إيلاف من لندن: هبطت أسعار النفط، الجمعة الماضي مؤقتا بأكثر من 6% بعدما صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء تاريخي، وهو ما أثار حالة من الغموض الشديد في مختلف الأسواق، بما في ذلك سوق النفط. 

واضطربت أسواق المال خلال الفترة الأخيرة بسبب مخاوف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتأثير ذلك على استقرار أوروبا، لكن من الواضح أنها لم تكن تأخذ في الحسبان خطر التصويت لصالح الخروج. 

ونزل الدولار عن 100 ين ياباني للمرة الأولى منذ نوفمبر 2013، في حين تكبد الجنيه الإسترليني أكبر خسائره منذ عام 1985. كان التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الشعبي الذي عقد الخميس 23 يونيو الحالي بمثابة الزلزال الذي هز أركان عواصم المال والأعمال في أوروبا والولايات المتحدة والخليج العربي وآسيا وتقدر خسارة اسواق الأسهم لوحدها بترليوني دولار على مستوى عالمي.

بشكل عام وحسب وكالات الانباء قلل الخبراء من أهمية تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اقتصادات دول "أوبك" وعلى رأسها السعودية، معتبرين أن العلاقات التجارية بين السعودية، ودول الخليج عموما، وبريطانيا محدودة، وأن الاتفاقات الموقعة مع بريطانيا لن تتأثر، لأن توقيعها تم خارج إطار الاتحاد الأوروبي.

بل على العكس ذكر بعض الخبراء أن السعودية ستستفيد من انخفاض فاتورة الاستيراد من بريطانيا ودول اليورو، في ظل ارتفاع الريال المربوط بالدولار، أمام العملتين.

وتظهر إحصاءات حديثة تراجع الصادرات السعودية إلى دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي بنسبة 43 في المئة، إلى 23.7 مليار دولار، مقابل 41.7 مليار دولار في 2014. ويعود ذلك أساسا إلى تراجع أسعار النفط.

كما تراجعت واردات السعودية من الاتحاد الأوروبي العام الماضي بنسبة 1.7 في المئة إلى 44.9 مليار دولار، مقابل 45.7 مليار دولار. وبلغت واردات السعودية من المملكة المتحدة العام الماضي 5.01 مليار دولار، احتلت بها الترتيب العاشر بين أكثر الدول المستورد منها، مقابل 4.6 مليار دولار في 2014.

تقلبات محدودة في أسعار النفط

ومن جهة أخرى تراجع سعر الخام الأميركى 4.9%، الى قرابة 47.64 دولارا للبرميل في نيويورك. وفي لندن، فقد خام برنت ايضا 4.9% من قيمته مسجلا 48.41 دولارا للبرميل يوم الجمعة. 

رغم أن التصويت جاء على خلفية قضايا مثل الهجرة والسيادة إلا أن النتيجة سيكون لها تأثير محدود على أسواق النفط والغاز. على السطح لا يبدو أن هناك رابط بين اسعار النفط والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي الذي يعرف بمصطلح "بريكسيت". 

ولكن العديد من المراقبين والمحللين يعتقدون أن هناك تهديد حقيقي لاستمرار انتعاش الأسعار. والأسباب عديدة ومنها ان الخروج من بريطانيا سيضع غيمة سحاب سوداء كبيرة فوق أسواق السلع كما أن الاقتصاد الأوروبي يترنح تحت وطأة المجهولية وغياب الثقة وتباطؤ النمو مما سيؤثر سلبا على النفط والغاز. 

"البركسيت" أو الخروج من الاتحاد الأوروبي خلق مشاكل جديدة في أسواق العملات وأدى الى تقلبات كبيرة أدت الى تهاوي قيمة الاسترليني الصرفية واليورو مقابل الدولار. 

وتقليديا من المعروف أن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي الى تخفيض الطلب على النفط الخام لأن أسعار النفط الخام مقومة بالدولار. أي أن عمليات البيع والشراء تحسب بالدولار. لذا عندما ترتفع قيمة الدولار الصرفية يصبح سعر النفط غير جذاب للمشتري. باختصار التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤدي الى تراجع الطلب ومن ثم الى انخفاض الأسعار. 

وبعد اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس قبل اسبوع كان الاعتقاد السائد ان هذا سيزيد احتمالية التصويت للبقاء في الاتحاد الأوروبي لأن القاتل ينتمي لمجموعة يمينية متطرفة تعارض بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وهذا التطور اي احتمالية التصويت للبقاء ضمن المجموعة الأوروبية بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 4% بتاريخ 17 يونيو. وكان مستثمرون قد توقعوا بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وجلبت نتيجة التصويت جرعة ضخمة من عدم اليقين الى الاسواق يوم الجمعة. 

وكان واضحا قبل الاستفتاء ان التصويت للبقاء سيدعم الاسترليني ويرفع قيمته الصرفية على حساب الدولار وسيؤدي الى ارتفاع اسعار النفط والتصويت للخروج سيؤدي الى العكس اي هبوط أسعار النفط.

وهناك تداعيات تتعلق بالنفط على المدى الطويل لأن بريطانيا اختارت الخروج من الاتحاد الأوروبي. قد تظهر اصوات في عدد من الدول الأعضاء تطالب باستفتاءات مشابهة للخروج واذا حدث هذا فعلا سيتم تفكيك الاتحاد الأوروبي مما سيخلق سيناريوهات سلبية تتعلق بالطلب على السلع بشكل عام ولكن بشكل خاص على تراجع الطلب على النفط.

والذي حدث على المدى القصير وكرد فعل سريع هبطت أسعار النفط خمسة بالمئة عند التسوية بعدما صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا ليس كارثيا.

واضطربت أسواق المال لأشهر بسبب المخاوف من خروج بريطانيا من الاتحاد، وتأثير ذلك على استقرار أوروبا لكن من الواضح أنها لم تكن تأخذ في الحسبان بالكامل خطر التصويت لصالح الخروج.

وقفز مؤشر الدولار حوالي 2 % مسجلا أكبر مكسب يومي له منذ أكتوبر 2008 بينما هوى الاسترليني لأدنى مستوى له في 31 عاما بعدما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي كان يؤيد البقاء في الاتحاد إنه سيتنحى بحلول أكتوبر تشرين الأول.

ويجعل ارتفاع الدولار النفط وغيره من السلع الأولية المقومة بالعملة الأميركية أعلى تكلفة بالنسبة للمستوردين من دول تستعمل عملات أخرى. وانخفض خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 4.9 بالمئة أو 2.50 دولار إلى 48.41 دولار للبرميل عند التسوية بعدما هبط ستة بالمئة في وقت سابق إلى 47.54 دولار.

وخسر الخام الأميركي خمسة بالمئة أو 2.47 دولار ليهبط إلى 47.64 دولار للبرميل عند التسوية. وهذه أكبر خسارة يومية له منذ فبراير. كانت خسائر الخامين أقل بكثير خلال الأسبوع بأكمله حيث هبط برنت 1.5 بالمئة وخسر الخام الأميركي 0.7 بالمئة.

لا شك أن أسعار السلع والعملات ستشهد تقلبات هبوطا وصعودا خلال الاسابيع المقبلة ولكن التأثير النهائي سيبقى ضمن حدود يمكن السيطرة عليها وتبقى أساسيات العرض والطلب وآليات السوق الحر المحرك الرئيس خلف تقلبات الأسعار وهل التي تقرر سعر البرميل سواء بقيت بريطانيا داخل او خارج الاتحاد الأوروبي.