فوائد غير متوقعة للحديث عن تجاربك الفاشلة

بعد أربعة أشهر وسبع مقابلات توظيف، وصلت إلى أدريانو ديسترو أنباء سيئة تفيد بأنه لم يحقق حلمه الوظيفي بالعمل لدى شركة فيسبوك.

وبدلا من الحفاظ على هدوءه بشأن ما حدث، كتب ديسترو مقالا على موقع "لينكد-إن" ووصف فيه رفض توظيفه في وقت سابق من هذا العام بأنه أفضل إخفاقات حياته.

وقال ديسترو، البالغ 25 عاماً والحاصل على شهادة جامعية من كلية إدارة الأعمال، وهو متخصص في تحليل المعلومات الرقمية ويقيم في نابولي بإيطاليا: "نميل إلى الإعلان عن مآثرنا وكتم إخفاقاتنا. يجب أن ندرك أن الحياة لا تتكون فقط من قصص النجاح، بل في أكثر الأوقات من فشل الناس والعودة إلى المسار الصحيح مرة أخرى بتعطش وحافز أكبر. لم أنجز إلا واحد في المئة فقط".

وقُرأ ذلك المقال نحو 8.5 مليون مرة، وتلقى ديسترو أكثر من 100 تعليق ورسالة خاصة تشجعه، لدرجة أن البعض عرض عليه فرصاً للتوظيف، كما ذكر في رسالة الكترونية. وقال ديسترو: "نصنف الفشل باعتباره مخزياً وأمراً ينبغي علينا حمل عبئه بصمت.ظننت أنه ينبغي عليّ الاستفادة منه على أحسن وجه".

يقول جي ريتشارد شيل، أستاذ الدراسات القانونية وأخلاقيات الأعمال في كلية وارتون بجامعة بنسيلفانيا: "كما تعلمون، فإن عبارة 'رفضوا تعييني في فيسبوك' هي عبارة تقليدية يكررها الحاصلون على شهادة الماجستير بإدارة الأعمال."

وأشار شيل إلى أن الفشل والعودة إلى المسار الصحيح يجعل المرء أقوى من ذي قبل.

وأضاف: "إذا توفر الدعم الاجتماعي لذلك، فإن المرء سيتعلم ويصبح أقوى من ذي قبل".

ولكن ماذا سيحدث إذا لم يتوفر ذلك الدعم؟ يقول شيل: "عندئذ ستؤدي نوبات الفشل هذه إلى حالة من النفور والانعزال والاكتئاب، لأن الشخص يعتقد أن هناك شيئاً عاماً يتعلق بالفشل والإخفاق".

لكن التحدث عن الفشل في المناسبات العامة هو أمر مختلف تماما، إذ يمكن للإخفاق أن يكون مُحرجا وأن يضعف الثقة بالنفس ويثير الإحساس بالذنب والعار. في بعض الشركات، يمكن للفشل أن يُنهي السيرة المهنية للشخص، حسب خبراء ومديرين.

وتُظهر الأبحاث أن شعور الخزي والعار، المصاحب للإحساس بتدنّي حال الشخص في نظر الآخرين، من بين أشدّ المشاعر التي تنتاب المرء حتى بالمقارنة بمشاعر الغضب أو السعادة. كما يمكن للإخفاق أن يشوّش فهم الذات ويجعل الإنسان خجِلاً من قدراته في مكان العمل، مهما تكن حقيقة الأمر.

وبعيداً عن عالم الشركات، يُنظر الى الإخفاق بشكل سلبي وهو ما يجعل الشخص المعني يحافظ على سرّيته. لكن ذلك قد يتغير، بعدما نجحت مجموعة من المهنيين الشباب في قلب مسألة الإخفاق رأساً على عقب.

فوائد غير متوقعة للحديث عن تجاربك الفاشلة

قُرأ عمود ديسترو أكثر من 8.5 مليون مرة

الاحتفاء بالإخفاق

ربما تكون الحركة الداعية إلى الاحتفاء علناً بالفشل قد لاقت أكبر دفعة لها في حانة بالعاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي قبل خمس سنوات.

بدأ الأمر بمحادثة صريحة بين خمسة أصدقاء كانوا يحتسون مشروب الميزكال عندما اكتشفوا أنهم كانوا يناقشون نجاحاتهم فقط مع بعضهم ولم يكشفوا قطّ عن إخفاقاتهم.

أدى ذلك إلى فتح نقاش مطول لمدة ساعة حول الفوائد المحتملة للتحدث عن الإخفاق بكل صراحة ودون مساومة. وقرروا إقامة فعالية تتيح للناس التحدث عن إخفاقاتهم بكل حرية بدون أية قيود.

وتدار هذه الفعاليات بطريقة معينة، إذ يتحدث ثلاثة أو أربعة من رواد الأعمال عن إخفاقاتهم لمدة سبع دقائق عارضين 10 صور أو رسوم توضيحية. وتلي كل كلمة جلسة من الأسئلة والأجوبة ومناقشات متبادلة أثناء تناول المشروبات.

ويتمثل الهدف من هذه الفعاليات والنشاطات في التخلص من الشعور بالذنب ومشاعر الألم والخزي المصاحبة للفشل وإشراك الآخرين فيما مرّوا به، في جوّ مفعم بالدعم والمساندة، وإقامة ورش عمل لمناقشة التجارب المختلفة والتفكير فيما كان ينبغي فعله بشكل مختلف.

يقول يانيك كويك، المدير التنفيذي لهذه المجموعة، والتي تحمل اسم "معهد الإخفاق"، المعني بدراسة الإخفاق والفشل على مستوى العالم: "الكل يفشل، وهذا أمر موجود على الساحة العالمية".

تقول ليتسيا غاسكا، التي ترأس قسم الأبحاث في المجموعة: "أصبحتْ هذه المجموعة واحدة من بين أكثر المناقشات المُجدية في إدارة الأعمال على الإطلاق، وقررنا إعادة هذه التجربة مع أصدقاء أكثر".

وسرعان ما انتشرت سلسلة النشاطات، التي بدأت كهواية بالنسبة للمؤسسين، في أنحاء المعمورة بفضل قنوات التواصل الاجتماعي إلى حد كبير.

وبعد شهرين، كانت 15 مدينة مختلفة تستضيف هذه النشاطات. وحالياً، توسّعت الحركة لتشمل أكثر من 200 مدينة في 75 بلدا. ويحضر هذه النشاطات مئات الأشخاص، كما حضر أكثر من ألف شخص في نشاطات أقيمت في فرانكفورت ومكسيكو سيتي.

فوائد غير متوقعة للحديث عن تجاربك الفاشلة

تقام الفعاليات الهادفة إلى الحديث عن الإخفاقات بكل صراحة في كافة أرجاء العالم، مثل تلك التي أقيمت في الهواء الطلق

وتقام هذه المناسبات في بلدان لم يتعود الناس فيها على التحدث عن الإخفاق والفشل، مثل اليابان وألمانيا والمكسيك، التي اعتاد فيها الناس على تحقيق النجاحات، حسب كويك.

ومع اتساع الحركة، حدثت بعض التطورات الشديدة، ففي الدول الإسلامية على سبيل المثال، وفي غيرها من الدول، لا تُطلق على النشاطات كلمات نابية، كما هو معتاد من قبل منظميها، لأن ذلك قد يضع المنظمين في مواجهة القانون، علاوة على التأكيد على عدم التطرق إلى التقاليد والأعراف الاجتماعية والثقافية.

ورغم اختلافات العادات والثقافات، حسب كويك، فالمطلوب من المجتمع توفير مكان تُناقش فيه الإخفاقات بشكل حر وصريح، دون خوف من نبذ الفكرة من قبل الأسرة والمجتمع.

ويضيف: "هناك معلومات كثيرة لا تناقش علانية، كما توجد تجارب عديدة يمكنها أن تساعد الآخرين الذين يمرون بظروف مماثلة، والتي يمكنها أن تكون مصدرا للإلهام."

شركات تؤسَّس وأخرى تُغلق

شهد عالم الشركات الناشئة هو الأخر ظهور مناسبات تحتفي بالإخفاقات بصورة علانية، لكن الأمر سار ببطء في مجالات أخرى.

تأسست شركة "فيلكون" في سان فرانسيكو عام 2009 لتكون مؤتمراً يعقد ليوم واحد يتعلم فيه مؤسسو الشركات الناشئة من الآخرين ولكي يتهيأوا نفسيا للتعامل مع أي إخفاق محتمل، غير أنه أعيد هيكلتها منذ ذلك الوقت لأن المسألة أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من مفردات وقاموس قطاع الصناعة والأعمال، حسب تصريحات مؤسسها كاس فيليبس لصحيفة نيويورك تايمز.

ويُنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها بلد يُحتفى فيه بالإخفاق، لكن خارج العوالم المصغرة لوادي السيليكون في كاليفورنيا ومدينة بولدر بولاية كولورادو ـ حيث أن عبارات مثل 'افشل بسرعة، وافشل كثيرا'، ومؤخراً عبارة 'افشل بكياسة'، أصبحت شعارات هناك ـ فإنه يُنظر إلى الإخفاق بشكل أكثر تحفظاً في الأماكن الأخرى.

يقول كويك: "في باقي الولايات، يعاني الناس بنفس الطريقة التي يعاني بها الآخرون في غيرها من البلدان."

ومهما يكن البلد، فإن إعادة صياغة الإخفاقات باعتبارها دروساً وعِبَراً ينبغي التعلم منها يمكن أن تجعل الناس أشد بأساً وأكثر مرونة، حسب رأي مؤيدي تلك الفكرة.

تيقول شيل من وارتون: "تؤول قصة الفشل إلى نوع من المرونة. ربما لا تكون تكفيراً عن ذنب، ولكنها كمن يقول 'تمالكتُ نفسي، لا زلت مستمرا، هذا ما تعلمته وإليكم الأسباب الحقيقية وراء أهمية فشل الناس لأنك لن تتعلم بدون إخفاق'. إن تلك التجربة هي ملك لنا ونحتفل بها ونتقاسمها علانية مع الآخرين".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital