تسعى الأمم المتحدة حثيثًا إلى ترسيخ ثقافة السلام وتحقيق حق الشعوب في السلام، من منطلق أن الأمرين وجهان لعملة واحدة، لا ينفصلان، وأن الحوار الصادق هو أساس التفاهم في العالم.

خاص بـ "إيلاف" من جنيف: منذ عام 2008، عمل مجلس حقوق الانسان على «تعزيز حق الشعوب في السلام» مستوحيًا قرارات سابقة وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة والمفوضية السابقة لحقوق الانسان، ولا سيما قرار الجمعية العامة 39/11 الصادر بتاريخ 12 نوفمبر بعنوان "اعلان حق الشعوب في السلام" و"اعلان الأمم المتحدة في شأن الألفية".

في عام 2010، وافق مجلس حقوق الانسان أيضًا على القرار 14/3 طالبًا من "اللجنة الاستشارية، بالتشاور مع الدول الأعضاء والمجتمع المدني وسائر الأطراف المعنية، إعداد مسودة إعلان لحق الشعوب في السلام...".

لذا، أقرت اللجنة الاستشارية في 6 اغسطس 2010 التوصية 5/2 في شأن تعزيز حق الشعوب في السلام، وتشكيل لجنة صياغة برئاسة منى ذو الفقار (مصر) لإعداد مسودة اعلان في شأن حق الشعوب في السلام. وفي ضوء هذا التفويض، أعدت لجنة الصياغة في البداية تقريرًا عما تحقق من تقدم في شأن الحق في السلام، قُدم إلى مجلس حقوق الانسان في دورته الاعتيادية السادسة عشرة (يونيو 2011). 

 

 

مسودة ثالثة

في 12 اغسطس 2011، أقرت اللجنة الاستشارية التوصية 7/3 بعنوان "لجنة الصياغة في شأن تعزيز حق الشعوب في السلام"، حيث نوهت اللجنة بالتقرير الثاني عن تقدم العمل الذي قدمته لجنة الصياغة (الفقرة 1)، ورحبت بـ"الاستجابات التي لقيها الاستبيان الذي أُرسل في أبريل 2011، والنقاشات والتصريحات التي أُطلقت خلال جلستها السابعة" (الفقرة 2)، ورحبت بـ"مبادرات المجتمع المدني لتنظيم نقاشات حول تقارير اللجنة الاستشارية عما تحقق من تقدم مع الدول الأعضاء والخبراء الأكاديميين" (الفقرة 3).

وطبقًا لقرار مجلس حقوق الانسان 17/16 الصادر في 17 يونيو 2011 وتوصية المجلس الاستشاري 8/4 في 24 فبراير، قدمت اللجنة الاستشارية إلى مجلس حقوق الانسان مسودتها (الثالثة) لنص إعلان حق الشعوب في السلام، التي استوحت بحق المقترحات المختلفة للاعلانات التي أعدتها بعض منظمات المجتمع المدني ودعت اليها.

وعملًا بالقرار 20/15 الصادر في يوليو 2012، قرر مجلس حقوق الانسان "تشكيل فريق عمل حكومي غير محدود الأجل مفوَّض إعداد مسودة من طريق التفاوض المطَّرد لاعلان الأمم المتحدة في شأن الحق في السلام على أساس المسودة المقدمة من اللجنة الاستشارية، ومن دون الانتقاص من الآراء السابقة والحالية والمستقبلية".

انتخب فريق العمل السفير كريستيان غيلرميت فرنانديز (كوستاريكا) رئيسًا ـ مقررًا للفريق بالتأييد العلني، بعد أن رشحته مجموعة دول اميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. 

سلام عادل ومستدام

في الجلسة الأولى لفريق العمل التي عُقدت في جنيف من 18 إلى 21 فبراير 2013، قالت منى ذو الفقار، رئيس لجنة الصياغة في اللجنة الاستشارية، أن الحق في السلام لا يشمل السلام السلبي وحده بل السلام الإيجابي أيضًا الذي يتناول توفير الظروف لإقامة سلام عادل ومستدام، ويتيح بناء بيئة ملائمة لتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الانسانية وحماية حقوق الانسان بأكملها. من جهة اخرى أكد السفير كريستيان غيلرميت على المبادئ الأساسية التي يجب أن تعمل بموجبها جلسة فريق العمل (أي الشفافية والشمولية والتوافق والموضوعية والواقعية). 

حدد نص اللجنة الاستشارية، بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني، العناصر الرئيسية التي يجب أن تكون جزء من الاعلان المقبل (بما في ذلك قضايا مثل المهاجرين واللاجئين والاعتراض الضميري على الخدمة العسكرية ونزع السلاح والبيئة وحقوق الضحايا والتنمية والأمن البشري). وكانت القيمة المضافة الكبيرة لنص اللجنة الاستشارية تعاونها في شأن العلاقات بين فكرة السلام وحقوق الانسان، وجهودها لتعبئة منظمات المجتمع المدني، وكذلك فكرة حق الانسان في السلام بجمع كل هذه العناصر في صيغة اعلان. واتاح ذلك في ما بعد للدول الأعضاء أن تجري تقويمًا عالميًا لهذا النص، وفي النهاية قبوله أو رفضه، كأساس صالح ومفيد لمواصلة العمل على هذا الموضوع.

وجهان لعملة واحدة

رأى فريق العمل في الجلسة الأولى أن النص المقدَّم من اللجنة الاستشارية لم ينل الدعم المطلوب من الدول الأعضاء، ولا حتى من تلك البلدان التي تدعم العملية بنشاط داخل مجلس حقوق الانسان. وبالتالي، قال بعض الوفود أن العبارة الأخيرة من الاعلان 20/15 التي تشير إلى "عدم الانتقاص من الآراء والمقترحات السابقة والحالية والمستقبلية ذات العلاقة"، تتيح إمكانية تغييره بأفكار وصياغات جديدة. علاوة على ذلك، أضافت هذه الوفود أن الاعلان يجب أن يكون واقعيًا، يتضمن قواسم مشتركة مقبولة من الجميع.

وبهدف الحفاظ على العمل المهم الذي انجزته اللجنة الاستشارية في عملية إعداد مسودة الاعلان، قرر الرئيس - المقرر إحياء روح قراري المجلس 14/3 لعام 2010 و17/16 لعام 2011، اللذين يدعوان بوضوح سائر الأطرف ذات العلاقة إلى دعم التنفيذ الفاعل للاعلان وبرنامج العمل في شأن ثقافة السلام. 

لوحظ أن جميع العناصر الرئيسية للحق في السلام التي حددتها اللجنة الاستشارية وضعتها سابقًا الدول الأعضاء ومنظمات دولية ومنظمات وغير حكومية في برنامج عمل فيينا في شأن ثقافة السلام. وبالتالي، الحق في السلام وثقافة السلام وجهان مختلفان لعملة واحدة. ورحبت بهذه المقاربة الأطراف المختلفة ذات العلاقة، بما فيها العديد من منظمات المجتمع المدني.

الحق في السلام

يجب أن يُعاد التذكير بأنه طبقًا للقرار 14/3، أُدرج تاريخ موجز لمفهوم ثقافة السلام في التقرير عما تحقق من تقدم في شأن حق الشعوب في السلام، الذي أعدته اللجنة الاستشارية في عام 2011، وبصفة خاصة أن هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة ركزت اهتمامها على أصل المفهوم في اليونسكو والبرامج الوطنية في شأن ثقافة السلام واستراتيجية اليونسكو متوسطة المدى والمشروع متعدد الاختصاصات والعمل ذي العلاقة في الجمعية العامة ومعنى ثقافة السلام. 

في 1 يوليو 2016، أقر مجلس حقوق الانسان في جنيف إعلانًا في شأن الحق في السلام بأغلبية الدول الأعضاء. وكان هذا ثمرة ثلاث سنوات من العمل مع سائر الأطراف ذات العلاقة حيث أسهم بقسطه الدور الذي قامت به بعض منظمات المجتمع المدني. 

قدم الوفد الكوبي القرار 32/28 الذي أُلحق به الإعلان. وشدد الوفد في تقديمه على أن إقرار الاعلان جاء في سياق اتفاق وقف اطلاق النار الثنائي وانهاء العمليات القتالية الذي وقع في هافانا بين حكومة كولومبيا والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا - الجيش الشعبي (فراك ـ إي بي). وآزرت عمل مجلس حقوق الانسان التعبئة القيِّمة والقيادة التي أبدتها شخصيات عامة من عالم الفن والثقافة والرياضة، التي التفت حول مؤسسة السلام بلا حدود التي أنشأها الثنائي ميغيل بوسي وخوانيس. 

الحوار الصادق

يقتضي الإعلان أن تقره الجمعية العامة بصورة نهائية في اللجنة الثالثة للدورة الحادية والسبعين الحالية (اكتوبر - نوفمبر 2016) في نيويورك. وستكون هذه لحظة حاسمة لتعزيز كل ما بُذل من جهود من اجل الاعتراف بحق الانسان في السلام. ويعتقد الكثير من منظمات المجتمع المدني أن المجتمع الدولي يجب أن يبذل جهودًا قصوى للتوصل إلى حل توافقي في شأن اسم الاعلان والمادة الأولى فيه، وهما القضيتان الوحيدتان المتبقيتان بلا اتفاق بين الوفود في الوقت الحاضر. ولهذا السبب يجب أن تقوم عملية التفاوض على الحوار والتعاون والتفاهم المتبادل. 

الاعلان ثمرة جهود بذلها بلا كلل كثير من الناشطين من أجل السلام والمدافعين عن حقوق الانسان، فضلًا عن الدور المهم الذي قامت به بعض قطاعات المجتمع المدني على امتداد سنوات، لتبين أن الحوار الصادق بين الفرقاء والمجموعات الاقليمية هو أساس السلام والتفاهم في العالم. وتوجهت منظمة مهمة من منظمات المجتمع المدني في رسالة مفتوحة إلى الدبلوماسيين جاء فيها: "في عالم اليوم، المدمَّر بالنزاعات المسلحة والكراهية والفقر، سيوجه اعتراف الغالبية الساحقة من الدول واعلانها بأن "للجميع حق التمتع بالسلام"، رسالة سلام وأمل بالغة الأهمية إلى البشرية وخاصة إلى جيل الشباب والأجيال الناشئة. ولا يسع منظمتنا سوى الاعتراف بالأهمية البالغة لمثل هذه الرسالة. وسيمثل اقرار اعلان الأمم المتحدة في شأن الحق في السلام، خطوة صغيرة نحو تنفيذ الوعود المهيبة التي قُدمت في عام 1945". 

* ترجمة عبد الاله مجيد