سؤال الحرب صار متداولا ً في اليوميات العراقية دون رهبة أو خوف، ذلك لأن الواقع العراقي ومنذ ثلاثة عقود ونصف يشتبك في حروب متنوعة، داخلية وخارجية، وإذا كانت الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988تشكل الحرب الدولية الأولى، فأن حرب تحرير الكويت وصفحاتها المتعددة، تعد الحرب العالمية الثانية، ومع تداخلات معركة تحرير الموصل يبدو المشهد الإقليمي الآن مستقطبا ًلأسباب نشوب حرب دولية ثالثة ، طرفاها العراق – تركيا وتقترحها أقطاب الصراع الطائفي في المنطقة .

 

 تحولت مضامين الحروب في الشرق الأوسط مصطحبة معها تحولات أخلاقية وسلوكيات دولية، فالحرب العراقية الإيرانية جاءت تحت غطاء الصراع القومي العربي - الفارسي، بينما جاءت حرب احتلال الكويت بدوافع سياسية وصراع إختلاف بنى الأنظمة السياسية الحاكمة وغطرستها في النظر للآخر، وليس فيها مصلحة للشعب العربي سوى المزيد من الخراب والموت والإحتلال .

حروب متبادلة بين الشعوب العربية والإسلامية وضعت الشرق الأوسط (مرتع الحروب) في منطقة العزل العالمي، كونها فقدت أيسر مبادئ حقوق الإنسان وقواعد الحرب الأخلاقية، مايجعل التاريخ لايتردد بوصفها بالحروب المجنونة، كونها تقوم على الإنتقام الشامل وتستعير اساليب حياة الغابة والتوحش، وتتبرقع بأسباب هي أقرب الى الخرافة والفكر الظلامي، واهداف تقف خارج زماننا وحركة التاريخ وتطورات الراهن الحضاري والعلمي، كما تجلى ذلك في حروب "داعش" في العراق وسوريا ودول عربية أخرى، أو حروب التطهير الطائفي .

حرب تحرير الموصل من " داعش"، تدور معها حرب إعلامية بين العراق وتركيا موقعها أعلى مستويات الحكومة في البلدين، وإذ تختصر ذكر العديد من التفاصيل الغاطسة في المسكوت عنه، فأنها تتمحور حول الصراع بين أقطاب القوى الإقليمية الكبرى، إيران والسعودية وتركيا، واذ تأخذ الدوافع طابع الصراع الطائفي كما تبدو للشعوب المضللة، فأنها تعبرعن مصالح استراتيجية قومية لكل من ايران وتركيا، وطموح كل منهما بالتوسع وإعادة أمجاد الدولة العظمى أو الإمبراطورية التي تبتلع دول الجوار الصغيرة، حين تكون في لحظة ضعف وانهيار .

 تركيا لم تزل تعيد النظر بخرائط الدولة العثمانية وامتدادها جنوبا ً لضم الموصل وسواحل شرق المتوسط للهيمنة الإقليمية والسياسية، تقابلها مطامح ايران في استكمال مشروع الهلال الشيعي بالوصول الى شواطئ المتوسط والتخلص من عقدة الموقع الثانوي في الشرق الأوسط، يساعدها في ذلك ولاءات أنظمة متهرئة تتبع لها طائفيا ً( العراق، سوريا، لبنان) ..!

مدينة الموصل تشكل مدخل إيران الجغرافي بإتجاه سوريا، ولعلها المنصة الأخيرة (النوعية) التي تحشد لها أسباب التفوق والإستثمار الحربي، بينما تجدها تركيا نقطة مركزية في الحفاظ على أمنها القومي من تهديدات الحركات الأرهابية وحزب ال بككه، إضافة لمسؤولياتها التاريخية في الدفاع عن الأتراك القاطنين في هذه المدن والسنّة المهددين بالتهجير والتغيير الديموغرافي للمدينة كما ترد هذه الأسباب على لسان رئيسها أردوغان .

الآن تتشكل المعادلة بهذا الإتجاه صراع طائفي يتغذى من تلك الدول الأقليمية، ساحته كل من العراق وسوريا وميلشيات وعصابات وجماعات طائفية تتقاتل ضد بعضها، من هنا تتجه التوقعات أن تفتح الموصل بوابة الحرب بين تركيا والعراق الذي عادة مايقاتل بالإنابة عن الآخرين ..!