«إيلاف» من لندن: بدأت الأزمة عندما اعترضت بحرية تركية سبيل سفينة تابعة لشركة "إيني" الإيطالية أثناء توجهها للتنقيب عن الغاز في المياه القبرصية، بحجة وجود نشاطات عسكرية في المنطقة المقصودة.

وتقول تركيا أن أعمال التنقيب القبرصية في الحقل الثالث للغاز تنتهك حقوق القبارصة الأتراك في جزيرة قبرص المتوسطية. وكخلفية تاريخية الجزيرة منقسمة إلى شطرين منذ عام 1974، الأول هو جمهورية قبرص الشمالية التي لا تعترف بها سوى أنقرة، والثاني جمهورية قبرص المعترف بها عالميا والعضو في الاتحاد الأوروبي، وجاء تقسيم الجزيرة بعدما استولت القوات التركية على الجزء الشمالي منها، ردا على ما تقول إنها محاولة القبارصة اليونانيين الانقلاب على الحكومة وإلحاق الجزيرة باليونان.

بعد ذلك هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاسبوع الماضي باحتمالية التدخل العسكري في قبرص، وفي بحر إيجة لحماية ما سماه "حقوق بلاده في المنطقة"، وفقا لتصريحات نقلتها مواقع اخبارية.

وأضاف أردوغان: "سُفننا الحربية وقواتنا الجوية تتابع الوضع عن كثب للقيام بأي نوع من التدخل.. وننصح الشركات الأجنبية، التي تقوم بفعاليات التنقيب قبالة سواحل قبرص، ألا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها".

يرى محللون اوروبيون ان البحار المتاخمة لجزيرة قبرص باتت جبهة مواجهة جديدة بين اعضاء الناتو تركيا وقبرص وبطريقة غير مباشرة اليونان. 

أزمة مصرية - تركية

ووجدت مصر نفسها مضطرة للتدخل وربما لاسباب سياسية تتعلق بالدعم التركي لحركة الاخوان المسلمين لذا وضعت مصر ثقلها الى الجانب القبرصي. ودافع سامح شكري وزير الخارجية المصري عن حقوق قبرص في الغاز وحقها في الاكتشاف والتنقيب والانتاج مشيرا الى الاتفاقية البحرية المتعلقة بالحصص البحرية والتي وقعت عام 2003. وتعتبر مصر أي اعتداء على قبرص هو اعتداء عليها. في عام 2003 وقعت القاهرة ونيقوسيا اتفاق شرق البحر الأبيض المتوسط لاستغلال الغاز ولكن تركيا ترفض ذلك الاتفاق لأنه يحرم الجزء التركي من قبرص حصته من الغاز في المياه المحيطة بالجزيرة. ولا تخفي مصر طموحها بتوسيع رقعة انتاج الغاز الطبيعي من البحر خاصة بعد النجاحات المتعلقة بحقل "ظهر" وحقل آخر تعمل بي بي البريطانية على تطويره. وتخطط مصر ان تبدأ بتصدير الغاز عام 2020. ومن الجدير بالذكر أن حقل "ظهر" المصري للغاز الطبيعي يقع على بعد 150 كيلو مترا تقريبا من شواطئ مصر، واكتشفته شركة إيني الإيطالية فى العام 2015، ودخلت المرحلة الأولى منه على الإنتاج قبل أيام ويبلغ احتياطي الحقل أكثر من ثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز.

العلاقات المصرية التركية تدهورت بعد ان أطاح عبدالفتاح السيسي بالرئيس محمود مرسي عام 2013. 

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية شبه الرسمية عن أردوغان قوله: "نحذّر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة وقبرص، ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية" بإشارة إلى الأحداث في سوريا، وتوجه بالنصيحة إلى الشركات الأجنبية التي تقوم بعمليات التنقيب قبالة قبرص بـأن لا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها من خلال ثقتها بالجانب القبرصي الرومي" بإشارة إلى الشطر اليوناني من الجزيرة.

كما ان دخول اسرائيل الى الحلبة سيزيد الأمر تعقيدا وكانت تركيا واسرائيل اتفقتا في السنوات الأخيرة على بناء خطوط انابيب للغاز من البحر المتوسط لأوروبا عبر تركيا ولكن العلاقات الديبلوماسية بين اسرائيل وتركيا ليست على ما يرام الآن. ولذا تدرس اسرائيل امكانيات التحالف مع مصر بهذا الشأن. وقبرص لها اهمية خاصة كعضو في حلف الأطلسي وتعتبر البوابة لأوروبا. 

الشركات الدولية

وتقدر «جيولوجيكال سيرفي» الأمريكية أن منطقة شرق البحر المتوسط من قبرص إلى مصر ولبنان قد تحتوي على ما يزيد عن 340 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وهي كميات يمكن أن تتجاوز الاحتياطات الأميركية المؤكدة.

ومن جهتها أعلنت شركة أيني الايطالية عن العثور على الغاز في مناطق بحرية قريبة من جزيرة قبرص وتقوم بحفر تجريبي في حقل "كاليبسو" في بلوك 6 من المنطقة المتفق عليها. وعينات من هذا الحقل تؤكد ان نوعية الغاز هي امتداد لغاز حقل "ظهر" الذي اكتشفته شركة ايني عام 2015 في مياه مصر الاقليمية. ويحتوي حقل ظهر على اكثر من 30 تريليون قدم مكعب من الغاز. ومواصفاته قريبة من كاليبسو القبرصي بسبب قربه الجغرافي والجيولوجي. 

وصرح وزير الطاقة القبرصي جيورجوس لاخوتربيس ان اكتشاف ايني مهم. وحسب صحيفة "سايبروس ميل" القبرصية تشير التقديرات لوجود ما بين 170 و 230 مليار مترمكعب من الغاز الطبيعي في كاليبسو اي ما يعادل 6 الى 8 ترليون قدم مكعب مقارنة مع حقل أفرودايت الذي اكتشف عام 2011 والذي يحتوي على 4.5 ترليون قدم مكعب.

وتشارك أيني مع شركة توتال في بلوك 11 ومع شركة كورية جنوبية "كوغاز" في بلوكات 2 و 3 و 9. كما تخطط شركة اكسون موبيل الأميركية لحفر تجريبي في بلوك 10 (ديلفينوس).

والعقبة الكبرى أمام تطوير الغاز القبرصي هي موقف تركيا الرافض لحق قبرص في الاستغلال الأحادي لمصادر الثروة التابعة للجزيرة القبرصية. 

وكان اكتشاف الحقل المصري العملاق "ظهر" هو المحفز الأكبر للأطراف في السباق من اجل الاكتشاف. بينما تقول تركيا ان استغلال مصادر الثروة في الجزيرة القبرصية يجب أن يتم فقط بعد اتفاق شامل بين الاطراف لتقاسم الثروة.

ومن ناحيته يعتقد مركز "غلوبال للأبحاث الأميركي" أن حرب اقليمية حول مصادر المواد الهيدروكربونية قد تكون بداية المواجهة بين لبنان واسرائيل حول ترسيم الحدود بدقة في المنطقة  الاقتصادية البحرية بين البلدين. وهذا النزاع قد يشمل حزب الله واسرائيل وروسيا وربما سوريا وايران. وتقول غلوبال أن الصورة الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط شهدت تغيرا كبيرا عام 2010 عندما اكتشفت شركة "نوبل أينيرجي للطاقة" الأميركية حقل "ليفياثان" العملاق في مياه البحر الخاضعة لسيطرة اسرائيل والذي من المتوقع ان يبدأ بضخ الغاز خلال عام 2019.

كما أكدّت "نوبل اينيرجي" تواجد احتياطات في حقل "أفرودايت" في مياه البحر القريبة من جزيرة قبرص وليست بعيدة عن حقل الليفياثان.

ثروات لبنان الهيدركربونية والتهديد الاسرائيلي

 عانت لبنان حالة من الشلل السياسي الداخلي لعقود من الزمن وايضا بسبب الحرب في سوريا وهذا منعها من اي نشاط اكتشافي للغاز الطبيعي والنفط في البحر الابيض المتوسط قبالة الساحل اللبناني. وهذا بدوره كان له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد اللبناني. ولكن التوترات بين لبنان واسرائيل لا تزال تتصاعد.

وفي 9 فبراير الحالي تم التوقيع في بيروت على اتفاق يشمل 3 شركات وهي توتال الفرنسية وايني الايطالية ونوفاتيك الروسية للبحث عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية اللبنانية. وانتقدت اسرائيل هذا الاتفاق واعتبرته استفزازيا بسبب عدم وجود اتفاقيات حدود رسمية ودقيقة بينهما.

 وتعهد وزير الطاقة اللبناني، سيزار أبي خليل، الجمعة الماضي، بأن يكون هناك تنقيب كامل في منطقة الامتياز البحرية رقم 9، التي يقع جزء منها في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، في حين أعلنت شركة توتال الفرنسية أنها ستحفر أول بئر بامتياز 4 في لبنان عام 9201.

كما هدد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بتعطيل العمل بمحطات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط في حال اتخذ مجلس الدفاع الأعلى قرارا بذلك، مشيرا إلى أن المنطقة بأسرها "دخلت معركة النفط والغاز".

وحذرت اسرائيل الشركات العالمية من عدم الاقتراب من تلك المناطق. وتشير مصادر اوروبية الى تهديدات حزب الله لمنشآت الغاز الاسرائيلية الواقعة في البحر والمشكلة انه حتى الآن لم يتم تسوية الحدود بين اسرائيل ولبنان. ويبقى حقل تامار التابع لاسرائيل الذي يتم تطويره الآن مهددا من قبل حزب الله. 

لبنان تعاني من انقطاع الكهرباء منذ الحرب الأهلية عام 1975 واستيراد الوقود يكلف الخزينة اللبنانية 2.5 مليار دولار سنويا وهذا عبء ثقيل جدا لبلد يرزح تحت أعباء ديون ثقيلة تبلغ نسبتها 145% من اجمالي الانتاج الوطني ولكن الحرب في سوريا والتجاذبات السياسة الداخلية منعت لبنان من استغلال الثروات الدفينة في اعماق البحار.

وقد قامت شركة سبيكتروم البريطانية بمسح جيوفيزيائي في حوض المتوسط في السنوات ألأخيرة، بما في ذلك مسح سيزموغرافي ذي ثلاثة ابعاد وتقدر الشركة ان مياه لبنان تحتوي على 25 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستغلال تجاريا وهذا سيغير الاقتصاد اللبناني كليا.

واشتعال أي مواجهات عسكرية قد تعطل مشاريع الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط لسنوات. كما أن أي حرب ستهدد خطوط انابيب النفط والغاز لميناء جيهان التركي وأي مواجهة بين قبرص وتركيا قد تشمل اليونان وتهدد خطوط النفط عبر البوسفور وقد يؤثر ذلك على ما لايقل عن 2.5 مليون برميل من النفط يوميا.

تشير الدراسات الجيولوجية أن شرق البحر الابيض المتوسط غني بالثروات الطبيعية التي ستنعش اقتصادات دول المنطقة.