إيلاف من بيروت: خالفت نهاية مسلسل "يا ريت" أبعاد عنوانه، فكانت إيجابية سعيدة بمعظم محطاتها رغم الحدث الفاجعة الذي أودى بحياة مي صايغ ووسام حنا الذي لعب دوراً مركباً في هذا المسلسل فكان موفقاً في بعض المشاهد وأخفق في بعضها، علماً أن صورة "الدون جوان والرجل" الأنيق تليق به أكثر لكونها انطبعت بالبال، لكنه بالفعل تحدى نفسه وأثبت نقلةً نوعية في أدائه كممثل.

فالدموع التي سيطرت على حياة معظم النجمات في معظم الحلقات، والحزن الذي كان حليف الندم في الحب وفي الارتباط غير الكفوء، إضافةً إلى المعاناة التي نقلها المسلسل عن واقع اللاجئين السوريين وأوضاعهم الصعبة في التشتت بين لبنان والعالم، قد اضمحلوا في الحلقة الأخيرة التي عاكست كل هذه الوقائع بطريقةٍ مفاجِئة حتى لو ارتبطت بتسلسلٍ منطقي إلى حدٍ ما.

في علاقة ماغي أبو غصن بين مكسيم خليل وقيس شيخ نجيب نجد أن الندم سقط اعتباره بانفصالها عن "خليل" وابنته وعودتها لـ"نجيب" مع الإشارة إلى أن وداعها للفتاة لم يكن مقنعاً بهذه البساطة! كما أن المياه عادت لمجاريها بينها وبين حبيبها بطريقة طفولية لا تحاكي معاناتها طوال هذه السنوات، بل تدغدغ خيال عشاق النهايات السعيدة في الروايات العاطفية، في وقتٍ كان المشهد بين "خليل وابنته" أقرب إلى المنطق، كما أن خسارته للسيدتين اللتين وقع بحبهما كان متوقعاً رغم المفاجأة التي تمثلت بسفر باميلا الكيك إلى إيطاليا لتتابع دراستها للرقص في معهدٍ مهم، لكن، مشاهد الرقص التي عُرِضَت لها في نهاية الحلقة بانت مركبة!

نجوم بأدوار ثانوية
مارينال سركيس نقلت إلى المشاهدين عدوى القلق والتوتر الدائم في أدائها، حيث أن الحزن كان مبالغاً فيه بدورها الذي أظهرها في الكثير من الأحيان بصورة السيدة غير الطبيعية التي تحتاج لرعاية طبيب نفسي! أما الدور الذي لعبه الفنان القدير جوزيف بو نصار فلم يكن منصفاً لهامته الفنية لكونه ثانوياً رغم المساحة التي أخذها في سياق الأحداث، والأمر نفسه ينطبق على نهلة داوود رغم النهاية السعيدة والفرح العارم في زفافهما العفوي الذي نظمته "الكيك" بصفتها ابنة "بونصار" الذي ظهر ببعض اللقطات اللافتة ضاحكاً وراقصاً بدورٍ جديد بعد ان اعتدنا عليه بأدوارٍ جدية. لكن هذا المشهد السعيد قد عانى هذا من المط والتطويل بطريقةٍ مجحفة.

 

تناقضات
الأمر نفسه ينطبق على العرس الذي أقامه اللاجئون السوريون في الحلقة الأخيرة. فقد طالت وتكررت المشاهد والزغاريد والتأويهات وأعيد مشهد العرس من الطائرة أكثر من مرة. والأهم، أن هذا المشهد حمل تناقضات كبيرة بين واقع حال اللاجئين وعدم يسرهم والملابس التي ارتدوها في حفل الزفاف والضيافة التي قدموها، حيث بدا معظهم بحلة فرح ولم يرسم الزفاف ملامح المعاناة ولا قهر اللاجئين، علماً أن معظم الممثلين بالأدوار السورية كانوا قد أجادوا بنقل واقع الحال بطريقةٍ لافتة في سياق الحلقات السابقة، وكان أداء الممثلة القديرة منى واصف مبدعاً بعفويتها وتلقائية تنفيذها للمشاهد، حيث أنها أضافات لهذا العمل أكثر مما أضاف إليها.

الخيانة الروحية
في السيناريو كانت الحبكة جيدة لكن مع غياب العبارات التي تُحرّك المشاعر في الصميم، وفي الأداء يمكن القول أن ماغي أبو غصن قد استدركت أخطائها السابقة وكانت أكثر تفاعلاً وحركة، لكنها يجب أن تخرج أكثر من الجمود مع الإشارة إلى أن زوجها المنتج لم يقع هذه المرة بخطأ إبراز دورها على حساب الممثلين الآخرين.

أما مكسيم خليل، فهو ممثل قدير كان هذا الدور أصغر من قدراته رغم واقعية نقله لمشهدية حبه المزدوج وتعلقه بصدق بامرأتين دق قلبه لكليهما بالتساوي. ولقد تميزت "الكيك" بأداء دورهاهذه المرة، فخرجت من عباءة البنت الدلوعة ولم يكن دورها مكرراً وان كانت نهاية حبها غير منطقية برأي الكثيرين.

بدوره قيس شيخ نجيب قدم دوراً مؤثراً ولو كانت مساحته القصيرة، فقد أثبت أن مساحة الدور لا تقيّم نجاحه لأن المهم هو الأداء وفاعلية الدور في سياق الأحداث.

أما في الإخراج، فقد كانت المشاهد بالإجمال متماسكة ونقلت للمشاهد صوراً جميلة من بقاع التصوير، إلا أن الحلقة الأخيرة قد عانت التكرار والإطالة بطريقةٍ غير مبررة، لتأتي النهاية حاملة مفاجآت لم تحاك التوقعات مع ضرورة الإشادة بالمشهد المأساوي الذي ترابط تنفيذه بين خطف "أبو غصن" وانتحار "حنا"، الذي أغرق عيون المشاهدين بالدموع.

في المحصلة، يمكن القول أن مسلسل "يا ريت" كان عملاً درامياً لبناني المنشأ على مستوى جيد، مع أننا ننتظر من القيميين على الدراما اللبنانية جهداً أكبر لجهة السيناريو والإنتاج، رغم أن هذا العمل لم يُتعِب المشاهدين بالملل بل حمل الكثير من المفاجآت والتقلبات، إلا أن بعض أحداثه التي كانت غامضة للممثلين في أدوارهم كانت مكشوفة للمشاهدين كخيانة "الكيك" لشقيق "أبو غصن" قبل أن تكشف بدورها خيانة زوجها. لكن الحق يقال، لقد عالج هذا المسلسل مشهدية الخيانة الروحية بواقعية مثلى. حيث أنه يحاكي حالة وقوع رجل بحب سيدتين وهي حالة تحصل في كثير من الأحيان لا إرادياً، وناقش قصة الأخلاق وتحدياتها مع المشاعر العفوية التي تنبض إحساساً تلقائياً، لكن، نهاية "خليل" كانت ظالمة بحقه- ربما برأي البعض الذين تعاطفوا معه بسبب خسارته المزدوجة- رغم أن المنطق يقول بأنه لن ينجح بالاختيار والمفاضلة بينهما ولن يسعد بالعيش مع إحداهما، فكانت النهاية أكثر واقعية بانسحابه من حياتهما ليعطي اهتمامه لابنته مع احتفاظه بحبهما معاً ليبقى الزمن كفيلاً بتطبيب جراحه!