&
بقلم محمد خضير سلطان
&
مبادرة طيبة تنوي احدى دور النشر الاهلية العراقية الاقدام عليها بحذر عبر نشر مخطوطة& كتاب "الفكر الاشتراكي في الادب العراقي 1918-1958" للكاتب الباحث الراحل عبد اللطيف الراوي بعد& ان كان في ذمة الغياب لأكثر من اربعة عقود من الزمن حتى أن الجمهور الادبي والفكري العراقي لا يتذكر من هذا الحدث الثقافي في السبعينيات من القرن الماضي إلا الساعات الطويلة الاثنتي عشر للجدل الاكاديمي والسياسي الساخن المتابع اعلاميا في وقتها خلال جريدة طريق الشعب والذي اداره على منصة جامعة بغداد ببراعة الباحث الراوي لنيل الدكتوراه امام نخبة جليلة من الاساتذة العراقيين المرموقين، ولم يحسم هذا النقاش إلا بتدخل رئاسي آنذاك اما التفاصيل العامة لمثل هذا النقاش وكيف جرت ولماذا عملية الرفض ومن ثم القبول لهذه الاطروحة لم تكن واضحة للقارىء ،ومن الضروري بحثها وتوثيقها وذكرها من اجل إعطاء صورة واضحة لمجريات ووقائع الرسالة وقد ذكر الباحث سعدون هليل - مقدم الكتاب - بعضا من هذه التفاصيل في المقدمة غير انها لم تكن كافية& في الوقت الذي يمتلك الكثير من المعلومات التي لو وردت ستضيء اكثر من بعد تزامني وفكري لا يتعلق بالكتاب نفسه حسب قدر ما يترابط مع المحصلة المعرفية والنقدية بعد اربعة عقود على مناقشة الرسالة.
لقد جاءت حالة القبول الرئاسي بالرسالة حينئذ ما يشبه ذر الرماد في العيون كما يقال إذ حجبت الرسالة عن عملية استكمال نشرها في كتاب في محاولة واضحة لمنع تبويبها وتأثيرها في المفاصل النقدية العراقية التي قامت على عدد من الكتب التي عدت قاعدة الخصائص الفنية والادبية للظروف السياسية المتواشجة مع جبهة الشيوعيين والبعثيين في بداية السبعينيات المرافقة مع نهضة ادبية منظمة وممنهجة من قبل السلطة بالرغم من ان الرسالة كانت تدرس التيارات السياسية ذات المنهج الايديولوجي ومنهم البعثيون ، ومع ذلك لم يرق لهم منهج الراوي في دراسته لبعضهم .
وهذا ما يقود الى نقطة اخرى في مشروع نشر الرسالة ، تخص عملية تزامنية الكتاب بعد انقضاء اكثر من اربعة عقود،واقصد بالتزامنية هي تقديم مثل هذا البحث الفكري في ضوء تراكم التيارات والمدارس الفكرية والنقدية التي افضت معالجاتها الى متغيرات كثيرة في المجريات النقدية والمنهجية فكيف تصمد دراسة مضمونية (التركيز على المضامين) امام المنهجيات الشكلانية والسياقية الحديثة وما الذي يحدد قيمتها في هذا السياق اذا لم يبذل جهدا قد يكون موازيا في تعقب اثرها الكبير في النص والمجتمع العراقيين،ولا اعني ابدا ان الدراسة لم تعد صالحة للتكيّف والتبيىء مع المتغيرات الفكرية والمنهجية الجديدة بل انها تمثل نواة اولى متقدمة في وقتها مثلما يمثل ما تدرسه الرسالة نواة اولى متقدمة بمعنى ان الراوي الذي درس محمود احمد السيد وذنون ايوب وعبد الحق فاضل ومصطفى علي وعبد الفتاح ابراهيم وعبد القادر اسماعيل وغيرهم قبل اربعة عقود من زمنهم في العشرينيات من القرن الماضي..فكيف ندرس الراوي بعد انقضاء اربعة عقود أخرى على زمن دراسته في السبعينيات.
&اعتقد ان مفارقة نقدية ستكشف عن مستقبلية الراوي التي تجعله متقدما حتى هذه اللحظة منبثة ،في التقاطاته الكثيرة البارعة هنا وهناك في البحث ومن الممكن استجلاؤها لتكون متخطية لواقعها الثقافي والمنهجي فضلا عن اتصالها بالنقدية العراقية ومؤشرات خطوطها البيانية على النحو التصاعدي،لنأخذ على سبيل المثال ما نستدل عليه من الدراسة حول الافكار السياسية المبكرة في العراق وعملية تطورها البسيطة بالمقارنة مع الاوساط الثقافية المصرية اذ تدشن الماركسية العراقية في بواكيرها الاولى استمدادا ونسغا من مصادر محلية واقليمية ودولية ،يجعلها تغدو تنظيما سياسيا هائلا قبل ان تبلغ مستوى ثقافيا مناسبا فيما تبلغ المستوى الثقافي المطلوب في مصر في الوقت الذي لم يكن بوسعها بلوغ التنظيم السياسي كما حدث في العراق.
وتشير الدراسة ايضا الى الفجوة بين الوعي السياسي الصرف واثره في النص الادبي العراقي فيما لم يبلغ الواقع السياسي نفسه في الفضاء الاجتماعي المنزلة الموازية من حيث قرارات الحكومة او التشريع والتنمية ومرد هذه الفجوة،تراكم الخبرات الثقافية المستمدة من خارج الفضاء الاجتماعي العراقي التي تدفع الوعي متقدما على الوقائع السياسية ولعل حكومة بكر صدقي& أكبر مثال على ذلك بين يمينها السياسي الذي يمثله اقطاب معروفون وبين يسارها الثقافي البارز،ان هذه المتناقضات الفكرية وغيرها كثير جدا في انحاء دراسة الراوي يمكن لأي باحث سبرها لاستخلاص تزامنية في ضوء المنهجيات الحديثة واكتشاف سر المفارقة العراقية بصددها.
اما اذا كان المقدم لهذه الدراسة لا يسعى لأسباب كثيرة لعدم الخوض في هذا الحقل(اقصد التزامنية)،وهذا وارد اذ ليس بالضرورة ان يكون تقديم الدراسة متحملا وزر قراءتها على النحو السابق،ولكن لابد من الاشارة الى الجوانب القيمية والتزامنية العامة التي دفعته الى طبعها بعد تغييبها المقصود حتما،وتستند هذه الاشارة الى اعتراف المقدم بدفع مخطوطته المشفوعة ببعض المعلومات المهمة كونها وثيقة مغيبة وجزءا من التراث النقدي العراقي الحديث الذي لم يتخط عتمة مكتبات الجامعات العراقية للمخطوطات غير المطبوعة،وان يثبت بدقة اسباب تغييب هذه المخطوطة عن النشر في الماضي بما يتيح للباحثين احد المصادر المهمة لقراءة النقدية العراقية وجدلها المعاصر.
من الضروري ان يطبع الكتاب بدون الاعداد والتقديم على غلافه الاول،ولعل القارىء سيجد المقدم بلا حاجة لاستعراض الكتاب وفصوله لأنها من مهمة المؤلف وكما ذكرت ايراد المعلومات المهمة التي تخص القارىء كما من المهم ايضا التدقيق في منهج الباحث وعملية توصيفه لم تصل الى المنهج المادي التاريخي بالرغم من انها اشتملت عليه بمعنى ان الباحث يمثل بدايات او محاولات استخدام هذا المنهج ويمكن عده كذلك كمحاولة مهمة.
&
*هامش
يعثر الكتبيون في سوق المتنبي للكتب ببغداد احيانا على اكثر من وثيقة ادبية مهمة ،تنال تحقيقا وبحثا وترجمة من قبل الباحثين ومنها رسالة ،"الفكر الاشتراكي في الادب العراقي " للراحل عبد اللطيف الراوي.
&