"إيلاف" من بيروت: رحلت الفنانة القديرة منى مرعشلي باكراً، لكن شمسها سبقتها بالمغيب. فرحيلها لم يكن بالأمس القريب بل منذ سنوات خلت حين دُفِنَت حية في ذاكرة الحاضر الذي لم يرحم فنها من العتمة! ربما تكون قد ارتاحت من عناء تجاهلها في هذا الزمن الرديء الذي تنكر لأصالتها وراح يسلط الضوء على الصورة ليُبهر الجمهور بخصرٍ نحيل وقوام رشيق تُطرَب له العيون الفارغة وسط صمّ الآذان الموسيقية مع القليل من الإستثناءات!

منى مرعشلي وغيرها من الفنانين الكبار غابوا قسراً لا بل تم تغييبهم قبل رحيلهم جسداً. فهل نسيتم الكبير عصام رجي والخامة المميزة سمير يزبك؟ أين هي ميشلين خليفة وأحمد دوغان؟ أين هي رونزا وفاديا طنب الحاج وأين نهاد فتوح وطوني حنا وإيلي الشويري ونهاد طربيه وغيرهم من الكبار؟ وأين مستقبل الفن اللبناني في ظل التغييب المستمر للمبدعين الذين يسقطون ضحايا مقولة "الجمهور عاوز كده" التي دمرت القيم الفنية فيما يُسمّى عصر السرعة الذي نعيشه ونفتقد فيه لمتعة الإصغاء بضوضاء حفلاتٍ لم يعد فيها الفن متعة بصوتٍ يُطربنا، بل غدت رقصاً على إيقاع كأسٍ ممجوج يتعدى على قدسية النغم!

غابت شمس المغارب جسداً وهي صاحبة الضحكة المحببة والروح العفوية والقلب الطيب الذي أحب الجميع. رحلت بخامتها الصوتية الفريدة وأدائها المتمكن الذي لم يسعفها للصمود بقوة على الساحة الفنية أمام التنورة القصيرة والصدور العارمة! فقوامها الذي اكتسب وزناً لم يعجِب نواطير الفن، في وقتٍ صمتت ألسنة الأقلام عن العتب على التقصير معها من قِبَل وسائل الإعلام بمعظمها. فالصحافة أيضاً غيبتها، ولم تأتِ على ذكرها إلا نادراً قبل أن تلقظ أنفاسها الأخيرة! وها هم اليوم يعيدونها إلى الذاكرة بعد أن دقوا المسامير في نعشها قبل وفاتها. فكم منى مرعشلي سندفن بعد؟ وكم سنقسو على سجلنا الفني بالتشويه بعد؟ وإلى متى سنسمح بهذه الفوضى التي لا نستفيق منها إلى على جرس الموت؟!

رحلت منى مرعشلي جسداً عن عمر 58 عاماً أما سجلها الذهبي فقد انطبع في ذاكرة الفن الراقي بأغنيات كوكب الشرق أم كلثوم التي أبدعت بأدائها إلى جانب أعمالها الخاصة. اليوم تصدرت صفحات التواصل الإجتماعي روابط أغنياتها، وانتشرت على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية صورها، اليوم يرددون "لك شوقة عندنا" "شمس المغارب"، "يا شمس عمري غيبي"، "مالي ومالك يا هوى"! كفاكم تباكي على منى مرعشلي، أخالها تصرخ بكم "تركني إنسالي إسمي.. فلترحموا من بقي بينكم حياً من المبدعين. فحبذا لو تُعطون الكبار حقهم قبل رحيلهم".
المؤسف فعلاً أن أغاني وأعمال منى مرعشلي قد استفاقت على وقع موتها.. وكأنها خرجت بموتها من العتمة إلى النور!