كاتي هوب

مراسل الاقتصاد - بي بي سي

لوحة مخلص العالم
Getty Images
لوحة مخلص العالم، يعتقد أنها لدافنشي، بيعت في مزاد مقابل 450 مليون دولار وكان ثمنها قبل 60 عاما 54 جنيها استرلينيا

إنه خيال يشبه الفوز في اليانصيب، فهذه اللوحة التي رأيتها في متجر الأشياء القديمة وسعرها عشرات الدولارات أصبحت قيمتها الآن تساوي الآلاف، أو تلك اللوحة القبيحة التي أهدتها لك جدتك وأخفيتها في الخزانة طوال الوقت، تساوي ثروة الأن.

لكن هذا الحلم أصبح حقيقية لأحد الشخاص الذين يستثمرون في هذا المجال.

فلوحة تصور المسيح، يُعتقد أنها من رسم الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، بيعت بمبلغ 450 مليون دولار في مزاد بمدينة نيويورك.

ولم تكن تلك اللوحة تساوي أكثر من 45 جنيها استرلينيا، عند بيعها في مزاد قبل 60 عاما فقط، واعتقد الخبراء أنها من رسم أحد تلاميذ دافنشي وليست من رسم الفنان الإيطالي نفسه.

ويمثل هذا عائدا هائلا لأي استثمار حتى بعد حساب منعدلات التضخم طوال تلك السنوات.

وهو ما يثير تساؤلات، هل الاستثمار في اللوحات الفنية وسيلة جيدة لتحقيق الثراء السريع؟ وكيف ينبغي أن تستثمر في الفن؟

ينصح باتريك كونولي، المستشار المالي في مؤسسة تشيس دي فير، بأن يتم الاستثمار "بحذر شديد".

ويؤكد على أنه في الوقت الذي تبدو فيه قصص مثل لوحة دافنشي الأخيرة مثيرة وجذابة، إلا أن هذه الحالات نادرة.

ويقول إن مؤسسة تشيس دي فير لا توصي زبائنها بالاستثمار في الفن لأن السلبيات تفوق الإيجابيات.

ويضيف كونولي :" هذه الاستثمارات لا توفر دخلا أو تحقق ربحا".

ويوضح أن ما تحصل عليه يعتمد فقط على العرض والطلب، وهناك حركات كبيرة صعودا أو هبوطا تنتج إذا كان هناك تغييرات في البيئة الاقتصادية أو إذا حدثت تغييرات للنمط السائد بدخول أو خروج أعمالا أو فنانين معينين".

لكن الاستثناء من كل ما سبق هم الأثرياء، من يملكون مجموعة كبيرة من الاستثمارات ويريدون التأكد من أنهم لا يعتمدون على نوع معين من الاستثمارات.

وبما أن الفن ليس له علاقة بسوق الأسهم، فهذا يعني أن اللوحات يمكن أن ترتفع من حيث القيمة حتى عندما تتعطل السوق، مما يجعلها تنويعا جيدا لمحفظة استثمارية.

ويقترح كونولي 5000 جنيه استرليني كبداية حتى يكون الاستثمار في الفن استثمارا حقيقيا، وقد يرتفع المبلغ إلى 500 ألف استرليني، حتى يمكن وضعها في مجالات متعددة سواء شراء أعمالا فردية أو الاستثمار في صندوقا للأعمال الفنية.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بوجود ما يكفي من المال لشراء اللوحة في المقام الأول. أي صندوق سوف يحصل على رسوم إدارية، كما انه سيكون من الخطأ شراء لوحة باهظة الثمن والاكتفاء فقط بتعليقها على الحائط في مكان ما للتباهي بها، لأن هذ التعامل يمكن أن يكون طريقا سريعة لخسارة المال.

وغالبا ما يتم تخزين الأعمال الفنية ذات القيمة العالية في صناديق واقية مزودة بالكامل بأجهزة استشعار ورصد، حتي يمكنها مراقبة مستويات الرطوبة ودرجة الحرارة، وحمايتها من الأضرار الناجمة عن أشعة الشمس أو غيرها من الحوادث مثل انسكاب السوائل أو كوب من القهوة.

ويحذر كونولي من أنه في حال وضع اللوحة الباهظة على الحائط فإمه من المرجح أن ترتفع تكاليف التأمين الخاصة بك.

ويقول: "في حال انتشر أن لديك عملا فنيا باهظا معلقا على الحائط لديك فمن المرجح أنك ستكون هدفا رئيسيا للصوص".

والفن أيضا ليس استثمارا منظما لذلك فإنه عندما تسوء الأمور، يتم على سبيل المثال اكتشاف أن لوحة فنية باهظة هي في الواقع عملا مزيفا وليست أصلية، فإن المستثمر هو من يتحمل المسؤولية كاملة بمفرده ويتحمل الخسارة أيضا، ولا يستطيع الرجوع لأي جهة أو هيئة منظمة للحصول على تعويض.

وهنا يوضح كونولي: "إن ما تحصل عليه هو أصل استثماري غير منظم ولا يمثل سيولة مالية، وهناك أيضا تكاليف عالية محتملة، وكذلك أداء متقلبا ولا يقدم لصاحبه أي دخل يذكر. وهذا النوع من الاستثمارات ليس جذابا تماما لمعظم المستثمرين".

وتشير الدراسات أيضا إلى أن متوسط العائد على الاستثمارات الفنية أقل إثارة من العائدات التي حصل عليها مالك لوحة ليوناردو.

وخلصت دراسة أكاديمية حديثة، استنادا إلى مراجعة بيانات 1.2 مليون عملية بيع لوحات فنية ورسومات ومطبوعات بالمزاد، إلى تواضع عائدات الأعمال الفنية المقدرة والتي لا تزيد عن 3.79 في المائة في السنة، بحسب القيمة الحقيقية للدولار الأمريكي، وذلك بين عامي 1957 و2007.

وبطبيعة الحال نظرا للبيئة الحالية من انخفاض أسعار الفائدة، فإن الأعمال الفنية لا تزال تقدم للمستثمرين عائدا أفضل من العديد من حسابات التوفير.

ويقول أدريانو بيسيناتي دي تورسيلو، المنسق المالي في شركة ديلويت للفن، إن اللوحات الفنية تعتبر أيضا استثمارات جذابة لأنه يكون من الواضح تماما ما يشتريه المستثمر.

أعمال فنية
Getty Images
مبيعات المزادات الفنية شهدت تعافيا في النصف الأول من العام الحالي

وأشار تقرير ديلويت الأخير عن هذا القطاع أنه بعد انخفاض في سوق الفن العالمي طوال عام 2016، شهدت مبيعات المزادات تعافيا في الأشهر الستة الأولى من عام 2017.

ويقول السيد بسيناتي دي تورتشيلو إن هذا الانتعاش يعود جزئيا إبى رغبة المستثمرين في الحصول على "أصول حقيقية".

موضحا أن العديد من المستثمرين فقدوا المال خلال الأزمة المالية بسبب الاستثمار في المنتجات التي لم يفهموها، لذلك فقد قرروا العودة إلى الأشياء الواضحة والمعروفة مثل الاستثمار في الفن.

ويضيف :"العملاء الأغنياء يزيدون من إنفا جزء من ثرواتهم على شراء الأعمال الفنية والمقتنيات الأخرى".

ولكن ليس من الضروري ان تكون فاحش الثراء حتى يمكنك الاستثمار في الفن.

هناك عدد متزايد من المعارض الفنية والأسواق على الإنترنت تهدف الوصول إلى فشة المشترين من اصحاب الميزانيات المتواضعة.

معرض الفن بأسعار مناسبة(AAF)، الذي بدأ في حديقة باترسي في لندن في عام 1999، ينظم الآن معارض فنية في أكثر من 10 مدن في جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت الذي يمكن أن يصل سعر العمل الفني الواحد 6000 جنيه استرليني، فإن متوسط سعر البيع لدى هذا العرض في بريطانيا لا يزيد عن 600 جنيها استرلينيا.

وقال مؤسسه ويل رامزي، إن الدافع وراء هذا المشروع كان العمل على إثبات أنك "لا تحتاج أن تكون من أصحاب الملايين حتى يمكنك اقتناء أعمال فنية".

ولكن في الوقت الذي قد تصبح الأسعار مناسبة أكثر، لا يجب أن تراهن على أتصبح مليونيرا بنفسك.

معظم خبراء صناعة الفن ينصح بانه يجب أن تسعى لشراء قطعة فنية أو اقتناء عمل فني لأنك ترغب في ذلك فقط وليس لأنك تريد أن تصبح ثريا وتحقق ثروة.

ويعود كونولي للقول إن "النهج المنطقي بصورة أكبر هو على الأرجح شراء شيء يحلو لهم ويمكنهم تحمل ثمنه وتكلفته، وأولا وقبل كل شيء، أن يكونوا مستعدين للاحتفاظ به لأنه يمنحهم السعادة".

ويختم :"وإذا ما حدث وارتفعت قيمة هذا العمل الفني فإن هذا يكون مجرد مكافأة إضافية وليس السبب الرئيسي".