«إيلاف» من دبي: في القرون الأربعة الماضية، أحرزت الليبرالية نجاحًا باهرًا لأنها أخرجت خصومها كلهم من ساحة المعركة. أما الآن، تتفكك الليبرالية إذ دمرها مزيج من الغطرسة والتناقضات الداخلية بحسب باتريك دينين، أستاذ السياسة في جامعة نوتردام، في كتابه "لماذا فشلت الليبرالية" Why Liberalism Failed (منشورات جامعى يال، 248 صفحة، 30 دولارًا).

حطام الليبرالية

بحسب "إيكونومست"، يمكن رؤية حطام ليالي الليبرالية المقمرة في كل مكان، خصوصًا في أميركا التي يركز عليها دينين في كتابه. حُطمت المبادئ الدينية للإيمان، وأنتجت تكافؤ الفرص طبقة أرستقراطية جديرة بالقدرات، ولها كل ما تحمله الأرستقراطية القديمة من معنى.

تحولت الديمقراطية إلى مسرح عبثي. ويقلل التقدم التكنولوجي من مجالات العمل أكثر من أي وقت مضى. يكتب: "اتسعت الفجوة بين مطالبات الليبرالية حول نفسها والواقع الذي يعيش فيه المواطنون، حيث لم يعد ممكنًا قبول الكذب".

يستخدم دينين مصطلح "ليبرالية" في فلسفته بديلًا من مصطلح الشعور الشعبي، واصفًا التقليد العظيم للنظرية السياسية التي ترد في العادة إلى المفكرين توماس هوبز وجون لوك، بدلًا من مجموعة مواقف يسارية غامضة يربطها الأميركيون بكلمة "ليبرالية".

لكن، يرى معظم المنظرين السياسيين أن الليبرالية انقسمت إلى تيارين مستقلين: الليبرالية الكلاسيكية التي تحتفل بالسوق الحرة؛ والليبرالية اليسارية التي تحتفي بالحقوق المدنية. كما يرى معظم المراقبين السياسيين أن لا علاقة لهم بالنقاش حول الليبرالية. أما دينين فيعد الليبرالية فلسفة حاكمة، تملي قرارات المحاكم كما سلوك الشركات، بينما تبقى النظرية هي الممارسة.

عيبان قاتلان

تكمن الوحدة الأساسية في التعبير عن الذات الفردية. يصور الكلاسيكيون واليساريون الليبراليون البشر أشخاصًا لهم حقوق ينبغي أن تعطى أكبر قدر ممكن من المساحة ليحققوا أحلامهم. الهدف من عمل الحكومة هو تأمين هذه الحقوق. وتستند شرعية النظام إلى إيمان مشترك في "العقد الاجتماعي" بين البالغين.

لكن هذا ينتج مفارقة لا سبيل إلى نتجنبها، لأن الروح الليبرالية تدمر العادات والتقاليد المحلية الموروثة، باسم كفاءة السوق حينًا، وباسم الحقوق الفردية أحيانًا، وتنتج مجالًا أكبر لتوسيع الدولة.

يحسن دينين تقديم قضيته، على الرغم من أنه يخلط أحيانا بين التكرار والإقناع. ويذكّر القارئ أنه قبل ظهور الليبرالية الحديثة، حدد الفلاسفة الحرية مع إتقان الذات بدلًا من التعبير عن الذات. وهو يسعى لتخليص المزاج الإنساني من تداعيات خيبة الأمل، مرددًا شكاوى يسارية حول تفشي الشعور التجاري، وشكاوى يمينية حول نرجسية الطلاب والبلطجة، والمخاوف العامة من الانحلال الاجتماعي والأنانية. ولكن، عندما يخلص إلى أن هذا كله يساهم في فشل الليبرالية، فهل حجته مقنعة؟

في كتابه عيبان قاتلان: يكمن الأول في تعريفه الليبرالية. فالأكاديمي الأميركي جي أتش هكستر يعتقد أنه يمكن تقسيم زملائه المؤرخين إلى معسكرين: الخونة والمثقفون. دينين هو المتطرف، ويقول إن جوهر الليبرالية يكمن في تحرير الأفراد من القيود.

تقاليد فكرية

في الواقع، تتضمن الليبرالية باقة واسعة من التقاليد الفكرية التي تقدم إجابات مختلفة عن كيفية التعامل مع المطالبات النسبية بالحقوق والمسؤوليات، والتعبير الفردي والعلاقات الاجتماعية. حتى الليبراليين الكلاسيكيين الذين كانوا أكثر إصرارًا على إزالة القيود المفروضة على الحرية الفردية انزعجوا من انحلال الليبرلية.

بحسب "إيكونومست"، دينين على حق في إشارته إلى أن سجل الليبرالية في السنوات الأخيرة كان كئيبًا. وهو أيضًا على حق في التأكيد أن للعالم الكثير ليتعلمه من مفاهيم الحداثة وما قبل الحداثة كإتقان الذات وإنكارها.

ليس التحريف أكبر عدو لليبرالية، لكن الجشع قديم، ومن الخطأ القول إن السبيل الوحيد لتحرير الناس أنفسهم من تناقضات الليبرالية هو "التحرر من الليبرالية نفسها".

 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط:

https://www.economist.com/news/books-and-arts/21735578-its-best-years-are-behind-it-according-new-book-liberalism-most?frsc=dg%7Ce