«إيلاف» من دبي: "تساهم بطالة الشباب المنتشرة على نطاق واسع في إضعاف المجتمعات، وتعزيز الاضطرابات، وإبطاء مسيرة التنمية الاقتصادية الضرورية لإيجاد دورات تنموية فاعلة من شأنها مساعدة الناس على بناء حياة كريمة. وعلى الرغم من وفرة الأحاديث عن دور البطالة في نشر التطرف والانحلال الاجتماعي، تشير الوقائع إلى أن أغلب العاطلين عن العمل ليسوا ممن يحملون السلاح باسم "الجهاد" أو ينخرطون في الأعمال الإجرامية، وإنما يكافحون لكسب معيشتهم، أو يسعون إلى تنمية مواهبهم في أماكن أخرى، أو يعيشون حياة بسيطة وبائسة تذهب فيها إمكاناتهم أدراج الرياح."

أول في البطالة
هكذا يقول أفشين مولافي، الزميل الأول في معهد الشؤون الخارجية بجامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية، متكلمًا عن آفاق الشباب في البلدان العربية بعد ستة أعوام من تحولات الربيع العربي. 
يضيف: "طرأ كثير من التغييرات الجذرية على الشرق الأوسط منذ انطلاق الربيع العربي، حيث شهدت سقوط أنظمة استبدادية، واندلاع حرب أهلية في سوريا، وبروز تنظيم داعش الإرهابي ليفاقم مستويات البؤس والشقاء في العراق وسوريا، فضلًا عن ظهور تحديات أمام الأنظمة السياسية التقليدية في تونس والقاهرة والمنامة. وساعد الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي على توثيق هذه اللحظات التاريخية في مسيرة التحول التي تعيشها المنطقة".
وبحسب مولافي، إذا نظرنا إلى التحديات التي تواجهها المنطقة بشكل عام، تبقى مشكلة البطالة قائمة من دون أي حل يذكر، حيث يحتل العالم العربي المرتبة الأولى عالميًا في نسبة البطالة بين الشباب. وتفاقمت هذه المشكلة منذ اندلاع الثورات العربية، حيث أظهرت إحصائيات البنك الدولي ارتفاع نسبة البطالة حاليًا. ويجري ذلك كله وسط عالم ناشئ التوسع الحضري السريع، والاتصال والتواصل الفعلي والتكنولوجي المتطور بوتيرة متسارعة، ونمو الطبقات الوسطى. وعليه، بات الشباب يربطون العالم - من تشيلي إلى الصين ومن السعودية إلى جنوب أفريقيا - بطرائق لم يكن أحد أن يتصورها قبل عقد من الزمن فحسب. والأهم من ذلك كله، يشهد العالم اليوم ثورة طموح يطالب من خلالها الشباب بعيش حياة أفضل من حياة ذويهم، ويرسمون طموحات لم يكن لأجدادهم حتى أن يتخيلوها.

بين التفاؤل والتشاؤم
كان مولافي يعلق على نتائج استطلاع أصداء بيرسون – مارستيلر لرأي الشباب العربي 2017، الذي بين أن انقسام الشباب العربي جغرافيًا في نظرتهم إلى المستقبل بين تفاؤل وتشاؤم تحدده المنطقة التي يعيشون فيها. فالشباب العربي يطالبون بلدانهم بالمزيد من الاهتمام، ويشعر العديد منهم بأنهم لا يشكلون أولوية في سياسات حكوماتهم، وبأن البطالة والتطرف، من أكبر العقبات التي تعيق مسيرة التقدم في منطقة الشرق الأوسط. وتعتقد أغلبية الشباب العربي بأن نظام التعليم الحالي لا يؤهلهم لشغل وظائف المستقبل.
ويوفر استطلاع أصداء بيرسون- مارستيلر السنوي التاسع لرأي الشباب العربي رؤى فريدة حول مواقف وتطلعات الشريحة السكانية الأكبر في هذه المنطقة.
ويظن 81 في المئة من شباب الوطن العربي أن على حكوماتهم القيام بالمزيد لتلبية احتياجاتهم بشكل أفضل. ويعتقد 57 في المئة من هؤلاء الشباب بأن حكوماتهم تضع السياسات المناسبة لاحتياجاتهم، إلا أنهم في بلدان شرق المتوسط واليمن يعتقدون بأن حكوماتهم لا تنتهج السياسات الصحيحة لمعالجة قضاياهم الأساسية. وواحد من كل 3 شبان عرب يرغبون بالعيش في الامارات، بزيادة كبيرة عن العام الماضي، مع تراجع كبير في الرغبة بالعيش في الولايات المتحدة. 

بطالة الشباب مشكلة كبرى في العالم العربي



يريدون فرصًا
يرى مولافي أن بطالة الشباب مشكلة كبرى في العالم العربي، "فمن ناحية، فتح العالم الجديد وتطور التكنولوجيا آفاقًا جديدة من الفرص، ومن ناحية أخرى حال ضعف القطاعات العامة وتباطؤ نمو الوظائف في العالم العربي دون الاستفادة من شريحة الشباب المثقفين والمتحمسين والمتمرسين بتقنيات التواصل لاغتنام هذه الفرص، بل وجعل منها عبئًا إضافيًا".
يقول: "تساهم بطالة الشباب المنتشرة على نطاق واسع في إضعاف المجتمعات، وتعزيز الاضطرابات، وإبطاء مسيرة التنمية الاقتصادية الضرورية لإيجاد دورات تنموية فاعلة من شأنها مساعدة الناس على بناء حياة كريمة. وعلى الرغم من كثرة الأحاديث عن دور البطالة في نشر التطرف والانحلال الاجتماعي، تشير الوقائع إلى أن أغلب العاطلين من العمل ليسوا ممن يحملون السلاح باسم الجهاد أو ينخرطون في الأعمال الإجرامية، وإنما يكافحون لكسب معيشتهم، أو يسعون إلى تنمية مواهبهم في أماكن أخرى، أو يعيشون حياة بسيطة وبائسة تذهب فيها إمكاناتهم أدراج الرياح."
باختصار، يرى مولافي أن بطالة الشباب تمثل أبرز المسائل الملحة في السياسة العامة للقادة العرب، ويعكس الإخفاق المستمر في إحداث تأثير حقيقي في مسألة بهذه الأهمية ضعف الطبقة السياسية العربية التي عجزت عن إدراك حجم هذه المشكلة على مر السنين.
يضيف: "لا يفتقر العالم العربي إلى الكفاءات والمواهب، بل على العكس، إلى الشغف والحماسة، وينبغي أن تشكل هذه المسألة هاجسًا أساسيًا عند صناع القرار في العالم العربي في الأجيال القادمة."

نجاح ملموس
بالنسبة إليه، هذه نتيجة متوقعة لمشكلة كانت الشغل الشاغل للشباب العرب على مدى السنوات العشرين الماضية، "فلو جلست في أحد مقاهي دول شمال أفريقيا، أو جامعات دول شرق المتوسط، أو بحثت وراء عناوين التحديث الاقتصادي في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، لشهدت حتمًا حجم المخاوف الشائعة بشأن بطالة الشباب".
ثمة حالات استثنائية، فقد حققت الإمارات وقطر نجاحًا ملموسًا في توظيف الشباب، "والمسألة لا تتعلق بثروة النفط والغاز أو قلة عدد السكان، فمن قراءة مؤشرات القدرة التنافسية الرئيسية - بدءًا من تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن مجموعة البنك الدولي ومؤشر التنافسية إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، وصولًا إلى مؤشرات الابتكار والاستثمار والشفافية، توضح هذه التقارير أن دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما الإمارات، تتفوق على سائر دول المنطقة في إيجاد البيئة التنظيمية الملائمة للفرص".
تتمثل أقصى طموحات الشباب في الدول العربية والعالم عمومًا بمجرد الحصول على فرصة عمل بشكل عادل يُتيح تكافؤ الفرص للجميع، فهم لا يبحثون عن المحسوبيات للمضي في مسيرتهم المهنية، وإنما ينشدون بيئة خالية من هذه الاعتبارات تتم فيها مكافأة العمل الجاد والابتكار والمؤهلات وفق قواعد نزيهة؛ الأمر الذي يفسر ريادة الإمارات كأفضل وجهة للعيش والعمل في العالم بالنسبة إلى الشباب العرب، إذ يعتبرونها المكان الأمثل لفرص العمل المتميزة.

جيل بلا وظائف
يقول مولافي: "يشكل ما سبق السبب الرئيس الذي يدفع شباب دول شمال أفريقيا للهجرة إلى أوروبا على الرغم مما تشهده من تباطؤ في النمو الاقتصادي. وعلى غرار ذلك، يبحث الشباب العربي من مختلف الاختصاصات عن وظائف في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من الشركات الاستشارية والصناعية والفنادق والبنوك والجامعات الرائدة في العالم يواصل تعزيز حضوره في المنطقة، بدءًا من دبي والدوحة وانتهاء بمسقط والمنامة".
ويعزو مولافي المشكلات الراهنة المرتبطة بالبطالة ونقص العمالة إلى ما شهده العالم العربي خلال العقود الستة الماضية من تعزيز فرص الوصول إلى التعليم، وتحســن قطاع الصحة العامــة، وتنامي الفرص المتاحة للمرأة، ما أدى إلى إنتاج جيل متعلم من دون وظائف.
وبحسبه، يرى 80 في المئة من الشباب العربي في دول مجلس التعاون الخليجي أن أنظمة التعليم في بلدانهم نجحت في مهمة تحضيرهم، لكن عليهم ألا يبالغوا في تفاؤلهم. ففي ضوء التحولات الكبيرة التي أحدثتها الثورة الصناعية الرابعة على أسلوب حياتنا وإنتاجنا واستهلاكنا وتواصلنا، قليلة هي جامعات العالم المؤهلة لإعداد الشباب لشغل وظائف المستقبل، فما بالك بجامعات المنطقة. فنصل هنا إلى نقطٍة نهائية لا تدعو للتفاؤل، إذ كثيرًا ما كان قطاع الصناعة والتصنيع هو السبيل الأمثل لإيجاد أكبر عدٍد من الوظائف، "الأمر الذي ينعكس في نجاح الدول الأربع الملقبة بنمور شرق آسيا في الارتقاء بقطاع الصناعة وإيجاد المزيد من فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية. لكن تنامي تقنيات الأتمتة ينذر بأن المرحلة التالية التي سيشهدها القطاع الصناعي ستحمل عددًا أقل من فرص العمل المرتبطة بالتصنيع".