ستنتهي معارك الموصل بإندحار" داعش" كما تشير الدلائل على الأرض، لكن السؤال المهم ؛ هل ستنهزم "داعش" فكرا ً ووجودا ً يعرف عن وجوده بالمعارضة الأنتحارية..؟
هذا السؤال يرتبط بجملة عوامل سياسية وإقتصادية وثقافية وتربوية وعوامل دولية (صراعية)، وقدرة فكرة الدولة الإسلامية "داعش" نفسها على تجديد قوة الجذب والبقاء لخطابها..!
تفكيك هذه العوامل وتصحيح أخطائها في سياسات وطنية معتدلة وحكيمة، والسعي
الجاد الى عدم السماح لتشكيل بيئات حاضنة تستثمر بها "داعش" عبر منظومة إجراءات اقتصادية وثقافية وتربوية، إضافة الى التزام الدول التي أصبحت مرتعا ل"داعش" مثل العراق وسوريا، بعدم الدخول في محاور صراع اقليمية بهويات طائفية أو أثينية والبقاء على خط الحياد الإيجابي.

لكن الطروحات السياسية التي تلاحق مبادرات الدول والأطراف المعنية والمشاركة بالحرب ضد "داعش" في الموصل، والرقة أيضا ً، تؤكد أن لاشيء من هذا القبيل سوف يتحقق في مرحلة مابعد وجود "داعش" في الموصل والرقة..!
والسبب ان الدوافع والأطماع الجيوسياسية التي كانت تحرض "داعش" في التمدد الجغرافي والإستحواذ على مصادر القوة التسليحية والإستراتيجية في الموقع الجغرافي والإقتصاد واحتواء الآخر، وكذلك التغييرات الديموغرافية والدخول كطرف فاعل في المعادلات الدولية، هي ذاتها تحرك الدول والأطراف المشاركة بالحرب ضد "داعش"، وتلك هي المفارقة...!

ان تدخل كل من تركيا وايران واطراف سياسية عراقية (شيعية وسنية وكردية) واطراف دولية أخرى غير معلنة، جميعها تتسابق ليس للحرب على "داعش" كسرطان عالمي كما وصفها الرئيس الأمريكي باراك اوباما، وإنما لتحقيق اهدافها الطائفية والعرقية والمنسجمة مع مصالحها الإستراتيجية في التفوق الأقليمي، ولولا وجود دولة "داعش" لما أنفتح الطريق للتمدد الإيراني أو التركي في العراق وسوريا.

وعودة ل"داعش" فان حقيقة وجودها كدولة لاينسجم مع التعريف السياسي التقليدي للدولة، بكونها كيان سياسي يقوم على أرض لها حدود أقليمية وشعب و نظام إداري، إنما هي تشكيل نظري لدولة طفيلية تعتاش على نهب الدولة التي تحتلها، وكما حدث في تجربتي السيطرة على المدن السورية والعراقية واستثمار تكويناتها الإدارية والمالية والخدمية وتطويعها وفق إجراءات فوقية أو صورية، أما جيشها فهم أنصار من جنسيات متعددة في العالم، مكرسين للقناعة بالوهم (الجنة) والبحث عن طرق انتحار لها صدى، تتقيئهم مجتمعات الكرة الأرضية بمختلف الدوافع لكنهم يجدون إعتبارا عظيما لشخصياتهم في تبني مشروع خيالي وخارق هو إعادة تأسيس الدولة الإسلامية التي أنشأت في القرن الهجري الأول.

قراءة الوقائع تقول أن "داعش" ستندحر في الموصل وتخسر الأرض، لكنها لن تنهزم، بل ستعود طرفا في صراع المحاورالإقليمية وكما يحدث في حلب السورية أومدن اخرى، شروط وجود "داعش" يرتبط بالإضطهاد والإنتهاك الطائفي وغياب العدالة الإجتماعية وسلطة القانون وحقوق الإنسان، وكل هذه الشروط متوفر في حلبة الصراع الآن في الموصل والقادم أخطر، لهذا أجد من المؤسف أن تهدر الأرواح والدماء وتكرس كل هذه الخسائر في معركة لا أحد يستطيع ان يتكهن بنتائجها.