تعقد أوبك مشاورات في الجزائر في مسعى إلى التوصل إلى اتفاق لتجميد سقف الإنتاج، فيما تحضر كل دولة حاملةً أولوياتها الاقتصادية وحساب أرباحها وخسائرها. لكن الجو العام يدعو إلى تفاؤل بقابلية للتوصل إلى الاتفاق المنشود.

خاص بإيلاف: أثار قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إجراء محادثات تشاورية غير رسمية على هامش المنتدى العالمي للطاقة في الجزائر الأربعاء تكهنات، مفادها أن المنظمة ربما توشك على الخروج من سياسة الإنتاج بلا سقف، التي تعتمدها منذ عامين، والتي نجحت في التأثير سلبًا في موردين منافسين، لكنها ساهمت في تراجع الأسعار تراجعًا كبيرًا.

وكانت محاولة سابقة للاتفاق على تجميد الإنتاج النفطي، تشمل روسيا غير العضو في أوبك، قد فشلت في مباحثات جرت في العاصمة القطرية الدوحة في أبريل الماضي، إذ لم تشارك المملكة العربية السعودية في هذه المشاورات، بعدما رفضت إيران المشاركة. في هذه المرة، تتضارب أولويات أعضاء عدة في المنظمة، خصوصًا في ظل عزم إيران والعراق ونيجيريا على تعويض إنتاجها المتراجع، في حين تحافظ روسيا والسعودية على معدلات إنتاج نفطية شبه قياسية.

لا بدّ، والحال هذه، من تبيّن مواقف المشاركين في اجتماع الجزائر، إذ يشاركون في النقاش، لعلّهم يتوصلون إلى اتفاق ممكن لضبط سقف الإنتاج النفطي والسيطرة على الأسعار.

الجزائر
زار نور الدين بوطرفة، وزير الطاقة الجزائري، طهران وباريس وموسكو، في&زيارات مكوكية استعدادًا لاستضافة بلاده محادثات أوبك في هذا الأسبوع. وهو حث على خفض الإنتاج النفطي العالمي مليون برميل في اليوم، قائلًا إن الاستمرار بسعر برميل النفط دون 50 دولارًا أمر مستحيل.

نور الدين بوطرفة وزير الطاقة الجزائري

وقال في لقاء صحافي إن من شأن سعر النفط عند مستوى 50 إلى 60 دولارًا للبرميل أن يساعد على استقرار اقتصادات الدول المنتجة، "وهدفنا الأساس في هذا الاجتماع تحقيق استقرار في أسعار النفط في العالم، وإذا استمر الإنتاج في حدود 63 مليون برميل، فإن الأسعار لن تكون جيدة حتى عام 2018، ونعمل على خفض الإنتاج".

كانت الجزائر دائمًا حصنًا للاستقرار في شمال أفريقيا في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها &تعاني زيادة الضغط على ميزانيتها العامة بسبب انخفاض أسعار النفط، وهذا يصعّب على الحكومة تحمل نفقة الاستمرار في تقديم الحزم الاجتماعية، التي ساعدت على كبح المعارضة في أعقاب فورة الربيع العربي.

أنغولا
مع تحرك أسعار النفط في وقت سابق من هذا العقد نحو الارتفاع، انتعشت الأوضاع الاقتصادية في أنغولا، إلا أن التراجع الشديد في أسعار النفط ترك التداعيات السلبية على واحدة من أكثر دول القارة السمراء ثراءً وتفاوتًا في توزيع الثروات.&

شجع ارتفاع أسعار النفط، في وقت سابق من العام، أنغولا على اتخاذ قرارها في يونيو الماضي وقف محادثاتها مع صندوق النقد الدولي في شأن قرض، وفقًا لمصرف ستاندرد تشارترد.&

اليوم، يطلب نفس المسؤولين الذين تباهوا من قبل بصعود لواندا المبهر، قروضًا بمليارات الدولارات، في الوقت الذي يلقى الآلاف حتفهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، وتعاني المستشفيات نقصًا في الأدوية.&

وقال الرئيس الأنغولي خوسيه إدواردو دوس سانتوس في يوليو الماضي إن عائدات النفط التي توفر نحو 95 في المئة من الواردات المالية لخزينة الدولة "بالكاد تكفي لدفع الديون المستحقة على الحكومة وشركة النفط الوطنية سونانغول".

وتوقعت التقارير ارتفاع صادرات أنغولا من النفط الخام إلى نحو 1.57 مليون برميل يوميًا في نوفمبر المقبل، مقارنة بخطة صادرات أكتوبر البالغة 1.43 مليون برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى في عشر سنوات، إذ تستعد منشآت إنتاج أحد أنواع الخام الرئيسة للدخول في أعمال صيانة.&

الإكوادور
دعت الإكوادور إلى خفض الانتاج النفطي العالمي في اجتماع أوبك في ديسمبر الماضي، وطالبت بسقف للانتاج عند 30 مليون برميل يوميًا. في ذلك الوقت، كانت أوبك تنتج نحو ثلاثة ملايين برميل يوميًا أعلى من السقف الذي تطلبه الإكوادور.

وعبّر الرئيس الإكوادوري رفاييل كوريا عن بالغ أمله في التوصل إلى اتفاق من أجل استقرار سوق النفط في اجتماع الجزائر، محذرًا من مخاطر جسيمة تهدد أوبك في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وقال كوريا السبت في خطاب بثه التلفزيون الإكوادوري: "يُعقد الاجتماع لغرض آخر (مؤتمر الطاقة)، لكن جميع أعضاء أوبك موجودون هناك، لذا نأمل في عقد اجتماعات أخرى غير رسمية والتوصل إلى اتفاقات من أجل استقرار السوق النفطية".

أضاف: "إذا لم يحدث ذلك ستكون العواقب وخيمة، وربما تؤدي إلى تفكك أوبك نفسها، بل ثمة خطر أن تقود الخلافات داخل أوبك إلى تهاوي أسعار النفط مرة أخرى".

إيران
تعيد إيران بناء قطاع الطاقة فيها، وتسعى إلى استعادة حصتها الإنتاجية في السوق العالمية، بعد رفع العقوبات الدولية التي فرضت عليها طويلًا بسبب برنامجها النووي. منذ ذلك الحين، أي منذ يناير الماضي، رفعت إيران إنتاجها بحدود 800 ألف برميل يوميًا.

شارك وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنغنه في الجولة الأخيرة من محادثات تجميد الإنتاج في الدوحة، وقال إن توقيع هذا الاتفاق يعني أن تفرض إيران عقوبات على نفسها.&

وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنغنه

وعلى مدار الأشهر الماضية، رفضت إيران التزام أي اتفاق بين المنتجين الدوليين في شأن تجميد إنتاج النفط أو خفضه، مؤكدة حقها في الوصول بإنتاجها إلى مستوى ما قبل العقوبات الغربية التي قلصت إنتاجها إلى أقل من النصف.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده تدعم الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار النفطي أو تحسين الأسعار، لكن المهم هو تعويض الإنتاج الضائع، "وإيران على استعداد للقبول بسقف إنتاج أعلى قليلًا من 4 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية هذا العام"، وفقًا لتصريح محسن غمسري، مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة.

العراق
ربما يكون العراق أكبر حجر عثرة أمام أي اتفاق في الجزائر وفقاً للكاتب الاقتصادي جوليان لي في بلومبرغ. زاد الإنتاج العراقي منذ اعتماد أوبك زيادة الإنتاج. وطلب وزير النفط الجديد الجبار اللعيبي من شركات النفط زيادة الإنتاج.

وأبلغت بغداد نظراءها في أوبك بالكمية، التي تجعلها مستعدة لتجميد إنتاجها النفطي، لكنها لم تعلن عنها علانية. وقال فلاح العامري، مندوب العراق لدى منظمة أوبك، في 22 سبتمبر الحالي إنه الوقت الملائم كي تتوصل المنظمة إلى اتفاق على كمية الانتاج، معبرًا عن قلقه من انهيار سعر النفط الخام إذا فشلت الدول الأعضاء في أوبك في اتخاذ قرار في اجتماع الجزائر.

ويعتقد العامري أن الاجتماع سيكون مختلفًا في هذه المرة، "فالظروف تحسنت، وتمكن بعض منتجي النفط من الوصول إلى حصة سوقية أفضل مقارنة بوقت سابق من هذا العام، وبات إنتاج إيران أعلى من ذي قبل بعد رفع العقوبات عن طهران، وهذا يساعد المنتجين على التوصل إلى اتفاق بخصوص سقف الإنتاج النفطي".

ليبيا
صعبٌ جدًا أن تتقبل ليبيا تجميد الحصص النفطية العالمية، إذ تسعى جاهدةً إلى العودة إلى إنتاج 1.6 مليون برميل يوميًا، كما كانت حالها قبل إطاحة العقيد معمر القذافي قبل خمسة أعوام. ورفعت ليبيا إنتاجها بنحو 70 في المئة منذ أغسطس الماضي، مع استئناف الحقول النفطية الإنتاج، وفتح بعض الموانئ أمام أول صادرات نفطية خارجية منذ عامين. لكن الإنتاج يبقى عند ربع المستويات التي كانت قبل عام 2011، خصوصًا أن فصائل ليبية تتناحر للسيطرة على موارد الطاقة في البلاد. & &

في هذا السياق، أكد محمد عون، محافظ ليبيا لدى أوبك، أن ليبيا لن تجمد إنتاجها حتى تصل إلى المعدلات السابقة أي 1.6 مليون برميل يوميًا. وقال لصحيفة وول ستريت جورنال إن ليبيا بدأت في تنفيذ خطط طموحة تهدف إلى زيادة إنتاجها من 300 ألف برميل إلى مليون برميل يوميًا بنهاية العام الجاري.

وكان الداعون إلى تجميد الإنتاج أكدوا سابقًا استثناء ليبيا من أي اتفاق لتجميد الإنتاج، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة فيها.

نيجيريا
تعد نيجيريا أكبر منتج نفطي في أفريقيا في الظروف العادية، لكنها تحتاج اليوم بيع كل ما في وسعها من النفط بسبب انخفاض الأسعار، وبسبب تضرر الإنتاج بسبب هجمات المتشددين على البنية التحتية للطاقة.

وقال وزير النفط إيمانويل كاشو أخيرًا إن وتيرة الإنتاج تسارعت خلال الأسابيع القليلة الماضية في ظل وقف إطلاق النار. وتوقع كاشو أن يرافع الإنتاج اليومي النيجيري إلى 1.8 مليون برميل يوميًا في أكتوبر المقبل، وإلى مليوني برميل بحلول ديسمبر، مقاربة بنحو 1.44 مليون برميل أنتجتها نيجيريا في أغسطس الماضي، في بيانات مطابقة لإنتاج شهر مايو الماضي بحسب بلومبيرغ.

السعودية وحلفاؤها
بعدما تعهد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح التعاون مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك يوم 5 سبتمبر الماضي، نفى الفالح وجود أي حاجة إلى الحد من الإنتاج النفطي العالمي حاليًا. وقال الفالح إن الأسواق النفطية العالمية تتجه في الاتجاه الصحيح.

&وزير الطاقة السعودي خالد الفالح

لكن وزير الطاقة الجزائري نور الدين بوطرفة قال الأحد إن السعودية عرضت خفض إنتاجها الى مستويات يناير الماضي. وتميل قطر والكويت والامارات إلى أن تحذو حذو السعودية عندما يتعلق الأمر بقرارات أوبك الانتاجية. يأتي هذا القرار على خلفية تراجع العائدات النفطية الذي أجبر دول مجلس التعاون على خفض الإنفاق العام وإلغاء عدد من المشاريع العامة.

الجدير ذكره أن من بين أهم الحوادث التي سبقت انعقاد منتدى الطاقة الدولي هو الاتفاق بين السعودية وروسيا، على هامش قمة العشرين في هانغتشو الصينية، لضمان الاستقرار في أسواق النفط، وتشكيل لجنة عمل مشتركة لمراقبة العوامل الأساس في سوق النفط.

وأكد الفالح في حينها أن هذا الاتفاق الثنائي يهدف إلى تشجيع الآخرين للتوصل إلى تفاهمات مشتركة حول الأسواق، وما يجب اتخاذه من إجراءات.

فنزويلا
ضغط وزير النفط إيولوجيو ديل بينو لخفض الإنتاج في اجتماع أوبك في ديسمبر، وكان أحد أهم محركي قمة الدوحة. ودفع سوء الإدارة الاقتصادية وتراجع أسعار النفط بلاده إلى حافة الانهيار، لأنها تعتمد على النفط.

ومتابع تصريحات فنزويلا عن النفط يجدها متفائلة جدًا، إذ يتحدث ديل بينو عن ارتفاع متوقع نتيجة أي اتفاق، وهو ما يوضح الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمر بها كراكاس نتيجة الاضطرابات السياسية في البلاد. وقال ديل بينو الثلاثاء الماضي: "إذا تم التوصل إلى اتفاق بين أعضاء أوبك والمنتجين خارجها، فإن أسعار النفط الخام سترتفع عشرة دولارات إلى 15 دولارًا للبرميل".

روسيا
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن صفقة تجميد مع أوبك "قرار صحيح". إلا أن التعهدات الروسية السابقة بالتعاون مع أوبك ما أدت إلى شيء. فروسيا التي تنتج مستويات قياسية فوق 11 مليون برميل يوميًا تدفع نحو اعتماد أقل سعر النفط متعادل بين 15 دولة تحضر الاجتماع.&

لكن، مع بقاء سعر برميل النفط الخام دون عتبة 50 دولارًا، تحاول موسكو الخروج من أطول فترة ركود اقتصادي منذ عقدين، بحسب بلومبرغ.

واستبعد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أخيرًا أن تناقش أوبك فكرة خفض مستويات الإنتاج بنسبة 5 في المئة خلال اجتماع الجزائر. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن نوفاك قوله: "هناك مقترح لتثبيت الإنتاج النفطي، لكن الاقتراح ليس على جدول أعمال الاجتماع حتى الآن".

أما نائب وزير الطاقة الروسي كيريل مولودتسوف فقال إن بلاده يمكنها نظريًا خفض إنتاجها النفطي بنسبة 5 في المئة.
&