&
يحب الكاتب الصربي الكسندر غاتاليكا أن يلتقي أحباءه والصحافييين الذين يرغبون في التحدث اليه في مطعم "نقطة إستفهام" الواقع في قلب بلغراد حيث ولد عام 1964. وغالبا ما يستهويه الحديث عن كتابه المفضلين من الألمان من أمثال توماس مان،وهاينريش مان، وايريك- ماريا ريمارك صاحب رائعة"لا شيء يحدث على الجبهة الغربية". كما يستهويه الحديث عن الأمريكيين الجنوبيين من أمثال بورخيس وماركيز. وهولا يخفي إعجابه بالبعض من كتاب أوروبا الشرقية من أمثال دانيلو كيش، وبوريسلاف بيكيك. ومن الأدب ينتقل الى الموسيقى الكلاسيكية التي أثرت فيه هي أيضا .لذا هي تحضر في جل ماكتب من روايات خصوصا في روايته الأخيرة"في الحرب كما الحرب" التي حصلت على أرفع جائزة في بلاده.كما ترجمت الى العديد من اللغات، بينها الفرنسية.وقد أكدت هذه الرواية موهبته العالية، وثقافته العميقة، وإلمامه بالتاريخ الأوروبي .ومنذ أن شرع في كتابتها كان السكندر غاتاليكا يريد ألا تكون روايته من صنف تلك الكتب التي يهملها القارئ في غرفة فندق، أو ينساها على كرسيّ في محطة للقطارات. بل كان يريد أن يتعلق بها القارئ فلا يتركها إلّا بعد أن يأتي على جميع صفحاتها التي يربو عددها على 600 صفحة!
في رواية "في الحرب كما في الحرب"نقرأ الفقرة التالية:”بالنسبة الى الدكتور محمد غراهو، بدأت الحرب في يوم قائض من أيام شهر حزيران-يونيو وذلك عندما أخبر من دون تقديم تفاسيرعلى أنه سيؤتى ب"جثتين مهمتين". إلاّ أن الدكتور غراهو، وهو عجوز محني الظهر لكنه لا يزال يتمتع بالصحة، يعتقد أنه ليس هناك جثث أهم من غيرها من الجثث. وكل الجثث التي مرت بمشرحه كانت شاحبة مثل العسْو، والفم مفتوح بشكل يوحي باليأس، والنظرة ضائعة بحثا عن آخر لمعة ضوء .وغالبا ما لا يوجدالوقت الكافي لإغماض العينين، أو لا يتوفر السماح بذلك. غير ان كل هذا لم يكن يحير الدكتور غراهو .فمنذ 1874 وهو يرتدي البذلة البيضاء، ويضع نظارتيه المدورتين، ويعمل في مستشفى سراييفو"...
الثمة الأساسية في رواية "في الحرب كما في الحرب" هي الحرب الكونية الأولى، وما جرى فيها من أحداث قبلها وبعدها. ويقول ألكسندر غاتاليكا:”في البداية خامرتني الأسئلة التالية: هل صحيح أنه في عام 1900 كان كل الناس يتوقعون أن يكون القرن العشرين قرنا مَجيدا؟وهل صحيح أنه لم يكن هناك أي جيل كان مستعدا لمثل تلك الحرب ذات الإتساع الهائل؟ وهل صحيح أنه كان هناك من يفكر بأن تلك الحرب سوف تجنب العالم حروبا أخرى؟ وصحيح أن المؤرخين أجابوا على مثل هذه الأسئلة، وغيرها. أما أنا فقد أردت أن أجيب عنها بطريقتي الخاصة، طريقة الروائي الذي يرغب في إظهار الشكوك، والمخاوف والأوهام، والآمال، والأحلام، والخيانات، والخلافات التي طبعت شخصيات تلك الفترة”.
وكما هو معلوم كان السبب المباشر لاندلاع الحرب الكونية الأولى هو اغتيال فرانسوا جوزيف في سراييفو، غير أن ألكسندر غاتاليكا يستعرض العديد من الأحداث الأخرى الصغيرة والكبيرة . ويقدم لنا شخصيات مشهورة وأخرى مجهولة. فهناك مثلا تاجر توابل في اسطمبول، وبيار الأول ملك صربيا، ولينين وهو يجتاز ألمانيا في قطار مصفح لإشعال الثورة في روسيا، وشرطي يلاحق ثوريين في البلقان، والفنانون المعارضون للحرب في حي "مونبارناس" ببارس، والذين من بينهم قتلوا على جبهات القتال. وفي الرواية أيضا الشاعر الفرنسي أبولينير الذي مات بسبب جرح في الرأس، والذي كان قد وصف قبل وفاته”طريقه نحو الموت”...ومعنى هذا أنّ ألكسندر غاتاليكا أراد من خلال روايته أن يقدم صورة بانورامية عن سنوات الحرب، وما أحاط بها من ملابسات على جميع الأصعدة.
وعن تأثيرات الموسيقى في قصصه ورواياته يقول الكسندر غاتاليكا:”ثمة كتب لها شكل سمفونيات،وأخرى لها شكل سونتات. وثمة كتب لها نفس التتابع والتسلسل الذي نجده في المقطوعات الموسيقية. والمواضيع في هذه الكتب تتكرر، وتختلط ببعضها البعض. وهذا يتم دائما بحسب الجمالية الأوروبية التي تفترض بداية ونهاية. وهذا ما يتميز به الفن الأوروبي منذ هوميروس. وفي سنوات شبابي أمضيت ثلاث سنوات في فيتنام وفي الهند. وكان يكفي حضور حفل موسيقي للراحل رافي شانكار لكي ندرك أن الفن في آسيا يبدأ من لا شيء، ولا ينتهي أبدا. لذلك يرى بعض النقاد ان روايتي "الحرب كما في الحرب" جاءت على شكل سمفونية تتعدد فيها آلالات والأنغام الموسيقية ".
ويضيف الكسندر غاتاليكا قائلا:”لقد عرفت أوروبا حربين عالمين خلال القرن العشرين. مع ذلك تمكنت من استعادة قوتها ونفوذها. أما في حالة وقوع حرب كونية أخرى، فسيكون الدمار شاملا ونهائيا !”...
&