ترأس سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، وكريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي، وعبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس الإدارة لصندوق النقد العربي، الثلاثاء، بمراكش، أشغال اليوم الثاني من المؤتمر الإقليمي حول "الازدهار للجميع – تعزيز الوظائف والنمو الشامل في العالم العربي"، الذي يهدف إلى مناقشة السبل الكفيلة بتحقيق نمو قوي وشامل ومندمج في العالم العربي، وتحويل دفة المناقشات بشأن النمو الاحتوائي في العالم العربي من مرحلة الإقرار إلى مرحلة التنفيذ.

إيلاف من الرباط: خصص اليوم الأول من أشغال هذا المؤتمر، الذي يأتي استكمالًا للعمل الذي بدأه المؤتمر المنعقد في عمّان عام 2014 بعنوان "بناء المستقبل: الوظائف والنمو والعدالة في العالم العربي"، لمختبرات الابتكار التي هدفت إلى التعرف إلى تجارب الأطراف المعنية في ما يتعلق بمعوقات النمو والاحتوائية، واستثارة الأفكار بشأن الحلول الممكنة وقضايا السياسات التي طرحت للنقاش خلال الجلسات العامة، في اليوم الثاني، من خلال موضوعات تتعلق بـ "خلق وظائف للملايين في العالم العربي" و"تعزيز الاحتوائية وزيادة الفرص في العالم العربي" و"دور الحكومة كداعم لتحقيق النمو الاحتوائي"، علاوة على "حديث حول تمكين المرأة العربية"، مع حلقة نقاش ختامية حول "المسؤولية المشتركة تجاه النمو الاحتوائي".

جانب من أشغال مؤتمر "الازدهار للجميع" بمراكش

وقال العثماني إن السنوات الأخيرة تميّزت بتسارع التحولات التي عرفها الاقتصاد العالمي، والتي تجسدت، في البحث عن روافد بديلة للنمو والتنافسية، كما أسفرت عن تنامي مطالب استعمال أمثل للثروات المادية والبشرية، مع تبني مقاربات جديدة للحد من الفوارق المجالية والاجتماعية التي تشكل إحدى أهم التحديات التي تواجهها معظم الدول العربية لما لها من تأثير على تحقيق الاستقرار والتماسك الاجتماعيين.

إضافة إلى هذه التغيرات العالمية، يضيف العثماني: "تواجه بلدان العالم العربي في الوقت الراهن، وبشكل متفاوت تحديات كبرى، من أبرزها إشكالية الانتقال الديموغرافي، مع ما يصاحبها من تغيير في بنية الساكنة وبروز انتظارات جديدة وحاجيات اجتماعية، خاصة لدى الشباب والنساء، وهذا يحتم علينا وضع سياسات اجتماعية واقتصادية ترقى إلى مستوى هذه التطلعات، وعلى رأسها الرفع من جودة التعليم والخدمات الصحية والتغطية الاجتماعية، وكذا توفير فرص العمل اللائق بشكل كاف".

ورأى العثماني أن "إشكالية تشغيل الشباب تبقى مرشحة للتفاقم في السنوات المقبلة، على مستوى بلدان المنطقة"، وأن "الفوارق الاجتماعية والمجالية والنوعية تشكل فيها عائًقا أمام النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي".

واعتبر أن المنجزات المحققة على مستوى تحسين المستوى المعيشي للسكان، من قبيل الحد نسبيًا من الفقر وتحسين الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، تبقى دون مستوى الطموحات والأهداف المسطرة، حيث برامج التغطية الاجتماعية لا تغطي أكثر من 40 في المائة من السكان، كما إن مستويات الفوارق على مستوى النوع وبين المجال الحضري والقروي لا تزال غير مرضية، من جهة أخرى، مشددًا على أن تقليص الفوارق ودمج الفئات الهشة في مسلسل التنمية يبقى أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق نمو اقتصادي أكثر دينامية وشمولية، ومن ثم تحسين ظروف عيش السكان وتعزيز الاستقرار والتماسك الاجتماعيين.

تطرق العثماني إلى الوضع في المغرب، فتحدث عن الإصلاحات المتعددة والهيكلية التي قامت بها الحكومة لمواجهة التحديات المطروحة، عبر إرساء أسس نمو اقتصادي قوي قوامه ترسيخ البناء الديمقراطي ومواصلة سياسة الانفتاح وتشجيع المبادرة الخاصة، والاستثمار العمومي في البنى التحتية وتأمين الخدمات الاجتماعية الأساسية، غير أنه استدرك، بالقول: "إن إشكالية التشغيل لا يمكن التغلب عليها بدون مساهمة وازنة للقطاع الخاص في إنتاج الثروات وخلق فرص العمل. من هنا، فإننا نسعى إلى خلف مناخ تنافسي وملائم لممارسة الأعمال وتشجيع الاستثمار وتحسين ظروف عمل المقاولة من خلال تحسين شروط التمويل، خاصة بالنسبة إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة، وكذا عبر تطوير البنية التحتية المادية والتقنية واللوجستيكية، والاهتمام بإصلاح الإدارة العمومية عبر تبسيط المساطر وتعميم رقمنتها".

وشدد العثماني على أن "نجاح سياسة التشغيل يبقى رهينًا بالتدبير المحكم للتوازنات الماكرو اقتصادية وملاءمة منظومة التربية والتكوين مع حاجيات سوق العمل وتحسين البرامج النشيطة للتشغيل، وتعزيز دور الجماعات الترابية".

ختم العثماني بالإشارة إلى أن "التوزيع العادل للثروة يتواجد في صلب الأولويات التي حددها البرنامج الحكومي، وذلك من خلال مواصلة وتقوية الاستثمار في ميادين الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية، وكذا توسيع برامج الحماية الاجتماعية المبنية على دعم الفئات المعوزة والتصدي للفساد وتعزيز الشفافية واعتماد الحكامة الجيدة في دبير البرامج الاجتماعية".

من جهتها، استعرضت لاغارد جملة من الأرقام والمعطيات المتعلقة بواقع المنطقة، خصوصًا في ما يتعلق بالبطالة ونسب تشغيل الشباب، فقالت إن نسبة البطالة تناهز 25 في المائة، فيما يحتاج 60 في المائة من المواطنين واسطة للحصول على عمل، معتبرة أن ذلك يشكل مصدر قلق وينزع الثقة بين الشعوب.

أضافت لاغارد متحدثة عن ملاحظة نوع من عدم الرضى الذي يتزايد في عدد من بلدان المنطقة، قبل أن تستدرك، قائلة إنها ليست رسول شؤم، غير أن هناك معطيات تحتاج إبرازها.

ورأت لاغارد أن النمو الاقتصادي العالمي يمثل نقطة ضوء يعطي أملًا، بحيث تشكل خبرًا جيدًا للمنطقة، قبل أن تعود للحديث عن الأرقام التي تم تسجيلها على مستوى نموها، والتي تبقى متدنية مقارنة بمناطق أخرى عبر العالم، مرجعة ذلك إلى النزاعات والتغيرات المناخية وارتفاع أسعار المنتوجات الغذائية وتراجع أسعار النفط.

ورأت أن هناك حاجة إلى مضاعفة جهود النمو الاقتصادي، مشيرة إلى أن التكنولوجيا يمكن أن تزيد منه، فضلًا عن تحسين مناخ الأعمال، مع قطاع خاص دينامي وخالق لفرص العمل، مع حكامة رشيدة ومزيد من الاستثمار الخارجي.

من جهته، اعتبر عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، أن البطالة تبقى التحدي الأهم والأصعب على صعيد المنطقة العربية، التي تحتاج مزيدًا من فرص العمل خلال السنوات المقبلة للمحافظة على المستويات الحالية للتشغيل؛ معددًا ثلاثة محاور لمواجهة هذه الإشكالية، أولها التنويع الاقتصادي، وثانيها العمل على خلق بنية حاضنة للابتكار والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وثالثها تعزيز فرص الوصول إلى التمويل والخدمات المالية المناسبة؛ منتهيًا إلى أن هناك فرصًا للنمو في المنطقة، تتطلب تشجيع الابتكار بين الشباب ودعم المبادرات وتوظيف التقنيات الحديثة.

إثر ذلك، أعطيت الكلمة إلى يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، فألقى عرضًا افتتاحيًا، تحدث فيه عن الوضع الذي تعيشه بلاده، مستعرضًا التحولات التي عاشتها منذ الثورة، مع مقارنتها بما قبلها، مؤكدًا عدم كفاية النجاحات المحققة، اليوم، والتي تبقى في غالبيتها ذات طابع سياسي على علاقة بمسلسل الانتقال الديموقراطي، وهي أشياء كانت لها كلفتها على الصعيد الاقتصادي، حسب قوله؛ قبل أن يستعرض بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومته، متوقفًا، بشكل خاص، عند قانون الاستثمار الجديد الذي أريد منه تحسين مناخ الأعمال؛ قبل أن يشدد، في ختام مداخلته، على أن حكومته عازمة على إنجاح التجربة التونسية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بشكل متوازن، وذلك بدعم من شركاء تونس وأصدقائها.

&