بفضل صعود أسعار برميل النفط إلى مستويات فوق الـ70 دولارا، تتمكّن الشركات النفطية الكبرى ليس فقط من تخفيض تكلفة الانتاج، بل ايضا من رفع مستوى الفعالية والكفاءة التشغيلية مما خلق فرصا للاستثمار في مشاريع جديدة.

نهاد إسماعيل من لندن: جنت ولاية تكساس الأميركية ارباحا هائلة، واقتصادها يشهد طفرة عالية خلقت نقصا في الأيدي العاملة التي وجدت وظائف مغرية في قطاع انتاج الزيت الصخري في حوض بيرميان الشهير والذي يعتبر كنزا نفطيا متعدد الطبقات ينتج 30% من النفط الأميركي.

يغطي بيرميان الرسوبي مساحة تزيد عن 75 الف ميل مربع ويمتد أسفل ولايتي تكساس وجنوب شرق ولاية نيومكسيكو.

الطفرة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع اسعار النفط ادت الى تقلص البطالة الى أقل من 3% في تكساس. كل هذا نتيجة لارتفاع الأسعار الى ما يقارب 80 دولار للبرميل في الأسابيع الأخيرة.

والتناقض الغريب ان الادارة الأميركية تضغط على منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" لكي ترفع الانتاج اليومي بواقع مليون برميل لكبح جماح الأسعار المتصاعدة في محطات البنزين الأميركية.

وارتفعت الأسعار الى مستويات فوق 70 دولار للبرميل حتى قبل القرار الأميركي باعادة فرض العقوبات على ايران مما سيخلق نقصا في السوق الأمر الذي سيعزز الأسعار.

في سنوات سابقة تعرضت "اوبك" لانتقادات شديدة من قبل الكونغرس، ولكن نادرا ما تطلب واشنطن من "اوبك" رفع الانتاج بقيمة محددة تبلغ مليون برميل يوميا. ومن الجدير بالذكر ان روسيا والسعودية اقترحتا الشهر الفائت رفع الانتاج تدريجيا.

وكان رد فعل السوق على هذا الاقتراح هو انخفاض سعر النفط بنسبة 1.5% الى 74.16 بتاريخ 23 مايو الماضي.

كما ان الطلب الأميركي لرفع الانتاج بطريقة شبه رسمية تأتي بعد عدة اسابيع من تغريدة الرئيس ترمب التي عبّر فيه عن امتعاضه من سلوك "اوبك" في سياسة تخفيض الانتاج. 

واعترف ستيفن منوتشين وزير الخزينة الأميركي ان واشنطن أجرت اتصالات مع اطراف عديدة لرفع الانتاج النفطي لتحييد التأثير السلبي الناتج عن اعادة فرض العقوبات على ايران.

والدول الأربعة القادرة على تعويض الانتاج الايراني هي روسيا والسعودية والامارات والكويت.

ووصلت الأسعار الى 80 دولار للبرميل في مايو الماضي ولكن السعر تراجع الى 75 دولار عندما بدأت روسيا والسعودية الحديث عن رفع الانتاج. ومن المقرر ان تناقش "اوبك" وحلفاءها سياسة الانتاج للنصف الثاني من العام في الاجتماع المقرر في فينا 22 و23 يونيو الحالي.

التطور التكنولوجي ساعد في انتاج النفط بتكلفة اقل. في تقرير للفايننشال تايمز 23 مايو، اشارت الصحيفة الى الارباح التي تجنيها الشركات الأميركية وغير الأميركية من الأسعار المرتفعة.

ومما ساهم في زيادة ارباح الشركات هو مقدرة الشركات المنتجة على تخفيض تكاليف الانتاج في حقبة اسعار 30-40 دولار للبرميل اواخر 2014 حتى 2016. حيث انخفضت تكلفة انتاج برميل النفط الآن بنسبة 30% مما كانت عليه عام 2014.

وتستطيع معظم الشركات الكبرى تغطية تكلفة الانتاج والانفاق على مشاريع توسعية ودفع حصص للمساهمين عندما يكون السعر بحدود 50 دولار للبرميل. وعندما يصل السعر الى 80 دولار للبرميل يكون هناك فائض كبير من الأرباح. 

وهذا أدّى الى هبوط نقطة التعادل بين الربح والخسارة من 50 دولار للبرميل الى أقل من 40 دولار للبرميل.

وتسعى شركات كبرى مثل بي بي (بريتيش بتروليوم) وأكوينورالنروجية (ستات اويل سابقا) لتقليل نقطة التعادل او نقطة اللاربح ولا خسارة الى اقل من 40 دولار للبرميل.

والتطور الايجابي الآخر لصعود الأسعار الى مستويات فوق 70 دولار للبرميل هو ان الشركات الكبرى مثل اكسون موبيل وشيفرون وشل، تمكنت ليس فقط من تخفيض تكلفة الانتاج بل ايضا من رفع مستوى الفعالية والكفاءة التشغيلية مما خلق الفرص للاستثمار في مشاريع انتاجية جديدة.

وارتفعت المبالغ التي تخصص للاستثمار بوقع 11 – 12 % ولكن على أسس مدروسة انتقائية لتجنب هدر المال على مشاريع ذات فائدة محدودة. فمثلا قبل 10 اعوام كان معدل الانفاق على مشروع نفطي من حيث التنقيب والاكتشاف والانتاج والتطوير او ما يسمى مرحلة ما قبل الانتاج او "آب ستريم" يصل الى 5 مليارات دولار. والان هبط المعدل الى 2.7 مليار دولار حسب أرقام شركة وود ماكينزي للاستشارات.

الحاجة لاستثمارات كبيرة حتى 2040

تقدر منظمة "اوبك" ان هناك حاجة لاستثمار 10 الى 20 ترليون دولار بحلول 2040 في قطاعات النفط والغاز لتلبية احتياجات العالم من الطاقة.

وفي مارس 2018 قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية أمين الناصر إن صناعة النفط والغاز العالمية تحتاج لاستثمارات تزيد قيمتها على 20 تريليون دولار على مدى الأعوام الخمسة والعشرين القادمة، لتلبية نمو متوقع في الطلب والتعويض عن الانخفاض الطبيعي في الحقول الناضجة.

ومتحدثا في مؤتمر "سيرا ويك" في هيوستون الأميركية، قال الناصر إن صناعة النفط والغاز خسرت بالفعل استثمارات بقيمة تريليون دولار في فترة تراجع أسعار النفط من 2014 إلى 2016.

لذلك ورغم ان الأسعار العالية اي ما فوق 70 دولار للبرميل قد تكون مؤلمة للدول المستوردة مثل الهند ولجيوب السائق الأميركي الا أنه على المدى البعيد فان تأثير الأسعار العالية ايجابي ومفيد ليس فقط لميزانيات الدول المنتجة بل للاقتصاد العالمي ولضمان استمرار توافر الطاقة للعالم.

إذا أرادت "أوبك" وروسيا بقاء الأسعار فوق 70 دولار للبرميل، من الأفضل التزام الصمت والتوقف عن التلميح برفع الانتاج او الغاء اتفاق خفض الانتاج. وكل الدلائل تشير ان النطاق السعري 70 الى 80 دولار للبرميل يعتبر سعرا عادلا للمنتج والمستهلك.