إن كان سعر النفط هبط في عام 2015، فالخبراء يرسمون صورة قاتمة أكثر للسوق النفطية في عام 2016، فالنفط إلى مزيد من التراجع، والدول المصدرة مدعوة إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية.

لندن: في نهاية العام 2015، ولأيام معدودة، شهدت أسعار النفط بعض التعافي الطفيف، ما انعكس على أسعار الأسهم في اوروبا والولايات المتحدة. بحسب تقارير رويترز، ارتفعت أسعار النفط قليلًا مدعومة بهبوط غير متوقع في مخزونات الخام الأميركية، لكن الأسعار ظلت قريبة من أدنى مستوى لها في سنوات عدة، في الوقت الذي استمرت فيه وفرة الإمدادات، وخفضت منظمة «أوبك» نظرتها المستقبلية للطلب على صادراتها.

بعض التعافي

بالرغم من هذا الانتعاش الطفيف وقصير المدى في اسعار النفط، فإن عقود خام القياس العالمي مزيج برنت وخام القياس الاميركي غرب تكساس الوسيط سجل انخفاضًا بسبب التخمة في السوق.

ومن الملاحظ - والمستغرب ايضًا - أنه بالرغم من الهبوط الحاد في الأسعار، أشارت بيانات شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية إلى أن شركات الطاقة الاميركية زادت عدد الحفارات النفطية قيد التشغيل في الاسبوع الأخير من 2015، ما يشير إلى أن امدادات اضافية ستصل إلى السوق.

وأظهر التقرير الذي تتابعه السوق عن كثب إضافة 17 حفارًا نفطيًا، ليصل العدد الاجمالي إلى 541. وشهدت الأسواق أخيرًا هبوط الخام الاميركي إلى 34.29 دولار للبرميل، في أدنى مستوى له منذ شباط (فبراير) 2015.

ومن المفارقات أن أسعار النفط صعدت إلى ما فوق 38 دولارًا اواسط الاسبوع قبل الأخير من 2015، ثم تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ 2004، حيث تراجع مزيج برنت إلى أقل من 36 دولارًا للبرميل بالرغم من الارتفاعات الضئيلة، لكن الأسعار بشكل عام تبقى أقل من نصف ما كانت عليه قبل عام ونصف تقريبًا.

نحو الاستقرار

يتوقع خبراء نفطيون أن تتقلص التخمة النفطية خلال 2016 بسبب تزايد الطلب العالمي، وهذا يتناقض مع حقائق موجودة وملموسة، فمن المتوقع أن ترفع إيران نسبة انتاجها النفطي بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها. ولا دليل على أن أوبك عازمة على خفض إنتاجها. لكن المخاوف من استمرار زيادة العرض على الطلب العام القادم لا تزال موجودة، وستقلل من إمكان انتعاش الأسواق.

وبحسب تقارير إخبارية منسوبة إلى بنك غولدمان ساكس، يعتقد الخبراء أن فائض المعروض سيستمر خلال 2016، قبل أن تستعيد السوق توازنها في الربع الاخير من العام نفسه.

ويجب الاشارة إلى ارتفاع الدولار في أعقاب رفع سعر الفائدة الأميركية في الأسبوع ما قبل الأخير من 2015، ما جعل النفط أعلى كلفة بالنسبة إلى الدول التي تستخدم عملات مختلفة، بالإضافة إلى أن تجدد زيادة عدد حفارات النفط في الولايات المتحدة ساهم جزئيًا في انخفاض الأسعار.

توقعات أوبك

وتوقعت أوبك في تقريرها الأخير انخفاض الطلب العالمي على نفطها في 2020 عن مستواه في 2016، مع صمود إمدادات المعروض من المنافسين أكثر من المتوقع في فترة تتسم بتهاوي أسعار النفط الخام، أي أن يصل الطلب على نفطها إلى 30.70 مليون برميل يوميًا، انخفاضًا من 30.90 مليون برميل يوميًا في 2016، بما يقل بنحو مليون برميل يوميًا عن المستوى الحالي لإنتاجها.

ورفعت أوبك توقعاتها لإنتاج النفط المحكم (النفط صعب الاستخراج، بما فيه الصخري) إلى 5.19 مليون برميل يوميًا، مقابل 4.50 مليون برميل يوميًا في تقريرها النهائي لعام 2014.

ولم تتوصل أوبك إلى اتفاق بشأن سقف للإنتاج في اجتماع الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 2015 في فيينا للمرة الأولى منذ عقود. وقال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إن المملكة قلقة بشأن استقرار سوق النفط، لكنها ما زالت ملتزمة زيادة نشاط الاستكشاف في قطاعي النفط والغاز.

صورة قاتمة

رسم صندوق النقد الدولي صورة قاتمة للسوق النفطية، فتنبأ بتاريخ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2015 بأن أسعار النفط ستواصل الهبوط إلى 20 دولارًا، ولا سيما أن إيران ستواصل ضخ المزيد من النفط وتصديره بعد رفع العقوبات عنها.

ويلتقي هذا التوقع مع تنبؤات عديدة، تذهب كلها مذهبًا واحدًا، مفاده أن النفط فقد قيمته السوقية بنسبة 50 في المئة، وسيستمر في ذلك خلال عام 2016، بسبب قدرة الدول المستهلكة على التكيّف مع الطلب على الطاقة، ونتوصل الغرب إلى تقنيات متطورة، تخفف تكلفة& استخراج النفط وإنتاج الطاقة، وبسبب رفع الحظر الأميركي على الصادرات، ما دعم أسعار مزيح غرب تكساس المتوسط قليلًا، وهذا دفع بعض الخبراء إلى التفاؤل بأن مرحلة الانتعاش بدأت، من دون أن يكون لهذا الاعتقاد أساس صلب.

ويدعو الخبراء الدول المصدرة للنفط إلى فهم دروس الدورات الاقتصادية للنفط الخام، كيما تستمر في رسم موازناتها العامة السنوية على أساس أن أسعار النفط في ارتفاع، فتسند الموازنات على مشاريع ضخمة من دون التنبه إلى الدورات الاقتصادية النفطية. ويصر الخبراء على أن الاستمرار في سياسات اقتصادية رسمت خلال العقود الماضية أصبح صعبًا، حين هيمن النفط العربي على الأسواق، والنفط الخام على سوق الطاقة. فالنفط الصخري منافس قوي، كما بدأ عصر طاقة جديد، عصر ما بعد اتفاق باريس المناخي، سيتبلور في العقود القليلة المقبلة، مع ازدياد الاستثمارات في الطاقة المستدامة.