هي تجربة غنائية مختلفة عن النمط السائد في الساحة الموسيقية المغربية، وتتمثل في قيام مجموعة من الشباب الذكور، بأداء أغنيات من التراث الشعبي القديم، والرقص بأقدام حافية، مرتدين فساتين نسوية، بأقراط في أذانهم، و"باروكات" شعر فوق رؤوسهم، وحلي في أعناقهم، ولمسات من مساحيق التجميل على ملامحهم، مع احتفاظهم بالشوارب واللحي.

إيلاف من الرباط: هذه المجموعة المثيرة للجدل، أحيت أخيرًا في الرباط، حفلًا فنيًا ساهرًا، تحت عنوان " كباريه الشيخات"، (الملهى الليلي للمغنيات الشعبيات)، أمام جمهور غفير من الشباب ازدحمت به جنبات القاعة عن آخرها. واستطاعت أن تلهب جو السهرة من خلال الأغاني المحملة بالإيقاعات ومختلف التعبيرات الشعبية، التي دفعت بالحاضرين، وضمنهم بعض الأجانب، إلى الرقص.

الفكرة والبداية
وكان هؤلاء الشباب قد خلقوا الحدث لدى مشاركتهم، خلال فصل الصيف الأخير، في مهرجان "البولفار" لموسيقى الشباب، في مدينة الدار البيضاء، حيث اختلفت الآراء حول شكلهم الفني بين محبذ ومنتقد.

&اندماج في أداء الغناء الشعبي

وفي حديث مع "إيلاف المغرب"، قال غسان الحاكم، مخرج العرض، إن هذا العمل الفني، المتمثل في "كباريه الشيخات"، كان في الأصل مشروع نص مسرحي يتمحور حول شباب يعشقون "فن العيطة"، (الغناء الشعبي القديم)، وتدور فكرته حول اختبائهم ليلًا في حمّام شعبي للتداول في هذا الموروث، قبل أن تتبلور في شكل عرض فرجوي موسيقي، من خلال إطار فني هو "الكباريه".

ذكر أن التدريبات الأولى بدأت في بهو مطعم، مع فرقة "جوق التمثيل البيضاوي"، (نسبة إلى الدار البيضاء)، ومن هناك كانت الانطلاقة، بتقديم أول عرض في مايو 2016، داخل إحدى قاعات العرض، فنالت استحسان الجمهور، مما شجع الشباب على المضي قدمًا في هذا الاتجاه.

إشكال المظهر
بخصوص الإشكال المرتبط بالمظهر، أوضح الحاكم، وهو خريج المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي في الرباط، وابن المخرج عزيز الحاكم، وحاصل على "ماستر" في فنون العرض في باريس، أن " الصدمة لدى المتلقي كانت في الأول لدى رؤيته لشباب بألبسة وفساتين نسائية، الأمر الذي أثار استغرابه، قبل أن يتآلف مع هذه المجموعة الفتية، التي تسعى إلى خدمة الموروث الفني وتقديمه إلى الأجيال الجديدة".

وصلة رقص وغناء

وشدد الحاكم على أن رفاقه في فرقة "جوق التمثيل البيضاوي" يسعون إلى محو الصورة النمطية عن الشيخة، (المطربة الشعبية)، التي حاول الاستعمار الفرنسي ترويجها عنها، علمًا أنها كانت فنانة مناضلة ومنخرطة في المقاومة، ولطالما دعت من خلال غنائها إلى زرع القيم النبيلة، مثل الكفاح وغيره، وسط المجتمع.

ذخائر التراث
وفي جواب له عن سؤال حول نوعية الأغاني المقدمة إلى الجمهور، أجاب &مخرج العرض ومؤسس الفرقة، أنها مستلهمة من عمق التراث، وتحمل مضامين إبداعية، بكلمات تشبه المرثيات لزمن مضى من تاريخ المغرب، وتسكن الذاكرة الجماعية للمواطنين، عبر ترديدها من طرف الجدات في الأمسيات والليالي الساهرة داخل البيوت العائلية، نقلًا عن بعض الأصوات الشعبية الشهيرة مثل المرحومة فاطنة بنت الحسين والراحل بوشعيب البيضاوي وغيرهما.

ظهور لافت للانتباه

ومن مرصده الفني، لاحظ المتحدث عي نه أن هناك طغيانًا للفن الموسيقي القادم من المشرق العربي بدأ يتمدد في المغرب، على حساب رصيده التراثي، مما جعله ورفاقه في "جوق التمثيل البيضاوي" يتصدون لهذا التوجه، وذلك بالبحث الفني في أعماق التراث، واستخراج ما يحفل به من ذخائر وكنوز ما أحوج شباب اليوم إلى الإطلاع عليها.

الانتصار للمرأة
وقال الحاكم إن عرض "كباريه الشيخات" ينتصر للمرأة، ويتبنى قضاياها، ويدافع عن حقوقها، من منطلق الدعوة إلى تكريس التعايش في إطار التكامل مع الرجل، وليس الصراع معه.

وردًا عن سؤال بشأن غياب العنصر النسوي داخل المجموعة، كشف أن هذا قراره كمخرج "منذ بداية التداريب الأولى، وذلك لإخراج الجانب الأنثوي الكامن في الممثل"، على حد تعبيره، ملمّحًا إلى أن التاريخ القديم للحركة المسرحية والإذاعية في المغرب كان قد شهد مثل هذه الظاهرة.

واستغل المناسبة ليشير إلى أن هناك فتيات يشتغلن مع فرقة "جوق التمثيل البيضاوي"، ويتحملن جانب التدبير والتسيير، والقيام بعمليات التواصل، وتنظيم العروض، التي وصل عددها لحد الآن، وفي ظرف زمني وجيز، إلى مائة عرض، ومن المقرر الانتقال إلى فرنسا وبلجيكا، كمنطلق للالتقاء مع أفراد الجالية المغربية في أوروبا.