الرباط: أوصى مكتب الخبرة "ماكنزي" الدول الافريقية باستلهام السياسات المغربية في مجال التنموية القطاعية، وعلى الخصوص في القطاع الصناعي، حيث حققت نتائج باهرة، حسب تقرير "مسيرة الأسود" الذي نشره "ماكنزي" اليوم الخميس.

وأوضح التقرير أن سر نجاح المغرب يكمن في اعتماده استراتيجية طويلة الأمد بأهداف واضحة وتوجهات شفافة، تمنح للمستثمرين وضوحا في الرؤية على المدى البعيد في القطاعات المستهدفة، وترتكز على المزايا التنافسية للبلاد، خاصة القرب من الاتحاد الأوروبي وانخفاض تكاليف العمل مقارنة بأوروبا، ووجود ترسانة من التحفيزات الاستثمارية.

وأشار التقرير إلى أن هذه المقاربة مكنت المغرب من تحقيق نجاح باهر في مجال صناعة السيارات، إذ تضاعفت صادرات هذا القطاع 12 مرة في ظرف 10 سنوات، ومرت من 400 مليون دولار في 2004 إلى 5 مليار دولار في 2015، وعرفت نموا متوسطا خلال هذه الفترة بمعدل 26 في المائة في السنة. ولإبراز الوقع الإجتماعي الكبير لهذه السياسة، أشار التقرير إلى أن فرص العمل التي خلقت خلال هذه الفترة في مدينة طنجة وحدها، التي تحتضن المنطقة الصناعية الجديدة المخصصة لصناعة السيارات، تعادل ثلاثة أضعاف حجم فرص العمل التي خلقت خلال نفس الفترة في باقي التراب المغربي.

وتمكن المغرب عبر هذه السياسة من استقطاب صناعيين دوليين كبار، خاصة رونو وبوجو اللذان استثمرا معا زهاء ملياري دولار في مصانع بالمغرب تبلغ قدرها الانتاجية 650 ألف سيارة و200 ألف محرك.

استثمارات كبيرة 

في غضون ذلك، عرف المغرب استثمارات كبيرة من طرف العديد من مجهزي صناعة السيارات وصانعي الأجزاء والمكونات، من بينهم أسماء دولية كبيرة مثل ديلفي ولينامار وسيمولدس.

ولم تقتصر السياسة الصناعية للمغرب على صناعة السيارات، بل شملت أيضا صناعة الطائرات التي أصبحت تشغل 11 ألف شخص، بالإضافة إلى مجالات صناعية أخرى كالأدوية والألبسة والأغذية.

وأشار التقرير الى أن التخطيط الاستراتيجي للمغرب في مجال التنمية الصناعية مر من مرحلتين، انطلقت الأولى سنة 2009 مع اعتماد "ميثاق التنمية الصناعية"، ودخل المغرب في المرحلة الثانية في 2014 مع وضع "مخطط التسريع الصناعي". وتميزت هذه السياسات بطابعها الشمولي، إذ همت التحفيز على الاستثمار في القطاعات المستهدفة، وتطوير البنيات التحتية، وتوفير اليد العاملة المؤهلة، وزيادة الإنتاجية، وولوج الأسواق الإقليمية والدولية، والاندماج في سلاسل التموين العالمية، واستقطاب الممونين الصناعيين.

وصنفت الدراسة المغرب ضمن البلدان الإفريقية العشرة التي تتمتع بمعدلات نمو جيدة وبالاستقرار الإقتصادي، مشيرة إلى أن المغرب يعتبر من بين الاقتصاديات الافريقية التي حققت تقدما ملحوظا في مجال الإصلاحات الإقتصادية وتحسنا في تنافسيته.

 وأشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد المغربي ما زالت تهيمن عليه الشركات الصغرى، إذ لا تمثل الشركات المغربية التي يفوق إيرادها السنوي 500 مليون دولار سوى نسبة 29 في المائة فقط، مقابل 40 في المائة في المتوسط على الصعيد الإفريقي، الشيء الذي يتطلب سياسة خاصة في هذا المجال.

وخلص التقرير إلى أن نمو الاقتصادات الإفريقية عرف تباطؤا منذ 2010 نتيجة تداعيات الربيع العربي وتراجع عائدات النفط والمواد الخام. وأوضح أن نصف الدول الإفريقية الثلاثين الأكثر وزنا اقتصاديا عرفت تباطؤا في نموها، وضمنها المغرب.

ثورة صناعية 

واعتبر التقرير أن أمل إفريقيا يكمن في القيام بـ"ثورة صناعية"، إذ أن الصناعة هي وحدها الكفيلة بمضاعفة معدل نمو اقتصاديات الدول الافريقية خلال السنوات العشر المقبلة. وقدر التقرير فرص العمل التي ستخلقها الصناعة في القارة الافريقية خلال العشر أعوام المقبلة بنحو 6 إلى 14 مليون عمل. وأشار إلى أن 75 في المائة من النمو الصناعي المرتقب في إفريقيا يجب أن يوجه إلى تلبية الطلب الداخلي وتعويض الواردات، فيما يوجه 25 في المائة منه نحو التصدير.

كما سطر التقرير أهمية النمو العمراني في مجال تعزيز النمو الاقتصادي، مبرزا نموذج مدينة طنجة المغربية. وأشار التقرير إلى أن النمو العمراني المندمج، والذي يتضمن إنشاء مناطق نشاط صناعي واقتصادي جديدة، من شأنها أن تشكل قاطرة للنمو ومنصة لتحفيز الانتاجية والابتكار وخلق فرص أعمال جديدة. وكمثال على ذلك أشار إلى أن المنطقة الصناعية الحرة لمدينة طنجة التي انطلقت في سنة 2001 عرفت نجاحا ملحوظا إذ أصبحت تأوي زهاء 475 شركة في سنة 2009.

وفي عرضه لنتائج دراسة ميدانية حول تأثير تباطؤ النمو الاقتصادي على سلوك المستهلكين، أبرز تقرير ماكنزي أن المستهلكين الأفارقة في غالبيتهم متفائلون بكون مواردهم المالية ستتحسن خلال العامين المقبلين. وأشار الى أن المغاربة يميلون للتفاؤل بتحسن دخلهم أكثر مما يترقبون انخفاضه. وعبر أغلب المغاربة الذين شملهم البحث عن استعدادهم لزيادة الانفاق في حال تحسن مواردهم المالية، فيما فضل 32 في المائة من بينهم الإدخار. وصرح 62 في المائة من المغاربة أنهم يعتزمون شراء ملابس في حال تحسن مواردهم المالية، فيما يفضل 46 في المائة منهم شراء أجهزة وأدوات.