تقول أناء اقتصادية سعودية وعالمية إن المملكة تنوي تحضير خطط احترازية لتأجيل طرح أسهم ارامكو للاكتتاب العام في البورصات الدولية حتى عام 2019، في تأجيل تقني ريثما يتم تذليل بعض العقبات المتعلقة بطرح بهذا الحجم.

نهاد إسماعيل من لندن: تشير مصادر بلومبرغ للمال والأعمال أن السعودية بصدد تحضير خطط احترازية لتأجيل طرح أسهم ارامكو للاكتتاب العام في البورصات الدولية حتى عام 2019، بينما كانت متوقعًا حصول الطرح في النصف الثاني من عام 2018، مع التذكير بانه في أوائل عام 2016، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن نية السعودية طرح جزء من أرامكو للاكتتاب العام أول مرة في تاريخها، في محاولة اعتبرها البعض إعادة هيكلة للاقتصاد السعودي. ووصفها الإعلام الغربي بصفقة القرن.

بحسب الخطة الأصلية

بالنسبة إلى التأجيل، أكدت آرامكو في بيان أخير أن الطرح سيتم بحسب الخطة الأصلية، وأن العمل يسير بحسب تلك الخطة لإكمال كل التجهيزات الإدارية والقانونية اللازمة. لكن هناك قرار مهم جدًا لم يتم اتخاذه: أين ستتطرح الأسهم في البورصات العالمية؟ نيويورك أم لندن اضافة إلى البورصة المحلية؟

تقول مصادر إن القرار لن يتخذ حتى أواخر اكتوبر المقبل حيث سيعقد مؤتمر استثماري كبير في الرياض، وربما سيتم الاعلان عن ذلك خلال المؤتمر.

وستتأثر قيمة أرامكو الافتراضية بأسعار النفط التي لا تزال تتأرجح حول 50 دولارًا للبرميل. وقالت الحكومة السعودية سابقًا إن قيمة آرامكو تصل إلى ترليوني دولار بينما يضع بعض المحللين القيمة أقل من ذلك، مثل بيرنستين للاستشارات وكذلك ريستاد للطاقة. اذا تم تحقيق القيمة المفترضة أي ترليوني دولار، ستجني السعودية 100 مليار دولار مقابل 5 في المئة من أسهم الشركة.

وبات معروفًا أن الرياض عقدت اتفاقًا وتحالفًا بين "اوبك" والمنتجين خارجها لتقييد الانتاج بواقع 1.8 مليون برميل يوميًا لامتصاص الفائض ودعم الأسعار، لكن الأسعار لم تتحرك باتجاه 60 دولار للبرميل مبددة أمال أوبك. وبالنسبة إلى الأسعار، انخفض مزيج برنت القياسي 0.2 في المئة الخميس ليصل إلى 55.03 دولار للبرميل للعقود الآجلة.

اين؟

على الرغم من أن لندن تبدو أكثر حظًا بعد تذليل العقبات الاجرائية والقانونية، فإن ثمة عامل جيوسياسي ربما يلعب دورًا حاسمًا في قرار الاختيار. فزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة للسعودية وازمة الخليج وعوامل جيو-سياسية أخرى مثل حرب اليمن ربما تجعل نيويورك البورصة المفضلة للطرح، وربما بسبب ضغوط ديبلوماسية وحرص المملكة على الحفاظ على علاقات ممتازة مع البيت الأبيض.

تناول الإعلام في الأسابيع الأخيرة الصعوبات التي تواجه الطرح الأولي لأسهم أرامكو ضمن سياق رؤية السعودية 2030، فضخامة حجم الطرح قيّدت الخيارات السعودية في بورصتي نيويورك ولندن، ولكل منهما تعقيداتها القانونية والإجرائية، وما يتبعهما من مشكلات قانونية محتملة، ما سيجعل السعودية تعيد دراسة الفكرة بصورة أكثر دقة لتجاوز التبعات القانونية المحتملة.

نقلت إيكونوميست على موقعها الإلكتروني عن خالد الفالح، رئيس مجلس إدارة أرامكو، قوله إن الإصدار لا يمكن التعامل معه إلا من خلال أسواق الأسهم الأكبر مثل بورصتي نيويورك ولندن نظرًا إلى ضخامة حجمه، ما قد يؤدي إلى مشكلات قانونية محتملة ربما تكون لها عواقب غير محسوبة.

أضاف الفالح: "إدراج أسهم الشركة في نيويورك قد يؤدي إلى دعاوى قانونية تافهة ضد السعودية، وربما يثير الإدراج في بورصة لندن أسئلة خرقاء بشأن إمكانية اطلاع السلطات البريطانية على إيرادات الشركة وأصولها حول العالم، وعلى الرغم من أن ملكية الاحتياطيات دستوريًا تعود إلى المملكة، فإن من شأن وجود امتياز أو نظام مالي ملائم تمكين الشركة من تقديم وعد بدخل ثابت للمساهمين، وأرامكو تدرس تنفيذ استثمارات في الغاز الطبيعي المسال ومشروعات أخرى ذات صلة في الخارج، وتخطط لتأسيس أنشطة محلية في الكيميائيات والكهرباء والطاقة المتجددة".

تسهيلات بريطانية

في أوائل أبريل الماضي، التقت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس التنفيذي لبورصة لندن خافيير روليت بعض الوزراء السعوديين لاقناعهم أن لندن هي المركز الأفضل لاستضافة الطرح القادم لأسهم أرامكو.

قدمت سلطات الرقابة المالية في بريطانيا تسهيلات واستثناءات لتمكين أرامكو من اختيار بورصة لندن لطرح اسهمها، وتم تذليل الكثير من الصعوبات في هذا الاتجاه، ولا سيما أن لندن تريد أن تثبت للعالم انها لا تزال المركز المالي الأول في العالم حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. الخطة البريطانية تقوم على خلق فئة جديدة ضمن الادراج الرفيع المستوى للشركات التي تمتلكها الصناديق السيادية اي أذرع الاستثمار في الدول. وتأمل اسواق المال أن تجني رسومًا مسيلة للعاب من طرح أرامكو.

من أهم قواعد الطرح في بورصة لندن أن يكون الحد الأدنى 25 في المئة من قيمة الشركة من أجل الإدراج في البورصة، فأرامكو تطرح 5 في المئة فقط من أسهمها.

وبحسب تقارير صحفية بريطانية، مارس عدد من المستثمرين الكبار ضغوطًا على سلطة ادراج الأسهم البريطانية لرفض خطة ارامكو بحجة عدم تطابقها مع القواعد والشروط. وحتى لو اخذت الأمور مجراها، لن يتم إدراج أرامكو السعودية في مؤشر فايننشال تايمز للأسهم لأهم 100 شركة بريطانية.

من شروط الطرح في بورصة لندن هي التزام الحوكمة والشفافية والدقة في المعلومات والأرقام والحسابات. ومن المتوقع أن تقوم أرامكو بتزويد المستثمرين وصناديق الاستثمار ببيانات مالية ومعلومات دقيقة تدعم التقديرات أن قيمة آرامكو ترليوني دولار. وربما توافق السلطة المعنية على إدراج أسهم أقل من 25 في المئة في الحد الأدنى، لكن في ظروف غير عادية في تصنيف الفئة الأكثر تشددًا. خلافًا لذلك، تستطيع أرامكو أن تقبل إدراجًا عاديًا.

فئة الأكثر تشددًا

من المستبعد أن تكون أي من هياكل الإدراج الحالية بالبورصة مغرية لأرامكو، لذلك تعكف البورصة على إعداد أنموذج جديد يسمح لها بتجنب قواعد حوكمة الشركات الأكثر صعوبة التي يستلزمها الإدراج الأولي. وهي أوضحت أن معظم الشركات المدرجة حاليًا في بورصة لندن ضمن فئة الأكثر تشددًا من حيث قواعد الإدراج، كي تدخل مؤشر فايننشال تايمز، مبينة أن هذا يقتضي أن تكون نسبة 25 في المئة على الأقل من أسهم الشركات متاحة للتداول الحر.

كما أشارت إلى أن بورصة لندن وسلطة الإدراج في المملكة المتحدة تبحثان فئة جديدة من الإدراج للشركات العالمية الكبرى، والتي ربما تعجز عن تلبية معايير الإدراج في الفئة الأكثر تشددًا، لكنها أكثر ثقلًا وأكثر جاذبية للمستثمرين عن شركات الفئة الأقل صرامة من حيث معايير الحكومة.

من المؤسسات التي عارضت الإدراج هي ستاندرد لايف الاستثمارية الضخمة المعروفة بمعارضتها إدارج حصص صغيرة من قيمة أي شركة كبيرة.

اقترحت ستاندرد لايف الاستثمارية على سلطة إدراج الأسهم البريطانية أن تعدل القواعد لاشتراط نسبة لا تقل عن 25 في المئة في المرحلة الحالية، قبل أن تحصل أرامكو على التأهيل للإدراج رفيع المستوى تحت الشروط المشددة، حيث يسهل ذلك توفير السيولة والحصول على فوائد التوصل إلى مصادر رؤوس المال والفائدة المعنوية من الاستثمار في شركات ذات سيرة حسنة، علمًا أن الحصول على هذه الفوائد مشروط برغبة الشركات في التمسك بأعلى مستويات العمل السلوكي.