إيلاف: هل يعيد التاريخ نفسه، ولكن بوجوه ذات ملامح مختلفة بعض الشيء؟... الجواب هو نعم بالنسبة إلى اللخبير والمحلل السياسي النروجي المتخصص في التاريخ المعاصر والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد أويستان تانسو، الذي صبّ اهتمامه في الفترة الأخيرة على النظام السياسي الدولي، في ظل حكم القطب الواحد أو القطبين أو أقطاب متعددة.

عنوان أحدث كتبه هو "عودة الثنائية القطبية: الصين والولايات المتحدة والواقعية الجيوبنيوية" من منشورات جامعة كولومبيا، ويقع في 288 صفحة.

ثنائية جديدة
يخصص الكاتب مؤلفه، كما هو واضح من العنوان، لشرح النظام السياسي الدولي الحالي، الذي يعتبر أنه يقوم على نظام ثنائي القطبية يتمثل في الولايات المتحدة والصين ولا أحد غيرهما. 

ويرى الكاتب أنه رغم كل ما يقال عن أن الصين لا تعادل الولايات المتحدة على صعيد القوة العسكرية والاقتصادية، إلا أنها تملك حاليًا ما يكفي من القوة كي تكون قطبًا منافسًا في لغة السياسة الدولية، ما يعني أن العالم يقوم حاليًا على نظام القطبين مرة أخرى، ولكن مع بعض الاختلاف عن النظام الذي كان قائمًا خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

فوارق
يشرح الكاتب الاختلاف بين الثنائية الحالية والسابقة بالإشارة أولًا إلى قضية تتعلق بالجغرافيا، حيث إن ميدان المواجهات المحتمل في النظام السابق كان أوروبا، فيما انتقل الميدان الحالي إلى آسيا. 

ما يريد الكاتب قوله هنا هو أن القوات الأميركية والصينية لا يمكن أن تتواجه على البر - أي أوروبا في ظل النظام السابق - بل قد تتواجه في المنطقة البحرية في شرق آسيا، وهي منطقة ذات أهمية حيوية كبيرة جدًا بالنسبة إلى الطرفين، وهو ما يزيد من احتمال وقوع مثل هذه المواجهة.

فرق آخر بين النظام ثنائي القطبية الحالي والسابق هو ضعف احتمال وقوع حروب بين القطبين بالاستعاضة كما كانت الحال مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. ويشير الكاتب هنا إلى أن اهتمامات الصين إقليمية أكثر منها عالمية. 

لماذا ثنائي؟
يحلل الكاتب في القسم الأول من مؤلفه أسباب عودة النظام الدولي ثنائي القطبية، ويبرز ثلاث أفكار مهمة، وهي: تقلص الهوة الفاصلة بين الطرفين على صعيد امتلاك القوة بجميع أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية… إلخ. ثم توسع الهوة الفاصلة على صعيد امتلاك القوة بأشكالها المختلفة بين الصين وأكثر من ثلاثة كيانات كبرى في السياسة الدولية، مثل روسيا والهند واليابان وألمانيا.

أما السبب الثالث فهو التوزيع المماثل تقريبًا للقدرات بين النظام الدولي المعاصر وأصول النظام ثنائي القطبية السابق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في عام 1950.

بالنسبة إلى النقطة الأولى قد يقول قائل إن الصين لم تبلغ بعد مستوى الولايات المتحدة على صعيد القوة، ولكن الكاتب يجيب بأن الاتحاد السوفياتي لم يكن بمستوى قوة الولايات المتحدة عندما كان يشغل مكان القطب الثاني في العالم.

أما بالنسبة إلى النقطة الثانية المتعلقة بتوسع الهوة الفاصلة بين مختلف القوى الكبرى في العالم والصين، فيعني ذلك أن الدول الكبرى بعديدها هي التي ساهمت في تحويل العالم إلى ثنائي القطبية، لأنها تراجعت إلى مراتب ثالثة ورابعة وخامسة على صعيد امتلاك القوة. وهو ما حدث أيضًا بين 1945- 1950 عندما تراجعت بريطانيا، فبرز الثنائي الأميركي والسوفياتي.

على أية حال يعتبر الكاتب أن الثنائية قائمة في عالمنا المعاصر، وهو يحاول أن يشرح مختلف الاحتمالات التي يمكن أن يسفر عنها هذا الوضع، سواء أكان ذلك في شكل استقرار أو مواجهات. 

مقارنة
يشرح الكاتب بطريقة جديدة واحدة من أهم النظريات الخاصة بالسياسات الدولية، وهي نظرية الواقعية البنيوية، التي وضعها كينيث والتز. ولكنه يطورها بعض الشيء، ليطرح ما يسميها الواقعية الجيوبنيوية، وليكون بذلك أول خبير سياسي يجري مقارنة بين نظامين عالميين ثنائيي القطبية يفصل بينهما أكثر من نصف قرن.

ويرى الكاتب أن الثنائية الحالية أخطر من سابقتها، وذلك لتزايد احتمالية نشوب صراع عنيف بين الطرفين الحاليين، أكثر مما كانت الحال بين الطرفين السابقين. ويشرح أسباب ذلك بالقول إن الطرفين الحاليين قد لا ينطلقان في سباق تسلح، كما كانت الحال في ظل النظام السابق، ولكن احتمالية وقوع مواجهات بينهما أكبر لأسباب جغرافية بحتة، يمكن تلخيصها بالقول إن ميدان المواجهة في ظل النظام السابق كانت الأراضي الأوروبية. أما الآن فالبحر هو الميدان، وهو ما يزيد من احتمال نشوب حرب، لكون آفاق الحركة فيها واسعة.

ويرى الكاتب أن الثنائية السابقة خلقت بالنتيجة نوعًا من التوازن، في حين أن الثنائية الحالية تميل أكثر نحو خلق عدم توازن، وهو ما يزيد من احتمال وقوع مواجهات.