تصاعدت بوتيرة متسارعة حدة الخلاف بين انقرة والاتحاد الأوربي قبل عدة أيام علي أثر تأييد البرلمان الأوربي لتوصية سياسية تطالب بـ " تجميد مفاوضات الطرفين حول منح المواطنين الأتراك حق الدخول إلي أراضي دول الإتحاد الأوربي دون تأشيرة " .. 

وبرغم إعتراف المؤسسة التشريعية الأوربية بأهمية تركيا علي مستوي الشراكة بين الجانبين وتقديره لدورها ضمن منظومة حلف الناتو ، إلا انها طالبت حكومتها بإختيار طريق التعاون مع بروكسل " لتحقيق الشراكة المرجوة " بدلاً من إنتهاج سياسيات تُبعدها عن مسار دول الإتحاد الأوربي الديموقراطي .. 

جاء تصويت البرلمان صادماً .. حيث أيد التجميد479 وعارضه 37 وإمتنع 107 عن الإدلآء برأيهم.. 

صدمة أنقرة ترجع في المقام الأول أنها كانت تتوقع قرار من جانب المفوضية الأورربية يقضي بتسريع المحادثات المرتقبة بين الجانبين قبل نهاية العام الحالي لوضع جدول زمني لمنح مواطينها حرية التنقل بين بلدان الإتحاد الذي أوقفته في يونية الماضي ، فإذا بالمؤسسة التشريعية تعرقله.. 

فمن ناحية.. 

إعترضت بعض العواصم الأوربية علي الموافقة البرلمانية غير الملزمة للمفوضية الأوربية لأنها تُدرك مدي إنعكاساتها السلبية علي تدفق مئات الألآف من اللآجئين غير الشرعين إلي داخل حدودها ، إذا ما صمم الرئيس التركي علي فتح حدود بلاده مع الدول الأوربية المجاورة كرد مباشرة علي هذه الخطوة.. 

ورأت عواصم أخري ذات وزن أن قدرة أنقرة علي نقض الإتفاق الذي وقعته مع بروكسل في مارس الماضي ، يمكن أن توقظ دول ووسط وغرب أوربا في الغد الغريب علي طرقات مُدوية لمجموعات من السوريين والعراقيين تهدد بإجتياز حدودها.. 

وسجلت فيدريكا موجيريني منسقة السياسية الخارجية للإتحاد موقفها المعارض لهذا التصويت وأكدت بشكل لا لبس فيه حتمية الحوار المباشر مع أنقرة " لأن هذا التصويت لن يأتي بنتائج إيجابية " ..

ومن ناحية أخري.. 

إستهان أردوغان بتصويت البرلمان ووصفه قائلاً " أنه لا قيمة له " وأكد عبر رسالة لدول الاتحاد الأوربي الثمانية والعشرون " أنهم أصبحوا يصطفون إلي جانب المنظات الإرهابية ".. 

وهدد بروكسل بأن مفاوضات أنضمام بلاده إلي الأتحاد الأوربي التي بدأت عام 2005 إن لم تستكمل ، فلن ترتد سلبياتها علي المواطن التركي وحده.. بل سيعاني منها مواطنون كثيرون في معظم أنحاء دوله الـ 28.. 

البرلمان الأوربي يبدي قلق شديد حيال الحملة التى يواصل الرئيس التركي شنها ضد معارضيه منذ وقع الإنقلاب العسكري الفاشل منتصف شهر يولية الماضي.. وأعلن في مناسبات عدة رفضه لأساليب الإقصاء والتهميش التي نالت من حريات اكثر من 120 مواطن تركي تم فصلهم بقرار جزافي من وظائفهم المدنية والعسكرية والأمنية ، وشجب أساليب إضطهاد الإعلاميين والحقوقيين وممثلي الشعب وزعماء الأحزاب المعارضة.. 

الموقف الذي عكسته فيدريكا لا ينفي إعتراضاتها السابقة علي سياسات الرئيس التركي حيال مواطنيه ، ولكنه يكشف عن رؤيتها للمصاعب الجمة التىستتعرض لها دول الإتحاد إذا ما إستغل أردوغان " ورقة اللآجئين غير الشرعين " للضغط علي بروكسل ، من هنا جاء تشجيعها للبرلمان الأوربي علي إعادة النظر في توصيته " إذا ما توقفت أنقرة عن " تدابير القمع التى تنتهجها ".. 

توقف أنقرة المقصود هنا ، وفق الرؤية الأروبية ، يعني إستجابتها لمعايير حقوق الإنسان الـ 72 التى وضعتها بروكسل كأشتراطات يجب أن تبادر الحكومة التركية بتطبيقها حيال مواطنيها ، قبل إستئناف مفاوضات إنضمامها لعضوية الاتحاد.. 

تركيا تري أن تعرضها للإنقلاب الفاشل يفرض عليها تأجيل هذه الخطوة بعض الوقت حتى تستقر أمورها الداخلية ، وتؤكد أن هذه الخطوة السيادية لا يجب ان تؤجل مسيرة إستكمال مفاوضات حصولها علي عضوية الإتحاد الأوربي.. 

لهذا تساءل المحللون.. هل يتفهم الرئيس التركي المحتوي المزدوج لرسالة البرلمان الأوربي ؟؟ ان التجميد ليس مطلوبا لذاته .. وأن حقوق الإنساني التركي هي الهدف من وراءه ، لكي يحصل أبناء الدولة التركية علي حق دخول دول الاتحاد بلا تأشيرة مسبقة ؟؟.. 

يمكن القول.. 

أن الرئيس رجب طيب أردوغان يعي مضمون الرسالة وما تحمله بين سطورها ، ولكنه يٌفضل أسلوب التهديد بفتح بوابات حدوده المشتركة مع دول أوربا أمام اللآجئين الراغبين في الإستيطان في وسطها وغربها !! لأنه يعرف تماماً حجم معاناة كل من ألمانيا وفرنسا من المشاكل التى تسببت فيها موجات مئات الألآف منهم والتى عبرت حدودها منذ عام تقريبا ، ويعرف كيف أثرت علي حكوماتها ومجتمعاتها وسياساتها المالية.. 

وأزعم أنه يستغل الأجواء الإنتخابية التى تعيشها كلتا الدولتين والتى تناهض بعض برامج المرشحين فيها – علي المستوي الرئاسي أو الدوائر النيابية - قضايا إستيعاب اللآجئين الجديد ويرفض تماماً إستقبال المزيد منهم ، لكي يحصل علي بعض التعهدات الإيجابية .. 

علينا ان نتذكر معاً .. 

أن الإتفاق الذي أُبرم بين الطرفين في مارس الماضي أوقف إلي حد كبير موجات المهاجرين غير الشرعين إلي أوربا ، ووفر للخزانة التركية مئات الملايين من الدولارات لكي تنفق علي احتياجات اللآجئين الذين استقروا فوق اراضيها .. 

وأن التعهد الأوربي بمنح المواطنين الأتراك حق الدخول إلي دول الإتحاد الأوربي دون الحاجة إلي تأشيرة مسبقة ، إشترط علي أنقرة أمرين.. الأول وقف الهجرات غير الشرعية إلي أوربا عبر الجزر اليونانية.. والثاني ضرورة العمل علي تحسين سجلها علي مستوي حقوق الإنسان وفق المعايير الأوربية.. 

هنا ينشأ التعارض بين الطرفين.. 

حكومة تركيا تتقاعس عن إستكمال التوصيات التى تطالب بها المفوضية الأوربية.. وفي نفس الوقت يهدد أُردوغان بنقض الإتفاق " لأن بروكسل لم تَف بتعهداتها ، ويتوعد بإجراء إستفتاء شعبي لمعرفة رأي مواطنية.. هل يقبلون بالإنضام لعضوية الإتحاد الأوربي أم لا ؟؟.. 

وهذا في حد ذاته يمثل قلقاً بالغاً لبروكسل.. 

لكن قلقها الأكبر ينبع من إمكانية أن يأمر الرئيس التركي بفتح حدود بلاده الشمالية والغربية أمام اللآجئين ويحرضهم علي إجتيازها بالقوة.. 

 

 

[email protected]