اضطرّ الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي سابقا، في ظل تورط روسيا في صراعات في سوريا واوكرانيا. وتعتبر الطاقة أمرا حساسا لأوروبا ولروسيا، خاصة وأن موسكو باتت تستعمله كورقة ابتزاز.


نهاد إسماعيل من لندن: يتعرض بوريس جونسون وزير خارجية بريطانيا لضغوط من شخصيات بارزة في حزب المحافظين البريطاني الحاكم من أمثال ايان دونكان سميث رئيس الحزب الأسبق ودانيال كوسيزنكي رئيس لجنة البرلمان البريطاني المختصة في شؤون بولندا لرفض مشروع خط انابيب الغاز الطبيعي الروسي "السيل الشمالي2".

وترى بعض الدول الغربية أن هذا المشروع سيضع دول اوروبا الشرقية ودول بحر البلطيق تحت رحمة الابتزاز الروسي حسب مصادر الديلي تلغراف البريطانية.

وجاءت الضغوط على وزير الخارجية البريطاني على خلفية التوترات في العلاقة البريطانية الروسية مؤخرا نتيجة لحادثة تسميم جاسوس روسي سابق.

واستعرت الحرب الكلامية بين روسيا وبريطانيا حيث تدهورت العلاقات الدبلوماسية بينهما الى أدنى مستوياتها هذه الأيام بعد حادثة تسمم الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته بمدينة سالزبيري جنوب بريطانيا، حيث أكدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن روسيا مسؤولة عن محاولة اغتيال الجاسوس، كما أعلنت حزمة من الإجراءات ضد موسكو كان أهمها طرد 23 دبلوماسيا روسيا وعدم مشاركة وزراء أو أفراد من العائلة المالكة في كأس العالم الذي تستضيفه روسيا هذا الصيف، فضلا عن تجميد أصول الدولة الروسية في بريطانيا.

رافق تلك التطورات موجة برد قارص شديدة اجتاحت بريطانيا مما أدى الى ارتفاع كبير في استهلاك الطاقة خاصة الغاز الطبيعي للتدفئة وحذرت الصحف البريطانية من احتمال قطع روسيا لامدادات الغاز الروسية لبريطانيا.

وأشارت صحيفة الفايننشال تايمز ان نصف استيراد الغاز المسال جاء لبريطانيا من روسيا.

ومنذ بداية عام 2018 وصلت الى بريطانيا 6 ناقلات تحمل الغاز الطبيعي المسال ثلاثة منها من روسيا من مشروع "يامال" للغاز الطبيعي المسال في سيبيريا.

ومن المتوقع ان يزداد اعتماد بريطانيا على الغاز المستورد في المستقبل مع تراجع انتاج بحر الشمال.

كيف تعاملت روسيا مع أوكرانيا؟

في بداية عام 2006 قطعت روسيا امدادات الغاز الى اوكرانيا بسبب نزاعات سياسية. 

وقالت شركة الغاز الحكومية الروسية غازبروم حينها انها خفضت امدادات الغاز الى اوكرانيا بمقدار الربع (حصة اوكرانيا اليومية من واردات الغاز) بعد ان رفضت كييف توقيع اتفاق جديد تدفع بمقتضاه اربعة امثال المبلغ الذي كانت تدفعه مقابل الوقود.

كما اوقفت روسيا مؤخرا تزويد الغاز لأوكرانيا مما اضطر اوكرانيا لاستيراد الغاز من الاتحاد الأوروبي لتعويض النقص الناتج عن اغلاق فرع خط انابيب الغاز من قبل غازبروم واعتبرت شركة "نفطو غاز" الأوكرانية بأن هذا الاجراء الأحادي انتهاكا لعقد موقع بينها وبين "غازبروم" الروسية.

واعتبرت اوكرانيا خطوات غاز بروم ابتزازا، حيث لم تستلم "نفطوغاز" اي اشعار خطي او وثائق او تحذيرات ان غازبروم ستقطع الغاز فجأة عن اوكرانيا. لا شك ان هذه الخطوة التعسفية تجلب الضرر لسمعة وصورة غازبروم في الاتحاد الأوروبي كمصدر موثوق للغاز الطبيعي. 

أوروبا تحت رحمة غازبروم

قبل عامين، في فبراير 2016، وحسب مصادر صحيفة نيويورك تايمز، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي في ظل تورط روسيا في صراعات مسلحة في سوريا واوكرانيا. وتعتبر الطاقة أمرا حساسا لأوروبا ولروسيا.

وتعتمد اوروبا على عملاق الطاقة "غازبروم" لتلبيه ثلث حاجتها من الغاز وتستفيد روسيا مدخولا كبيرا من اوروبا مقابل الغاز حيث تلبي روسيا أكثر من ثلث حاجة اوروبا من الغاز الطبيعي وبلغت صادرات الغاز الروسية لأوروبا 193.9 مليار متر مكعب عام 2017 بقيمة 37 مليار دولار كايرادات لغاز بروم.

والاتحاد الأوروبي لا يريد تكرارا لحروب الغاز 2006 و2009 عندما قطعت غازبروم الامدادات لأوكرانيا وبلغاريا ودول اخرى في فصل البرد القارص في الشتاء.

ولا تزال العلاقات متوترة بسبب ضم روسيا للقرم قبل 4 اعوام ومحاولات روسيا المستمرة لزعزعة الاستقرار في اوكرانيا.

تتركز الجهود الأوروبية حول اجبار غازبروم على الايفاء بالتزامتها التعاقدية وتقليل احتمالات النقص والمطالبة بتسعير شفاف ودون محاباة مع دول معينة لاسباب سياسية. كما تعرضت ألمانيا لانتقادات شديدة بسبب تأييدها لمشروع خط غاز "السيل الشمالي"2.

و"السيل الشمالي -2" هو مشروع لمد أنبوبين بسعة إجمالية تصل إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق. 

ومن المفترض أن يبنى بموازاة خط الأنابيب "السيل الشمالي".

وتبلغ حصة شركة "غازبروم" في المشروع 50%، ويملك كونسورتيوم مكوّن من 5 شركات طاقة أوروبية الـ 50% الأخرى في المشروع، 10% لكل منها. وتبلغ كلفة المشروع 8 مليارات يورو.

غاز الولايات المتحدة يزعج روسيا

في فبراير الماضي قالت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم لرويترز إن أوروبا ستشهد قريبا نقصا في الغاز وارتفاعا في الأسعار إذا سعت إلى الاعتماد على واردات الغاز من الولايات المتحدة لتغطية الطلب المتزايد بدلا من زيادة مشترياتها من روسيا.

كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قالت إنها تعتزم إضفاء العدالة والتوازن على أسواق الطاقة عبر عرض غاز أميركي على أوروبا وآسيا، مشيرة إلى الحاجة لتقليص ما أطلقت عليه القوة المشوهة للسوق لجهات فاعلة مثل روسيا وأوبك.

وأصبحت إمدادات الغاز الروسي لأوروبا مسألة سياسية على نحو متزايد منذ أن قطعت موسكو إمداداتها إلى أوكرانيا في العقد الماضي وسط خلافات بشأن التسعير وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014.

وحسب موقع سبوتنيك في مارس 2018 أعلن رئيس شركة "غازبروم" الروسية، أليكسي ميلر، أن الشركة باشرت بإجراءات فسخ العقود مع شركة "نفطوغاز" الأوكرانية لتصدير وترانزيت الغاز.

كما أشار ميلر إلى أن مواصلة العمل وفق العقود مع "نفطوغاز" الأوكرانية غير مجدي اقتصاديا لـ"غازبروم" وإن "غازبروم" مضطرة لبدء عملية فسخ عقود تصدير وترانزيت الغاز مع "نفطوغاز" في محكمة ستوكهولم للتحكيم".

ولا تخفي موسكو موقفها من ان الغاز والنفط ليسا فقط اسلحة اقتصادية بل اسلحة سياسية. ومنذ التسعينات تواصل روسيا استراتيجية الهيمنة على اسواق الغاز في اوروبا ويعتبر "خط الغاز الطبيعي "السيل الشمالي2" أحد المشاريع الهامة التي تقوم روسيا بتنفيذها وتعتبر الولايات المتحدة هذا المشروع خطة روسية لمعاقبة اوكرانيا التي تجني عائدات تصل إلى ملياري دولار سنويا من عبور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا. ويعتبر بعض المراقبون ان مشروع السيل الشمالي 2 هو مشروع سياسي أكثر منه اقتصادي.

مشاريع روسية ضخمة رغم العقوبات الغربية

مشروع يامال:

أطلق الرئيس بوتين مشروع "يامال" للغاز الطبيعي المسال في المنطقة القطبية، بتكلفة تقدر ب 27 مليار دولار وهو المشروع الثاني من نوعه، ويسعى من خلاله إلى تحدي هيمنة قطر وأوستراليا ومستقبلاً الولايات المتحدة في سوق الغاز الطبيعي المسال وحسب مصادر طاقة روسية قامت شركة نوفاتيك، المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية منذ عام 2014 بتنفيذ المشروع.

وغادرت اول شحنة من هذا المشروع الى الصين في ديسمبر 2017 مما يعمق التعاون الروسي الصيني في مجال الطاقة ويعتبر تحدي للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا. 

وتملك شركة "نوفاتيك" الروسية 50،1% من المشروع بينما تملك شركة توتال 20 % وشركة سي. إن بي. سي الصينية نسبة 20% وصندوق طريق الحرير الصيني نسبة ال 9،9 في المئة المتبقية. وتقول توتال إن كل الغاز المسال سيباع لمستهلكين في أوروبا وآسيا بموجب عقود تمتد بين 15 سنة و20 سنة. 

وفي تعليقه على المشروع قال الرئيس الروسي بوتين إن المشروع "يساهم في تقوية التعاون الاقتصادي مع بلدان في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، وبشكل أساسي، ومع شركائنا في المنطقة بمن فيهم شركات صينية".

وتعتبر آسيا هي المستورد الرئيسي للغاز المسال في العالم، لا سيما الصين. ويتوقع أن تنتج منشأة يامال 16،5 مليون طن من الغاز المسال سنوياً للأسواق الآسيوية والأوروبية.

شحنات "يامال" ستحملها ناقلات قادرة على اختراق الجليد في اقاصي الشمال لتوفير وقت الرحلة الى آسيا عبر مضائق بيرينغ.