مما لاشك فيه أن العلاقة بين الأسطورة و الفلسفة متداخلة و هي علاقة متشابكة لا يستطيع أحد أن ينكرها وأن يغفل أهمية تلك العلاقة. بعض الفلاسفة يروا أن الأسطورة هي المقدمة الطبيعية و الأساسية لظهور التفكير الفلسفي. بمعني أن التفكير الفلسفي انبثق عن التفكير الأسطوري. و هذا واضح و جلي في بلاد اليونان. حيث سبق التفكير الأسطوري ظهور التفكير الفلسفي. فالتفكير الأسطوري كان يدور حول الآلهة و صراعاتها علي جبل الاولمب. و بعض الفلاسفة و المفكرين يرون أن الأسطورة عامل مشترك في الفكر الإنساني، لان بداية هذا الفكر كانت مثل الطفل الرضيع الذي يحبو أولا ثم يمشي علي قدميه ثم يشب عن الطوق حتى و صل هذا الفكر إلي ما نحن عليه الآن. و يجب أن نشير إلي أن الأسطورة و الفلسفة علي اتصال دائم و مباشر ، و لقد تطورت الأسطورة علي مر التاريخ و مع ذلك ظلت تحظي باهتمام الفكر البشري بداية من عصر الصيد و هي المرحلة التي سبقت العصر الحجري حيث تبدو الصلة و العلاقة بين الأسطورة و الفلسفة غامضة لان عقيدة الإنسان في تلك المرحلة انصبت علي الاهتمام بموارد حياته و في مقدماتها الحيوانات. و في مقدماتها الحيوانات، وفي العصر الحجري ظهرت التمائم التي يعتقد أنها تجلب الرزق. و إذا أردنا أن نعرف الأسطورة لغة فهي الأحاديث المنمقة أو المزخرفة التي لانتظام لها، فهي مشتقة من السطر من الشئ بمعني الصف من الكتاب و الشجر و النخل و نحوها. كما أنها في اليونانية مأخوذة من (Mutho) وتعني حكاية تقليدية عن الآلهة و الأبطال. هذه الحكاية تتحدث عن الآلهة و أعمالهم و نشأتهم ، وهي من اجل هذا المعني اتخذت قديمًا من اجل تفسير كل الظواهر الغير مألوفة. و الأسطورة تحكي قصصا مقدسة تبرز ظواهر الطبيعة مثلا أو نشوء الكون أو خلق الإنسان و غير ذلك من الموضوعات التي تتناولها الفلسفة. إذا موضوعات الأسطورة تعتبر أيضا مادة خصبة للفلسفة لكن التناول مختلف ، الأسطورة تعتمد علي الخيال و الأشياء الغير مألوفة ، و الفلسفة تعتمد علي العقل و المنطق في تناول الموضوعات. و لا يستطيع احد أن ينكر هذا التداخل بين الأسطورة و الفلسفة. و من أهم الأساطير في بلاد الرافدين أسطورة جلجامش التي تحكي عن موضوع الخلود ، كذلك قصة الطوفان التي جاء ذكرها في القران و التوراة. و للأسطورة أنواع متعددة منها الأسطورة التاريخية ، و الأسطورة الدينية و الأسطورة التفسيرية. و إذا كانت الأسطورة تصدر عن حالة عاطفية تتخطي العقل لتنتج صورا ذهنية مباشرة تعكس تلك العلاقة بين الذات الموضوع ، فان الفلسفة تنظر للموضوعات برؤية عقلية. &و يجب أن نشير إلي حقيقة هامة و هي أن ظهور الفلسفة في بلاد اليونان إعلانا عن إحداث قطيعة في التفكير الأسطوري و الانتقال من الخطاب الشفوي الأسطوري إلي الخطاب الفلسفي الذي يعتمد علي الاستدلال العقلي.ورغم هذا إلا أن الأسطورة و ظيفتها في تاريخ الفكر البشري هذه الوظيفة لا نستطيع أن نغفلها أو نغض الطرف عنها ، وفي مقدمة هذه الوظائف تفسير الظواهر الطبيعية و الاجتماعية و الثقافية في مجتمع ما خاصة المجتمعات البدائية. و للتفكير الأسطوري سمات تختلف تماما عن التفكير الفلسفي. التفكير الأسطوري له خاصية القبول المطلق لفكره معينة و بالتالي الرفض المطلق للأفكار الاخري، و هذا عكس التفكير الفلسفي الذي يقبل الرأي الآخر و يغترف به. كذلك التفكير الأسطوري لاعقلاني أما التفكير الفلسفي فهو عقلاني. و خلاصة القول أن الأسطورة و الفلسفة بينهما و وشائج قربي و يعتبر بعض المفكرين أن الفلسفة قد اكتشفت في الأسطورة البناء الوجودي والصورة الأصلية التي تعبر عن ارتباط الإنسان بالواقع و الحياة . و لقد اعتبر فلاسفة اليونان أن الأسطورة هي الحقيقة في صورتها الرمزية و علي الفلاسفة أن يرفعوا الحجاب عن هذه الحقيقة الرمزية ، فكان الأسطورة تخفي الحقيقة و تأتي الفلسفة لإظهارها.

الدكتور م عماد الدين ابراهيم عبد الرازق اكاديمي مصري