صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يترقب المصريون رسمياً وشعبياً، اجراءات الحكومة لتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لاسيما بعد الإتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار.

وأعاد تعديلات قانون البنك المركزي، وتضمنيها عقوبات مشددة تصل إلى السجن عشر سنوات، السوق السوداء إلى العمل تحت الأرض مرة أخرى، ويؤكد متعاملون وخبراء اقتصاديون استمرارها بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعدم قدرة الحكومة على توفير الدولار لمن يحتاجونه.

رغم الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية للقضاء على السوق السوداء لتجارة العملات الأجنبية، ولاسيما الدولار، إلا أنها مازالت مستمرة، ولكن في اطار من السرية والتكتم، وكشفت جولة "إيلاف" في بعض المناطق التي تنشط فيه هذه التجارة، أنها تأثرت بالسلب بتعديلات قانون البنك المركزي، وتشديد العقوبات التي وصلت إلى السجن لمدة عشر سنوات ومصادرة الأموال المضبوطة وتغريم المتهم مبلغ مماثل.

تنتشر تجارة الدولار في السوق السوداء بالقاهرة والمحافظات ذات الطبيعة التجارية، ومنها دمياط، التي تتركز بها صناعة الأثاث، وبورسعيد، وهي منطقة تجارة حرة، وتشتهر بالتجارة في البضائع المستوردة، كما تنتشر في المدن السياحية، ومنها الأٌقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ.

اجراءات

وفي القاهرة تتركز تجارة السوق السوداء في منطقة "وسط البلد"، وقال وسيط بتجارة الدولار لـ"إيلاف" إن تلك التجارة تتركز بشكل أساسي في تلك المنطقة، مشيرًا إلى أن من يتحكمون فيها هم بعض أصحاب المحال التجارية، ولاسيما محال الملابس الجاهزة والأقمشة والأجهزة والأدوات المنزلية، وأضاف أن هؤلاء يحققون أرباحًا طائلة.

وأضاف الرجل الأربعيني الذي رفض الكشف عن هويته، أن هؤلاء التجار يتعاملون في نحو 50 مليون دولار يوميًا، لافتاً إلى أن هذه القيمة تأثرت مؤخرًا، بسبب الاجراءات المشددة وملاحقات الشرطة، وبسبب الجمود الذي أصاب الأسواق منذ الإعلان عن توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لإقراض مصر 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، وفرض شروط تقضي بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ليتراوح ما بين 10.5 و12.5 جنيها في البنوك.

وأشار إلى أن من يمتلكون الدولار لا يتصرفون فيه في المرحلة الراهنة، وينتظرون قرارات تحرير سعر صرف الجنيه، ليجنوا مكاسب أكبر.

ووفقًا لتاجر تواصلت معه "إيلاف" بعد واسطة من سمسار موثوق لديه، فإن الاجراءات القانونية والأمنية التي تتخذها الحكومة لن تقضي على السوق السوداء للدولار. وأوضح أن الأزمة الحقيقية ليست في شركات الصرافة أو التجار، ولكنها أزمة نقص الدولار.

أزمة الدولار

وذكر أن مصر تعاني من أزمة حادة في الدولار، بسبب تأثر المصادر الأساسية للدخل القومي، وعلى رأسها السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وإيرادات قناة السويس.

ولفت إلى أن رجال الأعمال وأصحاب شركات الاستيراد، يلجأون إلى السوق السوداء بسبب عدم توفير البنوك الدولار اللازم لهم للممارسة أعمالهم، منوهاً بأن رجال أعمال كبار ضمن الزبائن لديهم، يطلبون الدولار من أجل استمرار شركاتهم في العمل. وذكر أن هناك شركات أجنبية تطلب منهم استبدال العملة المصرية بالدولار، من أجل تحويلها إلى الشركات الأم في الخارج.

ويبلغ سعر الدولار في البنوك 8.88 جنيه، بينما يتراوح السعر في السوق السوداء ما بين 12.40 و12.65 جنيهاً، بفارق يصل إلى 3.50 جنيهاً.

ويشترط صندوق النقد الدولي تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لإحداث توازن بين السعر الرسمي والسعر في السوق السوداء، ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تقدم الحكومة على تحرير السعر على عدة مراحل، لتبدأ المرحلة الأولى عند 9.5 جنيهات أو 1.5 جنيهاً، ليصل في النهاية إلى 12.5 جنيهاً، وهو ما يعتبره صندوق النقد الدولي سعرًا عادلًا للجنيه.

وحسب وجهة نظر، النائب في البرلمان، محمد بدوي دسوقي، فإن سبب أزمة الدولار هو العرض والطلب، فيجب أن يكون هناك توازن بين العرض والطلب.

وأضاف في تصريح له أن إصدار قانون البنك المركزي لن يلغي السوق السوداء، بل سيعمل على توسيع حجم المتاجرة بها ولجوء شركات الصرافة المغلقة إلى الاتجار بالسوق الموازية.

وأوضح بدوي أن إغلاق شركات الصرافة سيخلق سوقا سوداء خفية من خلال الأكشاك والمواطنين.

القبضة الأمنية

وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور مختار الشريف، إن الأزمة في مصر تتمثل في نقص الدولار، مشيرًا إلى أنه لن تنتهي بسبب تغليط العقوبات أو استخدام القبضة الأمنية، بل يحتاج إلى تنشيط حركة السياحة وتوفير المناخ المناسب لعودتها إلى ما كانت عليه في العام 2010.

وأضاف لـ"إيلاف" أن السوق السوداء ستستمر، ولن يستطيع أحد القضاء عليها، ما لم يتم توفير الدولار في البنوك لمن يحتاجونه من أجل استيراد السلع، وعدم فرض حظر على إستيراد أية أنواع منها.

وتنشط تجارة الدولار في السوق السوداء بصورة أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما فيسبوك. وتنشر صفحات لهذه الغرض، منها "سعر الدولار اليوم في السوق السوداء"، و"سعر الدولار في السوق السوداء بمجهود الأعضاء"، و"سعر الدولار والعملات الأجنبية اليوم"، و"سعر الدولار سوق سوداء مصر"، و"سعر الدولار سوق سوداء".

وتعرض هذه الصفحات سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى مثل اليورو والجنيه الاستيرليني والريال السعودي لحظة بلحظة، وتجرى عمليات عرض وطلب من خلالها، وتعقد الصفقات ويتم الاتفاق على عمليات التسليم عبر المحادثات الخاصة.

وبسبب اهتمام المصريين بأسعار الدولار في السوق السوداء، صارت المواقع الإلكترونية الإخبارية، تخصص مجموعة من الأخبار لنشر السعر مرتين على الأقل في اليوم، لاسيما أن عمليات البحث عن الدولار في محرك البحث "جوجل" تعتبر "تريندًا" ثابتًا يحقق قراءات عالية، ويرفع "ترافيك" أو ترتيب المواقع وبالتالي ارتفاع نسب الإعلانات.

وأقر البرلمان المصري القانون رقم 66 لسنة 2016، بتعديل بعض أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي للنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، في نهاية شهر أغسطس الماضي. وتتضمن عقوبات مشددة بحق المتعاملين في السوق السوداء، وتصل العقوبات إلى "السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة".

وأغلق البنك المركزي نحو 57 شركة صرافة، بتهمة الاتجار في الدولار بالسوق السوداء، وتشن الشرطة حملات على المتعاملين فيها، وتعلن من حين لآخر ضبط بعض الأشخاص، وتقدمهم للمحاكمة الجنائية.