لندن: تميز الشهران الأولان من عام 2018 بتوجه جديد في الأسئلة التي تُطرح على المستثمرين، خصوصًا بعد الهزات التي تعرضت لها أسواق المال. تشمل هذه الأسئلة الانتقال إلى أجواء استثمارية جديدة توضع فيها مردودات السندات ومعدلات التضخم وتقلبات السوق على مستويات أعلى منها في عام 2017، وعما إذا حان الوقت للابتعاد عن أسهم النمو لصالح القيمة الحقيقية، وإخراج المال من ربقة الأوراق المالية، والتوجه بدلًا منها إلى أرصدة ملموسة يمكن اقتناؤها مثل الأعمال الفنية والأحجار الكريمة، وحتى الطوابع.

هناك طرائق مختلفة لاستطلاع هذه الأسئلة، منها موقف المستثمر والمنحنيات الاحصائية ومعدلات التضخم التي تساعد كلها على بناء صورة دقيقة لما أدى إلى الزيادة الحادة في تقلب اسعار الأسهم ومصادر الخطر. 

التاريخ دليل

المقاربة الأخرى هي استخدام التاريخ دليلًا. يضم الكتاب السنوي لبنك كريدي سويس عن مردود الاستثمار لعام 2018 دلالات 118 عامًا من البيانات عن الأسهم والسندات ومعدلات التضخم في 23 بلدًا، كلها توفر مؤشرًا إلى اتجاهات السوق الممكنة في عام 2018 الذي يتسم بقدر متزايد من اللايقين. 

مما ينبه إليه الكتاب السنوي أن اللافت في زيادة تقلب السوق هو أولًا سرعتها وحركتها السريعة نحو المتوسط العام على المدى البعيد؛ وثانيًا، إن مثل هذه الزيادات في حدة التقلب هي تاريخيًا أعراض أزمات مالية أو اقتصادية في الأساس؛ فحرب الخليج الأولى، والأزمة المالية في آسيا شهدتا زيادات مماثلة. لكن هذه المرة، لا أزمة "حية". 

السؤال الأساس على المدى القريب بشأن الأسهم والسندات هو استجابتها للتطبيع المستمر في التضخم. تاريخيًا، عندما كانت أسعار الفائدة الحقيقية تقرب من واحد في المئة، كانت الأسهم تحقق نسبة حقيقية إيجابية من المردود في المستقبل. 

في إطار الأسهم، يمكن الأجواء الاستثمارية المتغيرة أن تدفع إلى تغيير في أسلوب الاستثمار. وكان الاستثمار في أسهم النمو أسلوبًا يتسم بقوة الأداء في العامين الماضيين، حتى إن فجوة واسعة في الأداء نشأت بين أسهم النمو وأسهم "القيمة".

استثماران ضعيفان

على الرغم من صعوبة تحديد العامل الذي يمكن أن يساعد على العودة الحادة إلى أسهم القيمة، فإن الاختلاف التقويمي النسبي بين هذين الأسلوبين في الاستثمار يبدو لصالح القيمة على حساب النمو. 

ربما لا يكفي هذا لطمأنة بعض المستثمرين الذين اتعظوا من تقلبات السوق في فبراير الجاري، وقد يقررون تركيز اهتمامهم على أصناف أخرى من الأرصدة أكثر متعة مثل النبيذ والأحجار الكريمة والأعمال الفنية والسيارات الكلاسيكية. تثير هذه الأرصدة "الديكورية" قدرًا كبيرًا من الاهتمام لا يتناسب مع حيازاتها في المحافظ الاستثمارية. 

على المدى البعيد، أدى العديد من هذه الأرصدة دوره باعتباره إستثمارات. وكان أداء السيارات الكلاسيكية والنبيذ جيدًا منذ عام 1900. وعلى سبيل المثال، إن المردود الحقيقي للاستثمار في النبيذ والطوابع كان 3.2 غي عام 1900، وصار 2.7 في المئة في عام 2017، على الرغم من انهما لم يرتقيا إلى مردود الأسهم الحقيقي البالغ 5.2 في المئة. ويكون الماس والفضة استثمارًا ضعيفًا بالمقارنة.

صعود الأمم وسقوطها

أخيرًا، في عالم ما زال يبدو مهووسًا بالحوادث السياسية، خصوصًا في الولايات المتحدة وبريطانيا، يقدم تاريخ مردود الأسهم والسندات على المدى البعيد دليلًا يفتح العين إلى صعود الأمم وسقوطها. وهو يروي باستفاضة، على سبيل المثال، كيف أن غلق بورصة سانت بطرسبرج في عام 1917 أو تأثير الحرب العالمية الثانية في سوق الأسهم اليابانية استمرا في ترك بصمتهما على استمرار مستوى مردودات الأسواق الناشئة فترة طويلة. 

لعل مؤيدي بركسيت يتوقفون عند الواقعة المتمثلة في أن سوق الاسهم البريطانية كانت في عام 1900 تشكل نحو 25 في المئة من السوق العالمية، مقارنة بنحو 15 في المئة كانت حصة الولايات المتحدة. واليوم، لا تشكل الصين إلا ثلاثة في المئة من أسهم العالم، أقل من حصة بلجيكا أو النمسا في عام 1900. يمكن أن نتخيل ماذا سيحدث في السوق إذا فعلت الصين في القرن الحادي والعشرين ما فعلته أميركا في القرن العشرين وارتفعت حصتها إلى 51 في المئة من كل الأسهم.

 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "ديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:

http://www.telegraph.co.uk/business/2018/02/23/history-books-offer-valuable-lessons-markets/