منح الحقوق لضحايا الحشد الشعبي واجب وطني، لأنهم يشاركون في معركة تحرير الوطن من عصابات داعش التي احتلت المدن العراقية واستباحتها بأبشع جرائم التاريخ ، لكن تسييس هذا الإجراء التطوعي الوطني عبر "قانون " مأسسة، أثار ويثير جملة من الأسئلة والتحفظات الوطنية والدولية، بسبب ان الغالبية العظمى من منتسبيه هم من المتطوعين الشيعة والتشكيلات المسلحة التنظيمية والمليشياوية الشيعية التي اشتركت ضمن تشكيلات الحشد .

 وبغض النظرعن دستورية القانون وإعتراض بعض الأطراف العراقية المشاركة بالعملية السياسية، ساقوم بعملية تفكيك لخلفيات وأهداف هذا القانون ومنتجاته على مستوى بناء الدولة والمؤسسة العسكرية، وماتنطوي عليه هذه الخطوة من تراجع عن مبادئ وإجراءات الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة، وتأزيم الوضع السياسي الداخلي وشحنه بالمخاوف واسباب التمزق أكثر مماسبق، ناهيك عن كونه يمثل اشعارات بجاهزية مبكرة لفتح معارك ذات طابع اسلاموي عقائدي في أفق الصراع القائم في المحيط الإقليمي .

ابتداء ً فأن الحشد الشعبي هو التسمية المتطورة عن فتوى" الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، عندما تهددت بغداد وسامراء بالسقوط بيد داعش بعد سقوط مدينتي الموصل وصلاح الدين، فجاءت الفتوى لكل من يجد في نفسه الكفاية للجهاد ضد عصابات الإرهاب للدفاع عن المقدسات،وهذا يعني أن مهمة هذه الحشود التي انتظمت بما يشبع النفيرالعام سوف تنتهي بنهاية التهديد للمقدسات أو بزوال الخطر،وبالنظر لأنتهاء المعركة ضد داعش بالأنتصار عليه، ينتهي دور الحشد الشعبي المتولد عن فتوى الجهاد الكفائي، وموضوع النفير العام تلجأ له جميع مجتمعات الأرض إذا أدركت أن أوطانها مهددة بالإحتلال أو تتعرض لأزمات وجودية.

 أندفع التحالف الشيعي لتشريع قانون الحشد الشعبي بإصرار مبالغ فيه، وفي خطوة غير محسوبة النتائج وإسقاطاتها السلبية، وبمعنى آخر فأن هذا القرار يتنافى تماما ً مع الإدعاء بمشروع المصالحة الوطنية المسمى بالتسوية التاريخية للخلافات السياسية، كونه يوسع من ثغرات الخلافات القائمة منذ 13 سنة مضت، والشيء الذي يحرض على توسعت الخلافات هو وجود ميليشيات شيعية تشكل غالبية المنتسبين للحشد، والعديد من قادة هذه الميليشيات تدين بالولاء والطاعة للمرشد الأعلى في ايران السيد علي الخامنئي، وهي تصرح بذلك نهارا جهارا ً مايجعل الحشد في نظر المعترضين والخائفين كونه جيشا ً شيعيا ً،رغم انضمام اعدادا من السنّة بين صفوفه ..!

تشريع قانون الحشد الشعبي يشكل تحديا ً جليا ً لمشروع الدولة المدنية، وذلك يرتبط بجملة أسباب ؛

* أهمها ملشنة المؤسسة العسكرية وتكريسها سياسيا لبعد طائفي واحد متعدد الولاءات والمرجعيات، فمنهم من يتبع مرجعية النجف والسيستاني وأكثرهم يتبعون مرجعية ايران والسيد الخامنئي، والبعض لايتبع لاهذا ولاذاك، الأمر الذي يجردها من الولاء الوطني الخالص ويضعها موضع الولاءات المتعددة.

* زيادة لاطائل منها في أعداد المنتسبين للمؤسسة العسكرية والأمنية مايثقل كاهل الدولة وهي تعاني إفلاس وتقشف ومديونيات متصاعدة.

* عدم تكريس هذه الموارد البشرية في مشاريع البناء والإعمار والخدمات التي إنهارت جراء الفساد الإداري والمالي والإنشغال بالصراعات والحروب .

العقل السياسي الذي أنتج هذا المشروع يصنف بكونه موتورا ًوخائفا ً، بل فشل في بناء جيش وطني ودولة مدنية ، وغير قادر على تلك المهمة بعد مرحلة الحرب ضد داعش، مايجعله يتجهّز لحروب أخرى طويلة ذات اهداف طائفية دون إدارك فشل مثل هذه المشاريع في العراق..! وفي هذا السياق الصريح نقول أين جيوش صدام المليونية، جيش القدس سبعة ملايين، الجيش الشعبي خمسة ملايين، فدائيو صدام نحو مليون انتحاري، الحرس الجمهوري، الحرس الخاص ...الخ كلها تبخرت لأنها جاءت عن قرارات فوقية عليا وولاءات غير الولاء الوطني، كما هو قانون الحشد الشعبي.