تستعد روسيا لانتخابات تشريعية في 18 سبتمبر لاختيار البرلمان المكلف تطبيق الإصلاحات التي وعد بها الرئيس فلاديمير بوتين، ما يمنح الناخبين فرصة نادرة لإبداء رأيهم في خيارات السلطة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

موسكو: على الرغم من تراجع الوضع الاقتصادي مع انخفاض الدخل وارتفاع الفقر، من المتوقع أن يهيمن أنصار الكرملين مرة جديدة على نتيجة الانتخابات.

تعويل على النفط
أثارت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا إثر الأزمة الأوكرانية، وتدهور أسعار النفط والغاز التي تشكل مصدر العائدات الرئيس للدولة الروسية، أزمة مالية خطيرة في نهاية 2014 في روسيا، تلاها أطول انكماش اقتصادي عرفته البلاد منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 1999.

وتدهور إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 3.7% عام 2015، ومن المتوقع أن يتراجع بما لا يقل عن 0.5% في 2016. غير أن الفصل الثالث أظهر استقرارًا وتأمل السلطات في انتعاش بطيء في النصف الثاني من السنة.

غير أنها حذرت من أنه ما لم ترتفع أسعار النفط، وحدها إصلاحات صارمة لإدخال الليبرالية إلى الاقتصاد وتنويعه يمكن أن تجنب البلاد "الركود".

على صعيد الثروة الوطنية، فإن الأزمة أبطلت مفاعيل كل التقدم الاقتصادي الذي أنجز خلال عقد كامل، بحسب ما رأى خبراء "المعهد العالي للاقتصاد" في موسكو، وهو ما يتجلى مثلًا في ارتفاع نسبة الفقر إلى أعلى مستوياتها خلال عشر سنوات. وإلى اعتماد تدابير محددة الأهداف لمكافحة الأزمة، كان التقشف المالي الإستراتيجية الرئيسة التي اتبعها بوتين.

انعكاس الأزمة
حين تجد الحكومة صعوبة في التصدي لتدهور العائدات النفطية، فإن موضوعات، مثل كلفة القروض والمساعدات العائلية تطرح بشكل أوسع في النقاشات السياسية بين المرشحين وإعلانات الحملات الانتخابية.

ويسعى فاليري راشكين النائب الشيوعي منذ 1999، في أحد منتزهات ضواحي موسكو إلى إيصال رسالته، فيعدد مستوى المعاشات التقاعدية المتدني، وارتفاع الضرائب المحلية، ليعلن أن "الشعب سئم من سياسة الحكومة الليبرالية"، حاصدًا موافقة ثلاثين ناشطًا ومارًا تجمعوا من حوله.

وانعكست الأزمة التي ترافقت مع تضخم قوي، على القدرة الشرائية للمواطنين الروس، ولا سيما المتقاعدين وموظفي الدولة الذين كان بوتين وعد برفع مستواهم المعيشي. وسدد هبوط قيمة الروبل، الذي جعل المنتجات المستوردة أعلى كلفة، ضربة قوية إلى الطبقة الوسطى، التي كان بروزها أخيرًا يحفز الاستهلاك، ويجتذب الشركات المتعددة الجنسيات.

قبيل الانتخابات التشريعية، أعلنت الحكومة عن دفع علاوة قريبًا إلى المتقاعدين، في غياب أموال تسمح كالعادة برفع المعاشات التقاعدية تماشيًا مع نسبة التضخم.

وقالت الخبيرة السياسية إيكاتيرينا شولمان من الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة "للمرة الأولى منذ 15 عامًا، تجري الانتخابات في سياق من تراجع المداخيل الفعلية للأسر".

تابعت "في الوقت الحاضر، لم تكن للمسألة انعكاسات سياسية كبرى (...) لكن يمكننا رؤية بوادر استياء في تطور شعبية الحزب الحاكم والحكومة، لكن ليس في شعبية الرئيس". وترى الخبيرة أنه في غياب "خيار حقيقي" في الانتخابات وانعدام الإحساس بأن لصوت كل ناخب وزنه، فإن الامتناع سيسجل نسبة عالية.

إمكانات تحسن
إن كانت روسيا استخدمت حتى الآن الاحتياطات التي جمعتها في فترة الازدهار الاقتصادي للتعويض عن العجز، إلا أن هذه الاحتياطات تتراجع بشكل خطير. وهذا ما يحتم على النواب الجدد إقرار ميزانيات بالغة الصرامة، وربما كذلك التصويت على زيادات ضريبية ورفع سن التقاعد، بانتظار إصلاحات محتملة أكثر جذرية.

يتعارض ذلك مع ما يقترحه الخصوم الرئيسون لحزب "روسيا الموحدة" الحاكم، الاشتراكيون والقوميون الذين ينتقدون التوجه الليبرالي للحكومة.

وتخشى ليزا إرمولنكو المحللة في معهد "كابيتال إيكونوميكس" أن يؤدي الوضع إلى إعادة النظر في الإصلاحات الليبرالية التي وعدت به الحكومة. وقالت ردًا على أسئلة وكالة فرانس برس "إذا حقق الحزب الحاكم نتيجة مخيّبة للأمل، فإن السلطات العامة قد ترد بتشديد سيطرة الدولة على الاقتصاد".

ويأمل بعض المستثمرين على عكس ذلك، رحيل رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، ليحل محله وزير المالية السابق أليكسي كودرين، الذي طلب منه بوتين العمل على إصلاحات تمهيدًا للانتخابات الرئاسية عام 2018، وهو يحظى بتأييد الأوساط الليبرالية.

وقالت شولمان "أعتقد أن تغييرات ستتم بعد الانتخابات، لكن ذلك لن يتوقف على النتيجة"، معتبرة أنه في فترة انتخابية فإن "المسؤولين الإقليميين يظهرون للسلطة المركزية أنهم يسيطرون على مناطقهم، والإدارة الرئاسية تثبت أنها قادرة على مواكبة الحملة، ويتم توزيع المكافآت والعقوبات على هذا الأساس".