الرياض: أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أن بلاده تتمتع بمركز مالي متين واحتياطات مالية وفيرة، مؤكدًا أن الناتج المحلي الإجمالي، تضاعف على مدى الأعوام العشرة الماضية، وأنه يتوفر لدى المملكة ثالث أكبر احتياطي للعملة الأجنبية في العالم، معتبرًا أن القطاع الخاص غير النفطي أهم القطاعات الحيوية القادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة، حيث بلغت مساهمته نحو 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي.

وأكد الجدعان، أن السعودية تتمتع بمستوى منخفض للدين العام، هو الأقل بين دول مجموعة العشرين، منوهًا بأن هذه العناصر من شأنها أن تُسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، والحد من الآثار السلبية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، بجانب مساهمة السياسات النقدية التي تتبعها المملكة في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، ودعم النمو الاقتصادي، في حين ساهمت سياسة سعر الصرف المتبعة في تعزيز الثقة.

 وقال وزير المالية السعودي، خلال تدشينه فعاليات مؤتمر «يورومني السعودية 2017»، بالعاصمة الرياض أمس، إن «السعودية تشهد اليوم نقلة نوعية غير مسبوقة، في إطار تعزيز متانة الاقتصاد السعودي عبر برامج تحقيق (الرؤية 2030 )، التي تم رسم خطوطها، وجرى أخذها بالاعتبار لمصلحة واحتياجات القطاعين العام والخاص والمواطنين. ولضمان التنفيذ الفاعل لبرامج (رؤية 2030 ) كان لا بد من حوكمة شاملة ودقيقة».

 ووفق الوزير الجدعان، تم التركيز على تطوير الجهات الحكومية، حيث أنشأت وزارة المالية، وحدة مختصة بالسياسات المالية الاقتصادية (وحدة السياسات المالية الكلية)، بهدف إخضاع السياسات المالية لدراسات تحليلية متعمقة تُمكن من رفع كفاءة التخطيط المالي، كما تم إنشاء مكتب لإدارة الدين العام يعنى ببلورة استراتيجية الدين العام للمملكة وتنفيذها. 

ولفت إلى ما لقيته إصدارات الدين الدولية من إقبال واهتمام كبيرين من قبل المستثمرين، ومنها الإصدار الدولي الأول وفق برنامج الصكوك السعودية الدولية الشهر الماضي، حيث تجاوز المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب لهذه الصكوك مبلغًا قدره 33 مليار دولار، وقد بلغ الحجم الإجمالي للإصدار 9 مليارات دولار.

الثقة في برنامج التحول الوطني

وقال: «هذا النجاح يعكس الأسس المتينة للاقتصاد السعودي، ويجسد الثقة في (برنامج التحول الوطني) و(رؤية المملكة 2030) بشأن استدامة الدين العام في المملكة ضمن إطار هذه الرؤية»، مشيرًا إلى أن «الحكومة أجرت إصلاحات مالية واقتصادية هيكلية لتعزيز إطار سياسة المالية العامة، وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، ودعم قاعدة الإيرادات غير النفطية، والاستمرار في ضبط أوضاع المالية العامة، مع الأخذ في الاعتبار الآثار المحتملة على النشاط الاقتصادي، مع التركيز على رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي». ووفق الجدعان، قامت الحكومة بوضع برنامج وطني باسم «حساب المواطن» للحد من الآثار المحتملة جراء تطبيق تلك الإصلاحات الاقتصادية على تكاليف المعيشة والقوة الشرائية، خصوصاً للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما تبنت الحكومة أكثر من مائة وخمسين مبادرة لرفع كفاءة الإنفاق التشغيلي والرأسمالي في جهات حكومية مختلفة.

وأشار إلى إعلان الحكومة هذا الأسبوع عن 10 برامج إضافية استكمالاً لبرامج «رؤية 2030 »، إلى جانب برنامجي «التحول الوطني» و«التوازن المالي 2020 »، تشمل الإسكان، وخدمة ضيوف الرحمن، وتحسين نمط الحياة، وتعزيز الشخصية السعودية، وبرنامج ريادة الشركات الوطنية، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الى جانب برنامج صندوق الاستثمارات العامة، والشراكات الاستراتيجية، وتطوير القطاع المالي، والتخصيص.

وتركز السياسات المالية، وفق الجدعان، على تنويع مصادر تمويل المالية العامة، وتحقيق أعلى مستويات الشفافية وأفضل الممارسات في إعداد وتنفيذ الميزانية، وفي الحوكمة، مع مراعاة الآثار الاقتصادية المحتملة جراء ضبط أوضاع المالية العامة، لا سيما على مستوى التوظيف ومعدل التضخم ونمو الأنشطة الاقتصادية محليًا، حيث رصدت الحكومة ضمن ميزانية هذا العام إنفاقاً يزيد على 40 مليار ریال (6.10 مليارات دولار) للإنفاق على مبادرات «التحول الوطني»، و220 مليار ریال (6.58 مليارات دولار) إضافية للإنفاق على مبادرات التحول الوطني خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. 

ونوّه بإعلان الحكومة برنامج «التوازن المالي» متزامناً مع إعلان ميزانية 2017 ،الذي حدد إطارًا عاماً للعمل من خلاله في إعداد الميزانية على المدى المتوسط، وعبر محددات تتعلق بمكونات الميزانية عموماً، لافتاً إلى أنه يجري التطوير لإدارة المشاريع وتمويلها، سعياً لرفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وضمان أن يعمل إطار الميزانية وفقاً للأولويات الوطنية بنظام شفاف وذي مصداقية، يمكن التنبؤ به.

 وقال: سعياً إلى تطوير إطار متكامل للميزانية العامة، تقوم الوزارة بالتنسيق مع الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة بجمع المعلومات عن الظروف الحالية للاقتصاد الكلي، وتوقع مؤشرات الاقتصادية، لتكون أساساً في متابعة تنفيذ مستهدفات (التحول الوطني)، وتحقيق أهداف (رؤية المملكة 2030)، وتفهم المخاطر والتحديات ومعالجتها».

الميزانية

 ووفق الجدعان، فقد تم البدء في إعداد تفاصيل الميزانية للعام المقبل مع الجهات وفقاً للسقوف المعتمدة من بداية السنة المالية الحالية، مؤكدًا التزام الأجهزة الحكومية بتقديم خطط الصرف والالتزامات بشكل شهري للوزارة لتحسين تقارير أداء الميزانية وتعزيز مستوى الشفافية والمراقبة المالية. وتعمل الوزارة، وفق الجدعان، على تحسين تقارير أداء الميزانية من خلال منصة موحدة للبيانات المالية يتم التفاعل معها بشكل مباشر في أي وقت للوصول إلى اتخاذ القرارات المناسبة في عملية تخطيط وتنفيذ الميزانية، والكشف المبكر لأي انحراف في التنفيذ.

 وستعلن الوزارة، وفق الجدعان، خلال أيام، عن التقرير الربعي للميزانية العامة للدولة لتغطي نتائج الربع الأول لهذا العام، تأكيداً للشفافية والإفصاح المالي، بجانب إعدادها آلية لتسديد مستحقات القطاع الخاص بحيث لا تتجاوز 60 يومًا من وصول أوامر الدفع للوزارة مستكملة الإجراءات من الجهة المستفيدة، وتم تفعيل ذلك، والالتزام به منذ بداية هذا العام، مؤكدًا أن أكثر من 90 في المائة من المدفوعات تتم الآن في غضون 30 يومًا. وعلى صعيد الاقتصاد العالمي، قال الجدعان: «يشهد تحسنًا ملحوظًا نتيجة استمرار تعافي النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة، مع توقعات صندوق النقد الدولي بزيادة النمو العالمي من 1.3 في المائة عام 2016 إلى 5.3 في المائة عام 2017 ،بخاصة في ظل توقع استمرار تعافي أداء الاقتصاد الأميركي مدفوعاً بالسياسات المالية الميسرة وتعافي سوق العمل». ووفق الجدعان، فإن هذا النمو، يدعم تحسن أداء الاقتصادات الناشئة والنامية بسبب تعافي أسعار السلع الأولية، علاوة على قيام الصين بتبني سياسات اقتصادية توسعية للحد من تباطؤ النشاط الاقتصادي، وفق برامج التحول الاقتصادي التي تبنتها الحكومة الصينية. 

ومع ذلك، استدرك الجدعان بأنه لا تزال هناك تحديات تحيط بآفاق النمو العالمي، بما في ذلك الآثار المترتبة في حال تم اتباع سياسات حمائية تزيد من القيود على التبادل التجاري، فضلاً عن الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عن التقلبات في حركة رؤوس الأموال الأجنبية، مشيرًا إلى أن هناك أيضاً عددًا من المخاطر الأخرى غير الاقتصادية مثل التطورات الجيوسياسية. إلى ذلك، أوضح يعرب الثنيان، وكيل وزارة المالية السعودية للتواصل والإعلام، أن مؤتمر «يوروموني السعودية 2017 » أصبح منصة اقتصادية وفرصة دولية لمناقشة أبعاد «رؤية السعودية 2030 » في جوانبها التنموية كافة، وأهدافها ومبادراتها. وأجمع عدد من المسؤولين والمشاركين أمس في «يوروموني السعودية»، على أن «رؤية المملكة 2030» تحرر الاقتصاد السعودي من معادلة النفط.