ماذا حدث للربيع العربي وأبطاله، وكيف انتهى بهذه السهولة، وانطفأت جذوته، ليتحول إلى مجرد ماض، نتذكر منه أسماء مثل محمد بو عزيزي وخالد سعيد وميدان التحرير؟... كتاب جديد يتناول أسباب فشل الربيع العربي وانحساره.

إيلاف: بعد مرور نصف عقد على الربيع العربي وهبوط الناس إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير، تبخّر الأمل بالديمقراطية مع تصاعد أعمال العنف، وتجدد ممارسات قمعية. فلا تزال مصر دولة متسلطة، فيما تدور حروب في سوريا، واليمن وتعيش ليبيا في حالة من الفوضى. حتى تركيا، التي شهدت احتجاجات واسعة النطاق، تخلت عن توجّه سابق نحو الانفتاح والديمقراطية، ليتحول الحكم فيها إلى أوتوقراطي تقريبًا.

ماذا حدث؟

"ربيع" لم يكن دافئًا... وأحلام شعوب تبددت

يحاول ستيفن كوك الباحث والخبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الإجابة عن هذا التساؤل الضخم في كتابه المعنون "فجر كاذب: احتجاج وديمقراطية وعنف في الشرق الأوسط" False Dawn: Protest, Democracy, and Violence in the New Middle East, Steven A. Cook, (منشورات جامعة أوكسفورد، 352 صفحة، 21.60 $).

يتضمن الكتاب تحليلًا معمقًا للتطورات التي شهدها عدد من دول الشرق الأوسط، كما يتضمن عرضًا تاريخيًا يستخلص من خلاله العوامل الرئيسة التي ساهمت في خلق الربيع العربي، ثم في فشله مع نبرة متشائمة إلى حد ما.

لا يعطي الكتاب صورة شاملة عن منطقة الشرق الأوسط على العموم، بل يركز على أربع دول: مصر وليبيا وتونس وتركيا. يطرح ملاحظاته على التطورات الحديثة والمستمرة فيها وتاريخها المعاصر، ليعطينا تصورًا عن الإتجاهات العريضة في المنطقة. 

مع ذلك لا يعطي الكتاب أي أجوبة واضحة وعميقة لمن يرغب في معرفة الآليات التي تؤثر حاليًا في سوريا والعراق واليمن ودول الخليج أو ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو من يحاول فهم تفاصيل الخصومة المذهبية بين السعودية وإيران. لكنه يستخدم الدول الأربع كنماذج يعتمد عليها في شرح مسار التاريخ الحديث في المنطقة بشكل عام.

ليست ثورة
يعتقد الباحث كوك أن الانتفاضات والاحتجاجات التي وقعت بين 2010 و2013 كانت تباشير فجر كاذب، وهو يضع خطًا تحت عام 2013، لكونه شهد احتجاجات شعبية، طالت دولًا غير عربية، مثل تركيا.

من ملاحظات الكاتب المهمة أن الاحتجاجات جاءت للتمرد على أوضاع القمع والاضطهاد السائدة في هذه الدولة، لكنها لم تصل إلى مستوى الثورات. إذ لم تحدث تغييرات جذرية حقيقية في بنية مؤسسات الحكم، لا في دول الربيع العربي ولا في تركيا، بل واصلت جماعات النخبة سيطرتها على مقاليد السلطة فيها، رغم تغير بعض الوجوه والشخصيات.

يقول الكاتب "الفشل في القضاء بشكل كامل على الأنظمة السابقة السائدة هو ما جعل قوى التغيير التقدمية السياسية ضعيفة في مواجهة خصوم أكثر تنظيمًا وأفضل تمويلًا – إسلاميون وجنرالات ومتطرفون وعسكريون وحلفاؤهم".

حد للمهانة
يعتقد الكاتب أيضًا أن الأوضاع الاقتصادية وسوء إدارة شؤون هذه البلدان لم تكن السبب الرئيس في إشعال فتيل الاحتجاجات والتمرد، ذلك أن شعوب المنطقة تعاني من شظف العيش منذ زمن بعيد. ويلاحظ أن: "الاحتجاجات ارتفعت في فترة ازدهار اقتصادي نسبي، وكان سعر برميل النفط الواحد يقارب 100 دولار في ربيع 2011، أي أكثر من ضعف سعره اليوم".

أما السبب الحقيقي في نظر الباحث فهو توقف هذه الشعوب عن تحمّل حالة المهانة وهدر الكرامة، التي كانت السلطات تمارسها ضدهم. 

ويرى الكاتب أن حكومات هذه الدول دأبت لفترة طويلة على تدمير كرامة المواطنين وبشكل منهجي، وهو يعتبر إحراق محمد بو عزيزي نفسه، في تونس، بعدما صفعته شرطية في الشارع في 17 ديسمبر 2010 دليلًا على ذلك. ويكتب كوك "عجرفة السلطات وحالة العجز التي يشعر بها الناس كانا عاملين مهمين في تحريك الاحتجاجات، وبدت مسألة الكرامة عنصرًا مشتركًا ومركزيًا فيها".

أسباب الفشل
يعتقد كوك أن عوامل عديدة ساهمت في منع الاحتجاجات من خلق ظروف سياسية واقتصادية أفضل من السابقة، ومنها ما يدعوه سياسة الهوية أو السياسة المعتمدة على الهوية، والتي يشرحها بالقول إنها تعني انتماءات اجتماعية واقتصادية وتربوية وعرقية ودينية وتاريخية، وترتبط حتى بمسقط الرأس.

أضف إلى ذلك أن هيكلية المؤسسات في المنطقة تقوم على حماية مصالح أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، ومن الطبيعي أن يسعى قادة البلاد، القدماء منهم والجدد، إلى الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية السائدة وتعزيزها لضمان امتيازاتهم لأطول فترة ممكنة.

سبب آخر يتعلق بضعف دور المجتمع المدني والقطاع غير الحكومي في دول المنطقة، وهو ما أسهم في إضعاف جهود نشر الديمقراطية، وتحقيق التغيير المطلوب، لاسيما أن الحكومات ظلت تلاحق منظمات المجتمع المدني، وتمنعها من الحصول على دعم خارجي، بل وتنظر إليها بعين من الشك بشكل عام. 

وكانت النتيجة لجوء الأفراد إلى مراكز سلطة بديلة، تمثلت في العشائر والانتماء المناطقي والديني والمذهبي وتنامي سياسة الهوية وما رافق ذلك من عنف واحتراب.

مع ذلك، وحسب رأي الكاتب، لا يمكن تحميل القادة وحدهم مسؤولية السياسات المعتمدة في دولهم، فمن المؤكد أنهم حصلوا على دعم من المعارضة الكاذبة ومن المتطرفين المتعطشين للدماء ومن قوى عالمية لا مبالية. 

دور أميركي
يعرّج الكاتب أيضًا على دور الولايات المتحدة في دعم تطور الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى ضعف التزام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بهذا التوجه، من خلال الطريقة التي تعامل بها مع مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية أو MEPI التي بدأت في عام 2002، وهي مبادرة وصفها الكاتب بالقول إنها تهدف إلى "دعم الديمقراطية والإصلاحات الإقتصادية والتربوية والتعليمية وتمكين المرأة، والوصول بشكل مباشر إلى المجتمعات العربية، والعمل مع شركاء يتمتعون بمباركة الحكومات أو لا يتمتعون".

دور الولايات المتحدة في المنطقة يقودنا أيضًا إلى اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام حسين، حيث يرى الكاتب أن هذا الحدث رغم أهميته لم يكن له تأثير حقيقي على احتجاجات الربيع العربي.

يلاحظ الخبير أيضًا أن "تاريخ واشنطن على صعيد تقديم دعم ثابت إلى إسرائيل وإلى أنظمة المنطقة الدكتاتورية كان مصدر غضب العديدين في العالم العربي". يضيف "الناس في المنطقة طالما أعجبوا بالولايات المتحدة وبمبادئها وبمثلها، لكنهم لم يفهموا على الإطلاق الفجوة القائمة بين الطريقة التي يعيش بها الأميركيون في بلدهم، والطريقة التي تتصرف بها واشنطن على الصعيد العالمي".

كما يعرّج الكاتب على مسائل أخرى في كتابه، منها أفكار سائدة ومكتسبة، مفادها أن العرب، أيًا كان مستواهم الاجتماعي والثقافي، ليسوا مختلفين عن الغربيين فحسب، بل هم أدنى منهم درجة، حتى إن طرح تساؤلات عن مدى قدرة العرب والمسلمين على احتضان الحداثة أمر وارد تمامًا.

يتضمن الكتاب الكثير من الشروحات والمراجع مع جدول زمني لأهم الأحداث في المنطقة ابتداء بحادثة محمد بو عزيزي في ديسمبر 2010 وحتى سبتمبر 2016 عندما تدخلت تركيا عسكريًا في سوريا. ويروي الكاتب تجربته خلال وجوده في ميدان التحرير في يناير 2011.

لم يكن حقيقيًا
خلاصة هذا الكتاب لخصها الكاتب في الجملة الآتية: "أثبت الفجر الذي بزغ أولًا في تونس مبشّرًا بعصر جديد أنه كان فجرًا كاذبًا. ويبدو أن التوانسة والمصريين والليبيين والأتراك أدركوا الآن أن المستقبل لن يكون أفضل مما كان عليه لحظة أشعل محمد بو عزيزي عود الثقاب وأحرق نفسه".

يكتب أيضًا قائلًا: "عندما ننظر إلى الوراء، يبدو الأمر وكأنه مجرد حلم .... المدوّنون وناشطو فايسبوك المصريون ومحمد بو عزيزي وخالد سعيد وميدان التحرير والمقاتلون الليبيون الشجعان الذين كانوا يزحفون نحو طرابلس، والفتاة ذات حمالة الصدر الزرقاء والفتاة ذات الرداء الأحمر في متنزه غازي، كل هؤلاء ليسوا من الماضي البعيد جدًا، لكنهم يبدون كذلك، وكانوا وسائل تعبير عن عزم وإصرار وتحدّ ونشاط، لم يستطع أحد استئصاله، غير أنه انكمش بنفسه، بسبب عدم اليقين السياسي وعدم الاستقرار، وفي فترة شهدت أعمال عنف لا يمكن وصفها".

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلًا عن موقع«ميبك.أورغ». المادة الأصلية منشورة على الرابط:
http://www.mepc.org/false-dawn-protest-democracy-and-violence-new-middle-east