نهاد إسماعيل: سياسة عدم تخفيض انتاج النفط لا تزعزع ميزانيات الدول المنتجة فحسب، بل توجه ضربة موجعة لروسيا وشركات استخراج النفط في خليج المكسيك وأيضا لمنتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة.

هناك سؤالان أو عنصران هامان يجب الاجابة عليهما لتفكيك الألغاز وفهم التناقضات في اسواق النفط في المرحلة الحالية:

الأول ما مدى قدرة اعضاء اوبك وعلى الأخص السعودية على تحمل عبء وتبعات سياسة عدم خفض الانتاج؟

الثاني: ما مدى قدرة مصادر النفط غير التقليدي مثل الزيت الصخري والرملي على الاستمرار في التوسع والانتاج في ظل تهاوي الأسعار؟

الدول المنتجة شعرت بالصدمة الحقيقية عندما هوت الأسعار من 115 دولارًا في صيف 2014 الى اقل من 50 دولارًا في خريف 2015. المرة الأولى التي هبط فيها السعر الى أقل من 40 دولارًا كان اواخر عام 2008 وبداية 2009.

التهاوي السريع للأسعار ركز الأنظار على منظومة أوبك بشكل عام وعلى المملكة العربية السعودية بالتحديد.

موقف سعودي ثابت وواضح

ومن هذا المنطلق، أشار تقرير حديث لصحيفة المال والأعمال الفايننشال تايمز البريطانية أواخر ديسمبر/ كانون الأول لعام 2015& الى أن المملكة العربية السعودية مستعدة للصمود فترة طويلة من تقلص الايرادات النفطية وسط توقعات بعودة ايران بقوة الى السوق واغراقه بنصف ميلون برميل يوميًا اضافيًا.

الأسعار المتدنية تؤثر على السعودية التي تتحمل اعباء ثقيلة في الدفاع عن الأمن الاقليمي للخليج العربي ودعم مصر والسلطة الفلسطينية والانفاق على مكافحة الارهاب ناهيك عن مشاريع التنمية والتطوير في المملكة.

ميزانية السعودية التي طرحت الاسبوع الماضي لمعالجة العجز البالغ 98 مليار دولار والاجراءات الاصلاحية تؤكد مجددًا رغبة المملكة بالاستمرار في سياستها الانتاجية.

وفي هذا السياق، قال وزير البترول السعودي علي النعيمي "إن المملكة لا تفرض قيودًا على إنتاجها النفطي ولديها الطاقة الإنتاجية التي تتيح لها تلبية طلب إضافي. وأن الزيادة في الانتاج تتوقف على طلب الزبائن وإن المملكة تفي بطلب زبائنها ولديها القدرة على تلبية الطلب".

وفي وقت سابق، نسبت صحيفة وول ستريت جورنال - التي أوردت أيضا تعليقات النعيمي- إلى الوزير قوله إن السياسة النفطية للسعودية "يمكن الاعتماد عليها" ولن تتغير. وأدلى النعيمي بتعليقات مماثلة في السابق عندما سئل عن خطط لزيادة الانتاج.

نستنتج من ذلك ان الموقف السعودي واضح وثابت. ويرى محللون غربيون أن السعودية وهي القائد الفعلي لمنظمة اوبك تبقى مستعدة لقبول اسعار منخفضة على المدى الطويل للضغط على المنتجين غير التقليديين أي منتجي الزيت الصخري والزيت الرملي في الولايات المتحدة وكندا.

كما أشار تقرير الفايننشال تايمز الى ما ادلى به خالد الفالح رئيس مجلس ادارة ارامكو مؤخرًا عندما قال: نتوقع حدوث توازن في اسواق النفط عام 2016 حيث ان الطلب سيفوق العرض والسعودية قادرة على الانتظار.

العصف بالميزانيات

حذر صندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي اذا استمرت الأسعار بالهبوط لأقل من 50 دولارًا للبرميل ستواجه الدول الخليجية عجزًا يناهز الـ&1000 مليار دولار على مدى 5 سنوات.

وبعد ذلك التحذير بشهر واحد، حذر صندوق النقد الدولي مرة أخرى أن ايرادات دول مجلس التعاون الخليجي ستتقلص بمقدار 275 مليار دولار عام 2015 اي اجمالي العجز سيكون 12.5% من اجمالي الانتاج المحلي لاعضاء المجلس مجتمعين. حيث بلغت خسائر اوبك عام 2015، الـ 436 مليار دولار.

الاخبار السيئة لا تقتصر على اعضاء اوبك بل طالت روسيا والولايات المتحدة كما ان تقلص الطلب الهندي والصيني بسبب تراجع النمو الاقتصادي الآسيوي قلل استيراد هذه الدول للنفط الخام. التناقض الغريب ان انخفاض أسعار النفط لم يساعد آسيا على زيادة نسبة النمو الاقتصادي خلال عام 2015.

التأثير على روسيا

الرئيس الروسي بوتين ذاته قال في اكتوبر/ تشرين الأول 2015 حسب تقرير في صحيفة الغارديان البريطانية اول أيام العام الجديد 2016 "اذا هبطت أسعار النفط الى 80 دولارًا سينهار الاقتصاد الروسي. السعر الآن اقل من 40 دولارًا.

لكي تستطيع روسيا تحمل عبء عجز مالي بحدود 3% من الانتاج الاجمالي الروسي تحتاج الى سعر لا يقل عن 50 دولارًا للبرميل. كما ان الروبل الروسي فقد أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار.

وفي الولايات المتحدة استفاد المستهلك والسائق وشركات النقل والشركات الصناعية التي تستعمل النفط الخام ومشتقاته من انخفاض أسعار المشتقات البترولية مثل البنزين والديزل ولكن قطاع الطاقة الانتاجي يعاني من الضرر الناتج عن انهيار اسعار النفط. حيث فقد قطاع النفط والغاز 90 الف وظيفة في عام 2015 وافلست العديد من الشركات حسب تقارير بنك دالاس الاحتياطي الفيدرالي.

كما تقلص انتاج شركات الزيت الصخري بنسبة 17% والحبل على الجرار. وتم تعطيل مئات الحفارات بشكل موقت حتى تتعافى الأسعار.

وفي كندا تشير تقارير الى زيادة نسبة الانتحار في صفوف الموظفين الذين فقدوا وظائفهم في قطاع انتاج الزيت الرملي في البيرتا وساسكاتشيوان كنتيجة مباشرة لانهيار الأسعار.

فالخسارة تطال الدول الكبيرة المنتجة خارج اطار اوبك& أيضًا.

ما هو الحل؟

يتعين على المنتجين الكبار في العالم الجلوس مع "اوبك" بقيادة السعودية لرسم سياسة عقلانية لتوزيع عبء خفض الانتاج بطريقة عادلة وعدم تركيز العبء على السعودية فقط بل على كل الدول المنتجة.

لماذا نتوقع من اوبك التي تتحكم بنسبة 33% فقط من انتاج النفط العالمي تحمّل المسؤولية الكاملة؟ لماذا يمارسون الضغوط على السعودية للتضحية بحصتها في السوق، بينما تتهرب روسيا والولايات المتحدة من المسؤولية؟
&