يواصل الجنيه المصري انهياره أمام الدولار، وبلغ سعر صرف الدولار الواحد اليوم الأحد في السوق السوداء 17.50 جنيهًا، أي نحو ضعف السعر الرسمي المعلن من قبل البنك المركزي والمقدر بـ8.88 جنيهات، بينما تشهد البلاد موجة غلاء في أسعار السلع الأساسية، أثارت احتقانًا شديدًا لدى المصريين، ولاسيما الفقراء ومحدودي الدخل. وخرجت دعوات تطالب بإقالة حكومة المهندس شريف اسماعيل، بسبب الفشل في إدارة الأزمة، ما أدى إلى تفاقمها، وانفلات في الأسعار والإضرار بالفقراء.

إيلاف من القاهرة: تفاقمت أزمة الدولار في مصر، ووصل سعر الدولار الواحد في السوق السوداء إلى مستويات غير مسبوقة، وبلغ 17.50 جنيهاً، مقابل 8.88 جنيهات في السوق الرسمية، أي بما يقترب من الضعف، وتسببت الأزمة في توقف نشاط بعض الشركات المستوردة للسلع أو التي تعتمد في انتاجها على الاستيراد من الخارج، لاسيما في ظل عدم قدرة البنك المركزي على توفير العملة الأجنبية اللازمة لهم.

وقال متعاملون في السوق الموازية لـ"إيلاف" إن الدولار شهد قفزات مفاجئة خلال الأسبوع الماضي، وارتفع من 12.65 جنيهًا إلى 15.50 جنيهًا، ثم قفز إلى 16.65 جنيهًا، ووصل بداية هذا الإسبوع إلى 17.50 جنيهًا.

وأوضح المتعاملون الذين تحدثوا إلى "إيلاف" فرادى، أن السبب في قفزات الدولار المتتالية في السوق الموازية ليقترب من ضعف السعر الرسمي، يرجع إلى تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي التي أكدت خلالها أن الحكومة المصرية سوف تلجأ إلى تحرير سعر صرف الجنيه، تنفيذاً لشروط البنك الدولي.

ولفتوا إلى أن عمليات الاقبال على شراء الدولار زادت بشكل كبير، من أجل ادخاره وبيعه بعد "تعويم الجنيه"، لتحقيق مكاسب ضخمة، أكبر من تلك التي يجنيها كبار التجّار والمستوردين من بيع السلع الأخرى.

وقال مصدر مصرفي لـ"إيلاف" إن الحكومة المصرية تعكف حاليًا على اعداد خطة محكمة من أجل حماية السوق بعد قرار "تعويم الجنيه"، مشيرًا إلى أن القرار جاهز لموافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه، والبدء في تنفيذه.

وأوضح أن خطة الحكومة تعتمد على شقين، الأول: مصرفي، ويتم من خلاله توفير الدولارات اللازمة لتحقيق الاشباع في السوق، لتمكين المستوردين من الوفاء بالتزاماتهم، ما فرض رقابة مشددة على شركات الصرافة.

ولفت إلى أن الحكومة تسعى إلى الحصول على قروض جديدة من الدول الشقيقة والصديقة، لتوفير نحو ثلاثة مليارات دولار اضافية ليصل الاحتياطي إلى 25 مليار دولار.

وأفاد بأن الشق الآخر من الخطة يعتمد على أجهزة الأمن، ويتمثل دورها في فرض رقابة صارمة على السوق السوداء، وتوجيه ضربات استباقية للمضاربين في الدولار، لاسيما التجار الكبار، ومصادرة الأموال التي يتعاملون فيها، والتي قد تصل إلى نحو 1.3 مليار دولار، ويمكن أن تحسن وضع الاحتياطي النقدي، على حد قوله.

ومن جانبه، طالب أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرفة التجارية، المستوردين ورجال الأعمال بضرورة "التوقف تمامًا عن شراء الدولار وباقي العملات الأجنبية لمدة أسبوعين".

كما دعا إلى "ترشيد الاستيراد خلال&الأشهر الثلاثة&المقبلة، وقصره على احتياجات الأسواق الفعلية فقط من السلع الاساسية ومستلزمات إنتاج المصانع التي ليس لها مخزون أو بديل محلي، بهدف الحد من الطلب على العملات الأجنبية والمعاونة في استقرار أسعار الصرف".

وناشد الوكيل "الشركات المتعاقدة باستيراد سلع غير أساسية لم يتم نقلها للموانئ أو التعاقد مع شركات الشحن، تأجيل الشحن لمدة ثلاثة أشهر لحين استقرار أسعار العملات"، مشددًا على ضرورة "تأجيل استيراد ما له رصيد كافٍ أو السلع غير الأساسية والاستهلاكية والمعمرة لمدة شهر بهدف خفض الطلب على العملات الأجنبية والمعاونة في الحد من ارتفاعها الجنوني في السوق الموازية".

وطالب الوكيل المواطنين المصريين بـ"عدم التهافت على تخزين السلع وتأجيل شراء السلع غير الأساسية والاستهلاكية والمعمرة لمدة شهر"، مشيرًا إلى أن "هذا سيساعد في الحد من الطلب على العملات الأجنبية وسيؤدي إلى استقرار أسعارها للقيمة العادلة".

بينما اتهم المهندس محمد صلاح زايد رئيس حزب النصر الصوفي، حكومة شريف اسماعيل، بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية، وطالبها بالإستقالة، وقال لـ"إيلاف" إن وزراء السياحة والاستثمار والتعاون الدولي والتجارة والصناعة وقطاع الأعمال العام فشلوا في رفع معدلات الاحتياطي من العملة الأجنبية وتسببوا في خفض قيمة الجنيه ووصوله لمستويات متدنية في السوق السوداء.

&وقال زايد إن حكومة اسماعيل تسببت في انهيار الاقتصاد المصري، وأضاعت ما خطط له الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمرات الاقتصادية، وأهمها مؤتمر شرم الشيخ العام الماضي، ولم تستطع الحكومة جذب أية استثمارات جديدة، بل أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني بالقروض، وأضاعت ما قدمته لنا دول الخليج من منح وقروض ميسرة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، على حد تعبيره.

وقال زايد إن ضعف قيمة الجنيه وانهياره أمام الدولار ووصوله لمستويات غير مسبوقة، ينذر بكارثة ستزيد من معاناة الفقراء وأصحاب الدخول البسيطة، بعدما تضاعفت أسعار الكثير من السلع الأساسية التي لا غنى عنها لأي منزل، وتمثل أساس وعصب المعيشة للفقراء كالزيت والسكر والأرز وغيرها.

وأضاف زايد أن العملة الأجنبية لن تأتي إلا بالتصدير الذي يتطلب أن تكون هناك منتجات محلية، والأخيرة تتطلب إعادة فتح المصانع المغلقة مع عمل تطوير وهيكلة جديدة لشركات القطاع العام خصوصًا وأن تلك المصانع والشركات الحكومية لا ينقصها إلا بعض الخبرات البسيطة التي يمكن أن نستوردها من دول أجنبية، مع إلزامهم بتدريب العاملين المصريين على الإنتاج بحرفية واتقان وكسب الخبرة منهم، وأيضا عودة السياحة، والتركيز على جذب السائح الخليجي، وتشجيع المصريين بالخارج على تحويل أموالهم.

وناشد زايد الرئيس السيسي أن يتحمل مسؤوليته تجاه الاقتصاد المصري، كما تحمل مسؤوليته في محاربة الإرهاب، والبدء في تشكيل حكومة إنقاذ وطني من خبراء الاقتصاد والمالية والبنوك بإشرافه شخصيًا، تكون قادرة على رفع معدلات الاقتصاد المصري، وإعادة قيمة الجنيه المصري لمساره الطبيعي كما كان قبل عشرات السنوات.

ولفت زايد إلى أن كون وجود حكومة لا يمنع رئيس الجمهورية من الإشراف على الحكومة وتصويب القرارات لمسارها الصحيح، ضاربًا المثل بمحمد بن راشد الذي يتخذ القرارات بنفسه مباشرة، ومهاتير محمد الذي استطاع أن يصل بماليزيا إلى دولة منافسة على مستوى العالم، بعد أن أثقلتها الديون قبل توليه مسؤولية قيادة بلاده.

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، في تصريحات لها، إن صندوق النقد يرحب بتوجهات الحكومة المصرية، التي تحاول تنفيذ اشتراطات الصندوق لتتمكن من الحصول على القرض. وأضافت "إذا ما قرروا المضي قدمًا في الإصلاحات، فإن الصندوق بالتأكيد سيدعم تلك الخطوة، وسنضع أموالاً على الطاولة لمساعدتهم على طول الطريق".

ووصفت وضع الجنيه أمام الدولار بـ"الأزمة الخطيرة"، وقالت إن الفرق بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق الموازية يصل إلى نسبة 100%، وأضافت: يجب التعامل مع تلك المشكلة".