"إيلاف" من القاهرة: ضمن سلسلة النوستالجا، تُلقي "إيلاف" الضوء على مسيرة الفنانة الراحلة راقية ابراهيم التي أثير حولها جدلاً كبيراً دون الوصول لحقائق مؤكدة عنها.
حيث أنها بـدأت حياتهـا الفنية كممثلة "كومبـارس" فـى الفرق المسـرحية الأجنبيـة التـى كانـت تـزور القاهرة لتقـدّم فنهـا. وكانـت تعمل أيضا بائعـة فـى محلات تجارية أسـوة بالبنـات اليهوديـات. لكونها يهودية من بنات حـارة اليهـود فـى الموسـكي. ولمـا تكونـت الفرقـة القوميـة المصريـة في عـام 1935، انضـم إليهـا أشـهر ممثلات المسـرح فـي ذلـك الوقت، ولـم يكـن ينقـص هـذه الفرقـة غير الممثلات اللاتي فى سـنٍ صغيرة. فقرر زكـى طليمـات المديـر الفنـى للفرقـة وقتئـذٍ أن يضـمها إلى الفرقـة بمرتب شـهري ثابت قدره 3جنيهـات، وكان هـذا المبلـغ يومذاك يكفـى لتوفير حياة مسـتقرة هادئـة. ولهـذا اعتزلـت وظيفة "بائعـة فى المحال التجاريـة"، وتفرغت للفـن.

وبحسب تقرير نشرته مجلة الكواكب عن حياتها، أثبتت راقية منـذ الخطـوات الأولـى أنهـا ممثلـة يرجـى لهـا مسـتقبلاً زاهـراً. فقـد أتقنـت النطـق باللغـة العربيـة الفصحـى- وكانـت معظـم روايـات الفرقـة القوميـة المصريـة تُقـدَّم باللغـة الفصحـى. وكانـت أقصـى أمنيـاتها أن تفـوز بـأدوار البطولـة فـى مسـرحيات الفرقـة.

ولعـب الحـظ دوره الخطير فى حياتها عندمـا نقلهـا مـن ممثلـة مغمـورة فـى الفرقـة القوميـة الحكوميـة إلـى نجمة سـينما لامعة. فقـد حـدث أن تعاقـدت السـيدة بهيجـة حافـظ مـع المطربـة ليلـى مـراد علـى أن تقـوم بالـدور الثانـى فـي فيلـم "ليلـى بنـت الصحـراء"، ولأسـبابٍ ماديـة اختلفـت بهيجـة مـع ليلـى، وفسـخت عقـد الإتفـاق وبـدأت تبحـث عـن فتـاة تصلـح للقيـام بهـذا الـدور يكـون لهـا قـواماً ممشـوقاً مثـل قـوام ليلـى مـراد، فصحبهـا مخـرج الفيلـم إلـى المسـرح القومـي لتشـاهد ممثلـة مغمـورة هنـاك لم يذكـر اسـمها، وكانـت راقيـة إبراهيـم وقتئـذ مـا زالـت مقيـدة باسـمها الحقيقى وهو "راشـيل ليفـي".
ولمـا رأتهـا بهيجة حافـظ أعجبـت بهـا، وتعاقـدت معهـا، واختـارت لهـا اسـم راقيـة إبراهيـم. ورآهـا المخرج أحمد سالم مدير استوديو مصر آنذاك، وتعاقـد معهـا علـى أن تشـاركه بطولـة "إسـكتش سـينمائى" باسـم"جزيرة الأحلام". ونجحـت فـي هـذا "الاسـكتش". فتعاقـد معهـا اسـتوديو مصـر علـى أن تشـارك نجيـب الريحانـى بطولـة فيلـم "سلامة فـي خيـر". وشـاهد محمد كريم هـذا الفيلم، فأُعجِـبَ بالبطلة، وقـرر أن يسـند إليهـا بطولـة فيلـم "رصاصـة فـي القلب". وكان هـذا الفيلم نقطـة انطلاقهـا نحـو قمـة الشـهرة فـى السـينما.

تزوجت من سـينمائي مصري هو مهنـدس الصـوت مصطفى والي. ولا أحد يعلم مصيـر هـذه الزيجـة. ذلك لأنها هجـرت الحيـاة فـى مصـر، وسـبقها زوجهـا قبـل وقـوع العـدوان الثلاثـى في العـام 1956. وقيـل أن مصطفـى والـي انتقـل إلـى جـوار ربـه أثنـاء إقامتـه فـى فرنسا.

واختلفـت الآراء حول هـذه الممثلة، ومـدى الـولاء الـذى تحملـه لمصـر التـى ولـدت فـى أرضهـا ونشـأت وتربـت وترعرعـت مـن خيرهـا حتـى بلغـت مـا بلغتـه مـن نجـاح وشـهرة. كان بعـض السـينمائيين يتهمونهـا بالتعصـب للدعـوة الصهيونيـة التـى لـم تكـن واضحـة المعالـم والهـدف فـى ذلـك الوقـت - أوائـل الأربعينيـات- وكذلـك كان البعـض يتهمونهـا بالعجرفـة والتكبـر والغـرور وشـدة الكراهيـة التـى تحملهـا فـى قلبهـا ضـد الفنانـات المصريـات مـا عـدا اليهوديـات منهـن. ولكـن هنـاك فئة أخـرى كانـت تدافـع عنهـا -خاصة المرحـوم محمـد كريـم- ويؤكـدون أنهـا فنانـة بسـيطة تحب البسـاطة في كل شـيء، فى المأكل والملبس والمشـرب وكل وسـائل المعيشـة، وغضـب المرحـوم محمـد كريـم عندمـا نشـرت قصـة عدائهـا الشـديد للممثلـة فاتـن حمامـة.

وزار كريم مجلـة الكواكـب مدافعـا عنها مؤكداً للجميـع شـعور المحبـة من راقية كمواطنـة مصريـة، وأنهـا تحب النـاس الذين يحسـنون معاملتها وتشـعر نحوهم بعطـف كبيـر. وقال أنها لا تحتمـل أن تـرى "عصفـورة" حبيسـة فـى قفـص. وروى أنها كانـت تبكي عندمـا كان أحمد سـالم سـجيناً في قضيـة الخـوذات المقلـدة ولم تكف عـن الحـزن والبـكاء إلا عندمـا غـادر السـجن. إلا أنها على ما يبدو، كانـت شـديدة الغيـرة مـن الأسـماء اللامعـة، وخاصةً مـن فاتـن حمامـة -التـي كانت ُتعتبـَر في سـن أولادهـا. فكانت تتوجـس خيفـة مـنها، وتـرى أنهـا تهـدد مكانتهـا فـي السـينما. ولهذا شـنت عليهـا حرباً شـعواء.
وحـدث ذات مـرة أن رشـح يوسـف وهبـي فاتـن حمامـة لتقـوم بالـدور الثانـي فـى فيلـم "ملائكـة الرحمـة"، واعترضـت راقية وأصرت علـى اعتراضها، وأبدت اسـتعدادها أن تتنـازل عـن ألـف جنيـه مـن أجرها لو عدل يوسـف عن ترشـيح فاتـن، ورفـض يوسـف وهبـي هـذا العـرض. فقـد كانـت فاتـن يومذاك هي الأفضل لتمثل الدور إلـى جانب مكانتهـا فـى قلـوب الجماهيـر. فبلغ حقـد راقيـة علـى فاتـن إلى أن أشـاعت عليهـا شـائعة سـخيفة لـم يصدقها الناس!

في النهاية، هجـرت "ابراهيم" الحيـاة الفنيـة فـى مصـر، وسـافرت إلـى أميركا حيـث قيـل أنهـا تعمـل موظفة في الأممـم المتحـدة، وقيـل أنهـا علـى علاقة بالمنظمـات التـي تسـاعد الصهيونيـة في الولايات المتحدة تحت سـتار العمل الانسـاني، .. ولقد تكاثرت الشائعات حولها، لكن، لم يعرف أحد شيئاً عن حقيقة مصيرها.