فاجأتنا إسرائيل، أمس، بتنفيذ عملية عسكرية في رفح، وصفتها بأنها محدودة للغاية وتهدف إلى الضغط على حماس للقبول باتفاق الهدنة، بينما تؤكد الحركة أنها لن تتنازل عن شروط وقف إطلاق النار.

ووفقاً لما أعلنته إسرائيل، من المقرر أن يسافر وفد إسرائيلي إلى مصر في الساعات المقبلة لتقييم مدى إمكانية تغيير حركة حماس لموقفها بخصوص مقترح وقف إطلاق النار، وإذا تم التوصل إلى اتفاق حقيقي في المستقبل القريب، سيترأس كبار المسؤولين الوفد.

المعطيات الحالية تشير إلى أنَّ هجوم إسرائيل على رفح سيرسم مساراً مغايراً للحرب، وسيجبر حماس على القبول بشروطها، وإلا نفذت اجتياحاً كاملاً لرفح في مشهد لا يحمد عقباه، وسيعصف بالجميع. فهل حقاً ستكون تل أبيب جادة في وقف إطلاق النار، وهل تستجيب قيادات حماس وتحقن الدماء بقبول شروط هدنة كاملة؟

أعلنت حماس خلال الساعات الأخيرة قبولها المقترح المصري القطري للهدنة، وقد تحدد الأيام المقبلة ما إذا كان يحيى السنوار، زعيم المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، سيعطي الأولوية لمصالحه الشخصية أو الصالح العام في غزة بالتنازل عن بعض شروطه وقبول الهدنة وحقن دماء المدنيين، خاصة أنَّ أداة القتل الإسرائيلية لا تتوقف!

ربما أخطأت حسابات السنوار بشأن غزة بإصراره وتمسكه بشروطه الكاملة لوقف الحرب دون أن يراجع انعكاسات الطوفان السلبية على شعب غزة وارتداده على حركة حماس بشكل سيئ. والواضح من الوهلة الأولى للحرب أنَّ السنوار حاول أن يظهر في ثوب الزعيم الفلسطيني الكبير الذي استطاع إرباك إسرائيل بهجوم لم يسبق له مثيل في التاريخ الفلسطيني منذ النكبة، إلا أنَّ المراجعة الموضوعية للحرب ومآلاتها تكشف أنَّ تصورات السنوار الشخصية المبنية على الهوس بالزعامة قادت إلى سيناريوهات خطيرة جداً على مستقبل قطاع غزة، الذي يوشك أن يقع مجدداً في قبضة الاحتلال بعد عشرين عاماً من انسحاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون منه.

إقرأ أيضاً: حماس.. ما لها وما عليها

كانت شروط السنوار لقبول مقترح وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، تتمثل في ثلاث مراحل للهدنة، كل مرحلة مدتها 42 يوماً. المقترح يتضمن انسحاباً كاملاً من غزة وعودة النازحين وتبادل الأسرى، واشتراط أن يتضمن الاتفاق عودة الهدوء المستدام مع وقف العمليات العسكرية ووقف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أوقات معينة، وكذلك عودة النازحين بدون أي شرط، وإعادة إعمار غزة تحت إشراف قطر ومصر ومنظمات دولية، وكذلك تبادل الأسرى سيتم على ثلاث مراحل، الأولى تتضمن ما تبقى من نساء من مدنيين وعسكريين والمجندات الإسرائيليات، والأطفال وكبار السن والمرضى.

وفي المرحلة الثانية سيتم وقف العمليات العسكرية، ومن كان موجوداً حياً في قطاع غزة من الـ33 الذين طلبته إسرائيل فسيتم الإفراج عنهم وإلا فسيتم تحرير جثثهم، مع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.

ومن الواضح أن السنوار لا يريد التعجل في إنهاء الاتفاق مع إسرائيل أو تحقيق الهدنة لصالح أهالي غزة، لأنه يعلم تداعيات هذا الاتفاق بالنسبة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، كما أنَّ هدفه بقاء مشروع المقاومة والبقاء على رأس الحركة وعودة غزة مجدداً إلى سيطرة حماس، حتى وإن كان الثمن استمرار الحرب وإبادة كل ما هو فلسطيني، وهذا لا يهم ما دام الدعم الإيراني للحركة لم يتوقف، والذي قدر بمبلغ 222 مليون دولار خلال ست سنوات.

إقرأ أيضاً: مصالح السنوار الشخصية تغلب على أوجاع شعب غزة

السنوار أخطأ في المرة الأولى عندما قرر أن ينفذ أجندة إيران وخطط للعملية بخيارات محدودة ودون تحديد حسابات الربح والخسارة بوضوح، ملقياً على عاتق قادة حماس في الخارج ثقل العملية التفاوضية المعقدة وغير المضمونة، ثم أخطأ مجدداً عندما حدد شروطاً معقدة في الربع ساعة الأخير من المرحلة الحاسمة في الحرب وهنا نقصد اجتياح رفح، وكل هذا انعكس سلباً على حماس وقياداتها في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم في ورطة البحث عن ملاذ آخر بعد أن انتقمت قطر من الحركة بسبب تطبيع علاقاتها مع سوريا، وترددت تركيا في فتح باب الاستضافة خشية أن تضع نفسها محل شبهة. وعلى العموم، لن تحدد الأيام القليلة القادمة مصير السنوار وحماس فحسب، بل ستحدد أيضاً مستقبل غزة ومستقبل المنطقة على المدى الطويل، وما نخشاه أن تكون خطيئة السنوار هي مقدمة لعودة احتلال سيجثم على ظهور الفلسطينيين في قطاع غزة ربما لعقود قادمة.