا أمل حسيني ضئيلًا، فهو مثير للإعجاب. فالشعور بالتفاؤل ونحن في منزل مريح في بلد لا تسيطر عليه الحرب مختلف تمامًا عن السفر والجلوس مع الناس الذين بالكاد نجوا من ظلام لا يوصف، وما زالوا يشعرون بأنّ تغييرًا ما، مهما كان ضئيلًا، واجب وممكن.
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2017/sep/02/how-khaled-hosseini-finds-hope-in-telling-refugees-stories
&