«إيلاف» من القاهرة: مرت سنة على قرار البنك المركزي المصري "تعويم الجنيه"، الذي كان بمثابة نقطة التحول في أداء الاقتصاد المصري، الذي شهد تحديات ضخمة منذ ثورة 25 يناير 2011 ، ففي الثالث من نوفمبر من العام الماضي، أعلن البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه، القضاء تمامًا على السوق الموازية للنقد الأجنبي، وتخفيف عجز الموازنة.

قرار الحكومة بتعويم الجنيه كان خطوة حاسمة لتأمين الحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار، وبعد التعويم كانت السمات الأساسية لعام 2017 هي تزايد العملات الصعبة في البنوك وتحسن السياحة، وتصاعد معدلات التضخم والدين الخارجي، كما تسبب القرار في غلاء الأسعار بشكل مخيف ، وزيادة نسبة الفقر والبطالة بين الشباب نتيجة قيام عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالاستغناء عن عدد كبير من العمالة. 

ووفقًا لبيانات وإحصائيات البنك المركزي المصري، فإن قرار تعويم الجنيه حقق مردودًا قويًا نحو تحسن الاقتصاد خلال عام 2017، فارتفع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 17,5 مليار دولار خلال أول 11 شهر من تعويم الجنيه، ليصل نهاية سبتمبر الماضي إلى 36,5 مليار دولار، مقابل 19 مليار دولار نهاية أكتوبر 2016.

كما قفزت تحويلات المصريين في الخارج بنحو 50% منذ تعويم الجنيه ،فقد بلغت التحويلات الخارجية خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2017 نحو 12,9 مليار دولار، مقابل نحو 10,5 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2016 ،كما ارتفع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام المالي الماضي بنحو 14% إلى 7,9 مليار دولار مقابل 6,9 مليار دولار في العام السابق بفضل تعويم الجنيه، وبحس بيانات وزارة الصناعة فقد أدى تعويم الجنيه إلى زيادة في حصيلة الصادرات المصرية لدول العالم بعد أن أصبحت السلع المصرية رخيصة بالمقارنة بمثيلاتها في العالم، كما حققت الصادرات المصرية غير البترولية قفزة كبيرة خلال الـ9 شهور السابقة (يناير- سبتمبر) مسجلة 16 مليار و490 مليون دولار، مقارنة بـ14 مليار و890 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي 2016، بزيادة نسبتها 11%.

على الجانب الآخر، هناك سلبيات كثيرة للقرار، منها أنه تسبب في موجات ارتفاع في أسعار جميع السلع بشكل جنوني، لاسيما الغذائية، كما تسبب في تفاقم أزمة النقص الحاد ببعض السلع وعلى رأسها الأدوية.

وارتفعت معدلات التضخم في مصر بنسبة كبيرة، تأثرًا بالإصلاحات الاقتصادية الأخيرة وعلى رأسها تحرير سعر صرف الجنيه، قبل أن تتراجع إلى 32,9% في سبتمبر من 33,2% في أغسطس.

 كما تسبب قرار تعويم الجنيه وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية إلى تفاقم معدلات الدين الخارجي، لاسيما مع توسع الحكومة في الاقتراض من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، بجانب طرح السندات الدولية لسد الفجوة التمويلية ، وقفز الدين الخارجي للبلاد إلى 79 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، مقارنة مع 60,2 مليار دولار في سبتمبر 2016 بحسب بيانات البنك المركزي.

وحسب تصريحات، الدكتور سعيد عبد المنعم، المستشار بالمعهد القومي للتخطيط، فإن قرار الحكومة بتعويم الجنيه كان له بعض السلبيات والإيجابيات ، ولكن المواطن المصري من محدودي الدخل أكثر من تحمل التداعيات السلبية لتعويم الجنيه ، حيث شهدت السلع الغذائية ارتفاعًا كبيرًا وصل في بعض المنتجات إلي 100 % ، نتج عن ذلك زيادة نسبة الفقر نتيجة تقليل المستوى المعيشي للأفراد ، وبلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27,8%". 

وأضاف لـ"إيلاف" أن صندوق البنك الدولي ذكر في آخر تقرير له، أن الحكومة المصرية والصندوق الدولي كان يتوقعان وجود نتائج إيجابية كبيرة نتيجة لقرار التعويم، من أهمها رفع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، كذلك رفع المستوى المعيشي للمواطن، إلا أن ذلك لم يحدث، وهو ما يؤكد فشل المركزي المصري على مدار العام في الاستفادة من قرار التعويم.

وعن نجاح تعويم الجنيه في زيادة الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي المصري، قال الخبير الاقتصادي، إن أرقام الاحتياطي الأجنبي خادعة، فهناك ما يقرب من 30 مليار دولار عبارة عن ودائع وقروض سوف تسدد بالفوائد خلال العامين القادمين، وبالتالي فإن قرار تعويم الجنيه ليس له علاقة بارتفاع الاحتياطي الأجنبي كما تزعم الحكومة.

على الجانب الآخر، يرى الدكتور محمد جمال، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ، أن قرار تعويم الجنيه أدى إلى خفض الواردات، بما يعادل 10 مليارات دولار، وزيادة الصادرات بنسبة 11%، إضافة إلى تحسن واردات السياحة والتي بلغت 6 مليارات دولار.

وأضاف لـ"إيلاف" أن القرار أدى أيضًا إلى زيادة تحويلات المصريين من الخارج بزيادة 50 % ، فقد بلغت التحويلات الخارجية خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2017 نحو 12,9 مليار دولار، مقابل نحو 10,5 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2016. 

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن تحرير سعر الصرف أدى إلى حل مشكلة الاعتمادات البنكية، إضافة إلى تسهيل الالتزامات الدولية لمصر، وسداد أقساط الديون بانتظام، كما ساهم أيضًا في القضاء على السوق السوداء للدولار ونقصه في البنوك ، حيث استقر سعر الصرف بين 17 و 18 جنيهًا، وهذا الثبات نجاح لقرار التعويم.

يذكر أن البنك المركزي المصري، قرر تحرير سعر صرف الجنيه بتاريخ 3 نوفمبر 2016، فجأة، وهو ما يعرف بـ"تعويم الجنيه"، وأسفر القرار عن ارتفاع أسعار السلع جميعها، وقفز سعر الدولار الأميركي من 8.73 جنيهًا إلى 18 جنيهًا خلال أيام قليلة من صدور القرار، واستقر السعر منذ بداية العام الجاري عند حد 17.60 جنيهًا.