الدكتور أحمد الخطيب...رموز نضال سياسي تكونت وتطورت، وكنوز وطنية اجتمعت وتوحدت في الزمان الغاضب والعابس والجميل والقبيح من أجل وطنه الكويت ودولة الدستور...رمز وطني كويتي ومناضل عروبي لا ينكره التاريخ ولا يتكرر.

الدكتور أحمد الخطيب لم يكن شتاتاً في ذاكرة التاريخ القديم والحديث، ولم يدنس جبهته بعار التنازل والاستسلام والخنوع والمساومة والمهادنة، فقد كان المناضل المبتسم لخصومه والسياسي الصلب والرمز الوطني في حنجرته وقلمه ومواقفه حتى وفاته في 6 مارس 2022.

نذر الدكتور أحمد الخطيب زهرة شبابه لوطنه الكويت وعز شعبها وبلاده، فقد سطر مع رفاقه ملاحم وطنية من أجل دولة الدستور في الكويت متحدياً عواصف غضب المشيخة ومتحملاً أعباء سياسية ثقيلة للغاية واجتماعية متشعبة، فهو الطبيب الإنسان والمناضل الشرس.

دمج كتاب "ذكريات العمل الوطني والقومي" الذي خرج حديثاً إلى نور النشر كتابي “الكويت من الإمارة إلى الدولة" و "الكويت من الدولة إلى الإمارة" للدكتور أحمد الخطيب الذي اختار المراجعة والتصحيح والتنقيح والتحديث في حياته محتضناً المعالجة الرصينة والرأي الحصيف.

الدكتور أحمد الخطيب، الرمز الوطني، احتفى بسعة صدر الحكيم الوطني والسياسي المخضرم ملاحظات ومناقشة الأخ الكبير الأديب الدكتور خليفة الوقيان مرحباً منذ اللحظات الأولى بالإثراء ومعبراً عن عظيم الامتنان لمنهج ومبادرة "الوقيان" الواثبة نحو التوثيق والتدقيق لمذكرات العمل الوطني والقومي.

في صباح الثلاثاء 13 يوليو 2021، توج الدكتور أحمد الخطيب والدكتور خليفة الوقيان "الحوار الثري" بالاتفاق على المراجعة والتصويب والتصحيح وقد كان لي شرف ثقة الطرفين والمتابعة والتنسيق.

بادر الشاعر الدكتور خليفة الوقيان في 14 يوليو 2021 في تقديم بخط يده "بيان بالملاحظات المتعلقة بكتاب الكويت من الإمارة إلى الدولة-ذكريات العمل الوطني والقومي" وسلمها بنفسه إلى الرمز الوطني الدكتور أحمد الخطيب ونسخة أخرى لي للتوثيق والحفظ.

لم يتردد الدكتور أحمد الخطيب في مراجعة كتابيه، فهو الرمز الوطني الحكيم الذي لا يتنكر للرأي الأخر ولا العمل الجماعي في الإصلاح والتطوير والتوثيق، فعقله لم تخترقه الفجوة السياسية والاجتماعية ولم تستقر الأنانية في وجدانه.

لقد استقر الراحل الدكتور أحمد الخطيب على فكرة المراجعة والتصحيح والتصويب والتنقيح لمذكراته بمبادرة شخصية وهو على قيد الحياة دون الانحياز لذاته وآراءه كما يفعل المتحجرون والمزورون والناكرون فاتحاً المجال والميدان للباحثين والسياسيين للاستفادة والاستزادة والإثراء.

لم يتعب الدكتور أحمد الخطيب طوال عمره من الخصوم السياسيين وأعداء الديموقراطية والحريات والدستورية والعدالة الاجتماعية، بل ازداد قوة وصلابة في المواجهة والنضال والحرص على تبادل الرأي مع صناع القرار والمراجع السياسية في الكويت.

ودع الدكتور أحمد الخطيب الحياة دون أن يحقق أمنيته في عودة نادي الاستقلال، فمفهوم الهزيمة والانتصار والخسارة والربح لم تتغير حكومياً من العمل الوطني وظلت الحكومة الممتدة، المتعاقبة، منحازة للتيار الديني، فهي تشعر بالأمن والأمان مع هذا التيار، وازدادت تمسكاً...ربما!

وودع الحياة الدكتور أحمد الخطيب تاركاً إرثاً من الكنوز الوطنية ليكون الجميع وصياً عليها وليس فرداً أو جماعة أو عائلة، فالزيارة الجديدة للتاريخ والتعلم من دروسه مفتوحة للكل من دون استثناء، فالعمل الوطني واخباره نلقاها في مجلد "ذكريات العمل الوطني والقومي".

كنوز العمل الوطني للدكتور أحمد الخطيب تتجدد في مجلد من 669 صفحة بمراجعة دقيقة وعناء شخصي من الأخ العزيز الدكتور خليفة الوقيان الذي ما زال يكابد آلام السنين وينتظر اعتراف الدولة في تاريخ "الثقافة في الكويت" وولادة أفاق ثقافية واعدة.

الدكتور أحمد الخطيب رمز سياسي لا يتكرر في حين السلطة الممتدة، الحكومات المتعاقبة، في الكويت تتكرر ولا تتغير سوى في الأسماء، فالتوثيق والتطوير والتجديد منهج غير مقبول حكومياً!

وتظل جزل الكلمات والمناجاة لروح فقيد العمل الوطني الكويتي، الدكتور أحمد الخطيب، في قصيدة "منارة العشّاق" للشاعر الدكتور خليفة الوقيان...معاني لا يطويها النسيان واستحضار يفرضه زمن عابس يأبى التغيير والتطوير:

منارة العشّاق

تَغيبُ وعِطرُ ذِكْركَ لا يغيبُ

ومِثلُكَ لا تُغَيّبُهُ الدروبُ

جَسارةُ موقِفٍ وثَباتُ رأيٍ

وعزمٌ لا تُزَعزعُهُ الخطوبُ

تَزاحمت المفاخِرُ فيكَ تَتْرى

خَصِيبٌ اَمْ طَبيبٌ اَمْ خَطيبٌ

جَمَعتَ مكارمَ الأخلاقِ طُرّاً

سماحةُ عارفٍ ونَدىً وطِيبُ

أبا العَزَماتِ تَقهرُ كُلَّ صعبٍ

فأنتً لكلِّ نازلةٍ طَبيبُ

عَركْتَ عواصفَ الأيامِ لَمّا

تَسَنّمَ مَتْنَها قَدَرٌ عصيبُ

فكنتَ منارةَ العُشاقِ سَعياً

إلى فجرٍ تُطالعُهُ القلوبُ

العمل الوطني الكويتي ليس بخير فقد استفحل التشرذم والتمرد والخلافات والمنازعات في جسده وغابت هويته عن العمل البرلماني بمباركة وتشجيع حكومي، والانتصار يسجل للحكومة والهزيمة تسجل للدولة فالأزمة، بالتأكيد، ليست في دستور الدولة ولا الديمقراطية.

العمل السياسي عموماً والبرلماني والحكومي خاصة بحاجة إلى عملية انقاذ عاجلة وجراحة غير مستحيلة عبر حوار وطني بمباركة الدولة دون استثناء لكافة الأطراف، وبمشاركة مؤسسات المجتمع المدني والسلطتين واهل الرأي، فقد أنهكت الدولة الصراعات في حين أطراف الأزمة مستمرة في منازعاتها!

*إعلامي كويتي