خاص بايلاف من جنيف: أعلنت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان في عام 2011 أن حرية الرأي وحرية التعبير شرطان لا غنى عنهما لتنمية أي شخص بصورة كاملة، وضروريتان لأي مجتمع، وتشكلان حجر الأساس لكل مجتمع حر وديمقراطي، وأن وجود صحافة حرة بلا رقابة وبلا عوائق أو غيرها من وسائل الإعلام ضروري لضمان هذه الحريات في المجتمع. لكن ربما يخضع الحق في حرية التعبير لقيود معينة شريطة ألا تُفرض إلا بموجب القانون وحين تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة.

 

 

مقتل 600 صحفي 

بناءً على ذلك، لا يجوز فرض أي قيد على عمل المواقع الالكترونية أو المدونات أو أي منظومة لنشر المعلومات الكترونية إلى تستند الانترنت أو سواها، بما في ذلك منظومات تدعم اتصالات كهذه مثل شركات خدمة الانترنت أو محركات البحث، إلا بقدر ما تكون منسجمة مع التحديد الذي ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

شهدت السنوات العشر الماضية مقتل أكثر من 600 صحفي واعلامي ومدون في العالم، وهي زيادة حادة مقارنة بالسنوات السابقة. وارتفع أيضًا عدد الاعلاميين الذين يتعرضون لاعتداءات غير قاتلة، مثل الاصابة بجروح أو الاغتصاب أو الخطف أو المضايقات أو الترهيب أو الاعتقال غير القانوني. وتتفاقم هذه المشكلة بشدة حين لا يُقدَّم مرتكبو هذا الجرائم إلى العدالة، ويسود الافلات من العقاب.

يستطيع الصحفيون والاعلاميون أن يؤدوا دورًا مهمًا في حماية المدنيين ومنع حصول النزاعات، بعملهم كجهاز إنذار مبكر في تحديد الأوضاع التي يمكن أن تسفر عن إبادة جماعية وجرائم حرب وتطهير عرقي وجرائم ضد الانسانية وتغطيتها. كما يمكن أن يؤدي التثقيف والتدريب في مجال القانون الانساني الدولي دورًا مهمًا في دعم الجهود الرامية إلى وقف الاعتداءات على المدنيين المتأثرين بالنزاعات المسلحة، بمن فيهم الصحفيون والإعلاميون، ومن لهم صلة بالعمل الاعلامي.

 

لقراءة النص باللغة الانكليزية
The safety of journalist as a pre-condition to strengthening peace and development worldwide

 

المعرفة مهمة

في عام 2011، خلص المؤتمر الحادي والثلاثون للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن الدول المختلفة تدرك أن عمل الصحفيين وغيرهم من المهنيين الاعلاميين والكوادر ذات الصلة يمكن أن يساهم بقسط مهم في المعرفة العامة بانتهاكات القانون الانساني الدولي وتسجيل المعلومات عنها. وأكد المؤتمر أن الصحفيين يؤدون مهمات مهنية خطيرة في مناطق النزاع المسلح، ولا يكونون هدفًا للهجمات إلا إذا كانوا مشاركين في العمليات القتالية بصورة مباشرة، وفي خلال مشاركتهم فيها.

في 12 أبريل 2012، أقر مجلس المدراء التنفيذيين في منظومة الأمم المتحدة لشؤون التنسيق خطة عمل الأمم المتحدة في شأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، التي دُعيت فيها وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها إلى العمل مع الدول الأعضاء نحو إشاعة بيئة حرة وآمنة للصحفيين والإعلاميين في مناطق النزاع، والمناطق الخالية من النزاع، بهدف تعزيز السلام والديمقراطية والتنمية على الصعيد العالمي.

في 10 فبراير 2016، أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 70/162 في شأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب داعية فيه الدول إلى التعاون مع كيانات الأمم المتحدة ذات الصلة، خصوصًا اليونسكو والهيئات الدولية والإقليمية لحقوق الانسان، بما في ذلك الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الانسان، وتبادل المعلومات على أساس اختياري عن وضع التحقيقات في اعتداءات وأعمال عنف ضد الصحفيين.


 

فاعلية الآليات

صدرت في إطار المعركة ضد الإفلات من العقاب عن اعتداءات واعمال عنف ضد الصحفيين تقارير تتناول الإجراءات الخاصة لمجلسك الأمم المتحدة في شأن سلامة الصحفيين، وتقارير المقررين الخاصين عن تعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع والاعدامات الكيفية أو التعسفية خارج اطار القانون وحمايته. 

في سبتمبر 2016، أصدر مجلس حقوق الانسان قرارًا في شأن سلامة الصحفيين، طلب فيه من مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان اعداد عرض عام للآليات المعنية بضمان سلامة الصحفيين، بما فيها آلية الرقابة والشكاوى الدولية والإقليمية الموجودة لتحليل فاعليتها، بالتشاور مع الدول ومع الآليات نفسها وسائر الأطراف ذات العلاقة.

ودعت الجمعية العامة مرارًا وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها وصناديقها وبرامجها إلى تبادل المعلومات بنشاط، من خلال نقاط مركزية محددة لتنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة في شأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، بالتعاون مع الدول الأعضاء وفي ظل تنسيق عام تمارسه اليونسكو.

وعملًا بقرار اتخذته الدورة التاسعة والعشرون لمجلس البرنامج الحكومي الدولي لتنمية الاتصال التابع لليونسكو، المنعقدة في 20 و21 نوفمبر 2014، على جميع الدول إدراج حرية التعبير وحرية الصحافة ضمن الأهداف الستة عشر للتنمية المستدامة مابعد 2015، وخصوصًا سلامة الصحفيين ومسألة الافلات من العقاب بوصفها بوابة رئيسة لتحقيق هذه الأهداف التي تسعى إلى دعم بناء مجتمعات سلمية جامعة من أجل التنمية المستدامة وتوفير العدالة للجميع.

 

 

الحرية والتنمية

من بين القرارات التي اتخذها المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته 196 التي عُقدت في باريس في 22 مايو 2015، يتميز القرار الخاص بسلامة الصحفيين ومسألة الافلات من العقاب الذي يطلب فيه المجلس التنفيذي من المديرة العامة تعزيز دور اليونسكو القيادي في تنسيق عملية تنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة في شأن سلامة الصحفيين ومسألة الافلات من العقاب، بالتعاون مع الدول الأعضاء من خلال تقوية آلية التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة التي أُنشأت بموجب خطة العمل هذه، ودعم استخدام المعلومات في التقرير البحثي حول "الاتجاهات العالمية في حرية التعبير والتنمية الاعلامية" الذي أعدته وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة خصوصًا خلال المراجعة الدورية العامة لمجلس حقوق الانسان.

وفي سياق النقاش الجاري حاليًا في شأن سلامة الصحفيين في إطار مجلس حقوق الإنسان بدورته الثالثة والثلاثين، نظمت البعثات الدائمة للنمسا والبرازيل وفرنسا واليونان والمغرب وتونس وقطر واليونسكو والمادة 19 فاعلية على هامش الدورة، بعنوان "سلامة الصحفيين وحقوق الانسان والتنمية المستدامة" في 23 سبتمبر 2016 في قصر الأمم في جنيف.

الواقع أسوأ 

قال فرانك لا رو، مساعد المديرة العامة لليونسكو لشؤون الاتصالات والمعلومات، إن خطوات مهمة جدًا اتُخذت وتحسنًا مهمًا جدًا تحقق في مسألة ضمان سلامة الصحفيين.

في الحقيقة، جرى الإبلاغ عن كثير من الحالات، لكن الواقع كان أسوأ، كما يتبدى في الاعتداءات الجسدية على الصحفيين والزيادة الحادة في المضايقات الجنسية ضد الصحفيات.

وأعلن لا رو في هذا الشأن أن بحث قضايا المدافعين عن حقوق الانسان مسألة وثيقة الصلة بهذا الموضوع وذات أهمية بالغة، فالديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في المنظور الأساس من دون مشاركة المجتمع المدني مشاركة حقيقية، والتنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا على أساس إمكانية وصول الجميع إلى المعلومات بصورة كاملة. لذا، من المهم إجراء تحقيق في الوضع حين تحدث مضايقات أو أعمال عنف ضد الصحفيين. ولاحظ لا رو أن اليونسكو اقترحت أجندة بشأن سلامة الصحفيين ودعمتها، وأن التزامًا يقع على عاتق كل دولة يلزمها أن يكون لديها آليتها الخاصة في هذا الشأن. يضاف إلى ذلك أن لا رو اقترح تناول قضية الدفاع عن حقوق الإنسان وسلامة الصحفيين معًا، "والمطلوب توافر أربعة عناصر، هي الإطار القانوني وبناء قدرات الصحافة من خلال سياسة ملموسة واعتماد اجراءات فورية لإنقاذ الحياة والتحقيق الكامل في حال وجود وضع خطر كأي قضية تتعلق بحقوق الانسان".

 

 

حق طبيعي

إلى ذلك، شددت بيغي هيكس، مديرة قسم مسائل الارتباط والإجراءات الخاصة والحق في التنمية في مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان، على أن المكتب يعمل بصورة وثيقة مع اليونسكو ومنظمة العمل الدولية للتأكد من توافر المعلومات في متناول الجميع، وعدم الاعتداء على الصحفيين استنادًا إلى ما يُجمع من مصادر ومؤشرات. لكنها أكدت أن النتائج المتحققة من المؤشرات والبيانات تغطي جوانب محدودة جدًا من الواقع، "ولهذا السبب ما زلنا نحتاج إلى التوقف عند الكثير من المضايقات والانتهاكات التي تُرتكب خارج هذا الاطار". 

يبذل مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان جهوده الحثيثة لتحسين عمله في هذا الشأن بوجوده الميداني وآليات المراقبة وحقوق الانسان في عمليات السلام التي تغطي سلامة الصحفيين وتقديم الدعم في حال الانتهاكات والاعتدءات على الصحفيين والاعلاميين.

في الختام، تجدر الإشارة إلى أن القمة العالمية حول مجتمع المعلومات والوثائق العشر للمراجعة رفيعة المستوى لتنفيذ نتائج القمة عام 2014 خلصت إلى أن الاعلام يجني فوائد جمة من توسيع دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تستطيع أن تعزز مساهمته في تحقيق أجندة التنمية المستدامة لمابعد 2015. وبالتالي، فإن الحق في حرية التعبير، كما ورد في المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حق ضروري لدور الاعلام في مجتمعات المعلومات والمعرفة.

* ترجمة عبد الاله مجيد