عدّل البرلمان المصري قانون البنك المركزي، وفرض عقوبات مشددة على حركة بيع وشراء الدولار والعملات الأجنبية في السوق السوداء، غير أن الخبراء والمتعاملين في السوق غير الرسمية، يقولون إن تلك الإجراءات الأمنية لم تقضِ على السوق السوداء، لاسيما في ظل ندرة الدولار وعدم قدرة الدولة على توفيره.&

إيلاف من القاهرة: أقرّ الرئيس عبد الفتاح السيسي تعديلات أدخلها البرلمان المصري على قانون البنك المركزي رقم 66 لسنة 2016، تتضمن عقوبات مشددة بحق المتعاملين في العملات الأجنبية، ولاسيما الدولار في السوق غير الرسمية.&

ووفقاً للتعديلات التي نشرت في الجريدة الرسمية مساء أمس الأحد، فإن المادة 126 من القانون تتضمن إنزال عقوبة "الحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أياً من أحكام المادة (116) من هذا القانون".

وتنص المادة 116 من القانون على "حق إدخال النقد الأجنبي مكفول لجميع المسافرين على أن يتم الإفصاح عنه في الإقرار المعد لهذا الغرض في حالة تجاوزه قيمة الـ10 آلاف دولار أميركي أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى، ويجوز كذلك للقادمين إلى البلاد أو المسافرين منها حمل أوراق النقد المصري في حدود 5 آلاف جنيه مصري، وتحظر عمليات إدخال النقد المصري أو إخراجه من خلال الرسائل والطرود البريدية". وبذلك يمنع القانون حركة النقد الأجنبي من وإلى مصر مع المسافرين، وأصبح يشكل جريمة.

عقوبات

ويغلظ القانون العقوبات على المتاجرة في العملات الأجنبية خارج القانون، وهو ما يسمى بالسوق السوداء، ويعاقب المتعاملين الأفراد فيها بـ"غرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، ومصادرة المبالغ المضبوطة، فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها".

وأضيفت المادة 126 مكرر للقانون البنك، وتغلظ العقوبة على شركات الصرافة، وتنص على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة تساوي المبلغ محل الجريمة، كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، على أن يحكم في جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة".

ومنح القانون محافظ البنك المركزي الحق في "إيقاف الترخيص (شركات الصرافة) لمدة لا تجاوز سنة، مع إلزامها بسداد مبلغ لا يقل عن مليون جنيه ولا يجاوز خمسة ملايين جنيه، ويكون له في حالة تكرار المخالفة الحق في إلغاء الترخيص وشطب القيد من السجل".

وأعادت التعديلات الجديدة على قانون البنك المركزي تجارة العملة الأجنبية في مصر، إلى "تحت الأرض" مرة أخرى، وساوت بينها وبين تجارة المخدرات، وقال أحد المتعاملين في السوق السوداء لـ"إيلاف" إن تجارة الدولار في السوق السوداء لن تنتهي أبداً، مشيراً إلى أنها سوف تستمر بعد التعديلات وتغليظ العقوبات.

وأوضح المتعامل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن السبب وراء ظهور السوق السوداء واستفحالها، يرجع إلى عدم قدرة الدولة على توفير الدولار في البنوك لمن يحتاجه، منوهاً بأن غالبية التجار والمستوردين ورجال الأعمال يلجأون إلى السوق السوداء لشراء الدولار من أجل تسيير أعمالهم، في ظل عدم منح البنوك لهم المبالغ التي يحتاجون إليها.

ولفت إلى أن تغليظ العقوبات لم يقضِ على أية تجارة غير مشروعة، وسوف تستمر تجارة الدولار في السوق السوداء إلى أن تعود حركة السياحة ويضخ المصريون بالخارج أموالهم في الداخل مرة أخرى، وانتعاش إيرادات قناة السويس، وانتعاش حركة التصدير، وقال: "بدون عودة هذه الموارد الأساسية للدولار، لن تستطيع الحكومة القضاء على السوق السوداء".

جذب الاستثمارات

تشديد العقوبات لن يمنع السوق السوداء، هذا هو رأي عضو مجلس الإدارة السابق بالبنك المركزي، الدكتور علاء الشاذلي أيضًا، وقال في تصريحات له، إن تشديد العقوبات وتغليظها متوقع فى ظل الظروف التي تمر بها البلاد والاقتصاد، والمغالاة في تحديد سعر الصرف خارج الجهاز المصرفي، ما يضر بالاقتصاد.

وأضاف الشاذلي: "التعديلات لن تمنع السوق الموازية، طالما ظلت أزمة ندرة موارد النقد الأجنبي قائمة، لكنها قد تسهم في خفض حجم التعاملات على الدولار بالسوق السوداء".

ولفت إلى أن الحل الحقيقي لأزمة الدولار يتمثل في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشجيع المستثمرين، وعودة السياحة، والتصدير، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى معدلاتها السابقة.

ومن جانبه، أثنى عضو &شعبة الصرافة، بالغرفة التجارية، علي الحريري، &التعديلات الجديدة بقانون البنك المركزي، مشيراً إلى أنها سوف تحد من الحركة في السوق السوداء.

وأضاف لـ"إيلاف" أن أزمة الدولار في مصر لا تشارك فيها شركات الصرافة وحدها، لاسيما أنها تعمل وفقًا لقانون، مشيراً إلى أن الحركة في السوق السوداء يسيطر عليها أفراد ومجموعات وليس شركات.

وأصيبت حركة البيع والشراء في مصر عموماً بشبه تجمد، بسبب نقص الدولار في البنوك، بالإضافة إلى انتظار الجميع لقرارات مرتقبة بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

تعويم الجنيه

ومن المتوقع أن يصل سعر الدولار الواحد إلى 12 جنيهًا في السوق الرسمية، وهو يقف حاليًا عند حد 8.88 جنيهات، بينما يتراوح في السوق السوداء ما بين 12.60 و12.85 جنيهاً، في ظل حالة من الركود التام في تلك السوق، انتظاراً لقرارات "تعويم الجنيه"، كما تعرف في أوساط المصريين.

وتحتل السوق غير الرسمية مساحة كبيرة في مصر، ووصل الاهتمام بها إلى حد تصدر أخبار أسعار الدولار في السوق السوداء يومياً المواقع الإخبارية الإلكترونية، وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لعرض الأسعار على مدار الساعة، وتنشط الحركة على الفضاء الإلكتروني أيضاً، كما تنشط بصورة أوسع في العاصمة القاهرة، والإسكندرية وبورسعيد والسويس والأٌقصر، وغيرها من المدن التجارية.

واتخذ البنك المركزي المصري، قرارات بشطب وإيقاف 53 شركة صرافة مخالفة، من إجمالي 93 شركة مسجلة لدى البنك المركزي.

وتنشط الشرطة المصرية في تتبع ورصد المتعاملين في الدولار بالسوق السوداء، وتعلن عن اعتقال أفراد بشكل شبه يومي.
&