الاستيراد الصيني النفطي كبير، فبكين تخزن النفط، لأنها تريد خلق مخزون استراتيجي ضخم لتفادي الصدمات الاقتصادية غير المتوقعة، ولحماية ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

إيلاف من لندن: وصلت إلى ميناء نينغبو الصيني في أوائل أغسطس ناقلة النفط الضخمة تي-آي يوروب لتفرغ حمولتها التي تزيد على 3 ملايين برميل من النفط العربي، وهي أكبر ناقلة في العالم يتم استخدامها بعد سنوات من الخمول لتغذية النهم الصيني للنفط في عام 2017. 

يشار إلى أن ميناء نينغبو وتشوشان في الصين هو الأكثر ازدحامًا في العالم من حيث حجم التجارة الدولية والبضائع المستوردة والمصدرة منه، وثاني أكبر ميناء في العالم، يتكون من موانئ هيل بيلون وتشنهاي وميناء نينغبو القديم، وتصل إليه شحنات وسفن ضخمة من أكثر من 90 بلدًا في العالم. وبحسب إحصائيات في عام 2012، وصل حجم البضائع الواردة إلى نحو 744 مليون طن.

حاولت "فايننشال تايمز" البريطانية اكتشاف دواعي رغبة الصين المفاجئة في استئجار هذه الناقلة العملاقة التي تجوب البحار للمرة الأولى منذ 2014، أو مرحلة بدء التخمة التي أدّت إلى تهاوي الأسعار من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 50 دولارًا. وما لا يمكن تجاهله هو أن الطلب الصيني ساعد على إنقاذ الأسعار من أقل من 30 دولارًا للبرميل في بداية عام 2016 إلى 50 دولارًا الآن.

الصيني يقارب الأميركي
ليس الاستيراد الصيني الكبير لتغذية شبكات مصافي التكرير التي تزداد وتتسع على قدم وساق فحسب، بل أيضًا للتخزين، وهذا ما يقلق مراقبي تحركات أسعار النفط. فالصين تريد خلق مخزون استراتيجي ضخم لتفادي الصدمات غير المتوقعة، ولحماية ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولهذا سينمو المخزون الاستراتيجي الصيني في المستقبل المنظور.

يخشى المحللون أن يؤدي توقف الصين عن شراء النفط لبناء المخزونات إلى إطلاق مئات الآلاف من براميل النفط في سوق غير قادرة ومستعدة لاستيعاب الكميات المضافة، ما سيؤجّج التخمة ويعوق عودة التوازن إلى السوق.

في هذا الوقت، تحتاج الأسواق الطلب الصيني، وتأمل أن تواصل الصين الشراء كي تستمر عجلة الإنتاج النفطي في النشاط. 
وتستورد الصين الآن مليون برميل نفط إضافي فوق معدلات عام 2016. وصعد الاستهلاك النفطي في الصين أربعة أضعاف منذ عام 1990 ليصل إلى 12.4 مليون برميل يوميًا، وتستورد الصين 8 ملايين برميل يوميًا، وهذا يقارب استيراد الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط وأكبر مستهلك في العالم.

لا معلومات
باشرت الصين بناء احتياط نفطي استراتيجي قبل 10 سنوات كمشروع احترازي لإشباع عطشها للنفط، كي تزود القطاع الصناعي بحاجته من الطاقة. ومعروف أن الولايات المتحدة بدأت بناء الاحتياط الاستراتيجي منذ سبعينيات القرن الماضي، أو منذ ما يسمى أزمة النفط عندما أوقفت الدول العربية المنتجة للنفط التصدير إلى الولايات المتحدة بسبب حرب أكتوبر 1973. وتخزن الولايات المتحدة 680 إلى 700 مليون برميل في كهوف الأملاح العملاقة على سواحل خليج المكسيك.

لكن يبقى المخزون الصيني تحت غطاء السرية، ولا نقرأ بيانات منتظمة عن ازدياد المخزونات الصينية أو تراجعها كما تفعل إدارة معلومات الطاقة الأميركية التي تصدر نشرات وإحصائيات أسبوعية وشهرية. فمعهد البترول الأميركي يصدر تقارير أسبوعية عن مخزونات النفط الخام ومخزونات المنتوجات المكررة، ولا تصدر تقارير مشابهة في الصين.

لهذا، يعاني المراقبون الإحباط، ويجد المتعاملون صعوبةً في قياس الإمدادات والمخزونات في مقابل الاستيراد والاستهلاك الصيني. وهذه الضبابية الصينية مقصودة. وهناك تكهنات أن الحكومة الصينية تبحث في خلق مخزونات نفطية تجارية بالتوازي مع المخزونات الاستراتيجية.

الطلب الصيني مستمر
يمكن تفسير ارتفاع الطلب على النفط المستورد بانخفاض الإنتاج الصيني المحلي، بسبب انخفاض الأسعار، ما يوحي أن من الأفضل أحيانًا أن تستورد النفط بأسعار رخيصة من أن تنتجه بتكلفة باهظة. 

وما ينقص الصين الآن هو قدرة تخزينية إضافية لاستيعاب المزيد من التخزين، وهذا يستغرق وقتًا. ولهذا، من المتوقع أن ينخفض الاستيراد الصيني في الشهور الباقية من عام 2017 بواقع 300 ألف برميل يوميًا، أي ستنخفض الزيادة في الاستيراد من مليون برميل إلى 700 ألف برميل يوميًا.

في العام المقبل، يتنبأ خبراء الغاز والنفط أن يرتفع الاستيراد الصيني بمقدار 100 ألف برميل يوميًا. بحسب هذه المعدلات، يتوقع أن تمتلئ السعة التخزينية بنهاية عام 2018. لكن إذا استمر الاستيراد بمعدلات عام 2017 نفسها، ستتم تعبئة مواقع التخزين بحلول يوليو 2018.

من المستحيل تقدير الاستيراد الصيني في المستقبل بسبب غياب الشفافية، لكن الاعتقاد السائد هو أن الصين ستستورد أكبر كميات ممكنة ما دامت الأسعار منخفضة أي بحدود 50 دولار للبرميل. وحصلت مصافي التكرير المستقلة على رخص للاستيراد لتلبية حاجتها، وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يستمر ارتفاع الطلب اليومي على النفط.

لا شك في أن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" التي تسعى إلى إنعاش الأسعار من خلال تخفيض الانتاج تراقب بحذر وخوف ناقلات النفط العملاقة المتوجهة إلى الصين، وتأمل أن يستمر الاستيراد الصيني لأنه يساعد على إعادة التوازن إلى السوق.