"إيلاف" من بيروت: أصيب مسلسل #كل_الحب_كل_الغرام بالعقم منذ وفاة بطله الممثل اللبناني فادي ابراهيم الذي أعطى لهذا العمل قيمة مع ثلة من الممثلين اللبنانيين المعروفين مع بداية أحداثة التي شدت المشاهد اللبناني الى متابعته بشغف لشوقه لأعمالٍ تحاكي بيئة الضيعة ببساطة أهلها وفلاحيها، وربما لتوقعه للإطلاع على عادات العائلات الميسورة في ثلاثنيات القرن الماضي أو لتعاطفه مع الطفلة "نسرين" المشردة التي عانت المرارة منذ نعومة أظافرها.
نعم هكذا هو المتابع للدراما اللبنانية في غالب الأحيان عاطفي بتفاعله يشده الحنين الى التاريخ والقرية ويتعاطف مع الفقراء ويثور مع الثوار وينتفض ضد الطغاة، لكن الكاتب "الكبير" مروان العبد كما تصفه شارة العمل، قد شطح بمخيلته عن أرض الواقع بإسقاطات لم تأت منطقية، فأفقد العمل مصداقيته خارج التسلسل الزمني بصورة نمطية مكررة للوجوه والأحداث التي ما عادت تقدّم جديداً للمشاهد! 

وإن عدنا لانطلاقة هذا العمل في حلقاته الأولى، لقلنا انه أعاد للذاكرة صورة "مريانا" البنت الأصيلة التي أدخلت الفنانة كارول الحاج الى قلوب المشاهدين منذ عفودٍ خلت. لكن، آن الآوان لها أن تقدم شخصية مختلفة تبرز قدراتها في غير بيئة وبأسلوبٍ مختلف! فيما يشهد لها ولمعظم الممثلين الرئيسيين باتقان الأدوار تمثيلاً، خاصةً الفنانة اليسار حاموش التي أعطت الأمومة بعداً مميزاً في التفاني والتضحية! والممثلة هيام أبو شديد التي تميّزت بشخصيةٍ جديدة!
لكن مؤلف العمل قد أبحر بخياله الأفلاطوني والمثالي بعيداً عن المجريات المنطقية للأحداث، حتى أصبح بسرده أشبه بجدٍ يقص على طفلٍ رواية جميلة في انتظار نهايةً سعيدة! فنسرين الشابة البسيطة الفقيرة قد عانت من سقطة حبيبها الذي تزوج مضطرا ليصلح غلطته، لكنها مع ذلك نذرت نفسها لحبه. ثم تحولت لسيدة ثائرة ومتمردة ومحسنة على أهل الضيعة وداعمة للثوار بعد أن فقدت حبيبها الذي تتمسك بحبها له وبحدسها بأنها ستلتقي به مجدداً!
أما حبيبها ربيع الذي يحاول الحفاظ على عفة قلبه، أصبح محارباً بالصدفة بعد وقوعه بفخ زوجته، وفر من سجن المحتل الفرنسي ليرهق المشاهدين بهروبه من حرج الى آخر ومن بيت الى شاطئ ومن حضن سيدة لأخرى وكأنه أصبح "زير النساء" بعد ان افتعل حربا بين ارملة وابنة زوجها للفوز به! 

لقد ملّ المشاهد من كل هذا المط والمد دون جزر في حوار غير مؤثر ومشاهد تتكرر بجولات العسكر وزيارات علي منيمنة وزوجته الخائنة المتعجرفة الى المخفر الفرنسي لتأليف القصص عن اهالي القرية! وبات مستهلكاً مشهد تنقل السيدات في الأحراج والقبض على المقاتلين متلبسين بتهريب السلاح، كما تكررت حوارات يوسف مع زوجته في مواقع وعبارات متشابهة، فيما أصبحت علاقة شادي واليسار اليافيعين مملةً أيضاً بتكرار العوائق الفاصلة بينهما!

ويبدو أن المخرج لم يبذل جهداً بالخروج عن نمطية النص، او ربما وقع غصبا عنه في أزمة المط لأن السيناريو لم يخدمه، ما وضعه كاميرته بمحيط ضيّق لم يسعفه للإبداع! فهناك بعض الأخطاء الظاهرة وغير المقبولة منطقياً تبرز مع تتنقل "نسرين" بكامل أناقتها في البراري بحذاءٍ ذات كعب عالي؟! وهناك سؤال يطرح نفسه حول تقبّل والد اليسار الحقيقي أبوته لها رغم كونها ابنة غير شرعية في مجتمعٍ قروي ضيّق بفترَض أنه لا يتقبّل الخبانة، ثم يضعها تحت إمرته لتستحق منه قصاصاً بمنعها من رؤية شادي الذي يعجز عن مواجهة والدته بحبه لها..! علماً أن صنّاع العمل قد غفلوا على ما يبدو ان المتزوجين منذ سنوات لم ينجبوا منذ عشر سنوات وأكثر، فهل أصاب العقم وسام بعد زواجه من هند كما يوسف وغيره من رجال البلدة؟!

ويؤخذ على الشركة المنتجة للعمل الاقتصاد في انتاجه! فهذا المسلسل قدّم صورةً فقيرة عن حياة الضيعة. فلم يعرض مشاهد سهرة قروية أو لقطات جامعة لمناسبة فرح او عزاء. ولم يعرض صورة قطار او حافلة قديمة او باخرة سفر رغم ورودها في سياق النص، كما غابت عنه صور المرابع الليلية في بيروت، وحتى صورة المدرسة في البلدة! 

والحديث عن هذا المسلسل قد يدخلنا في المط لنقع بخطأ مؤلفه ومخرجه مع تكرار مشاهد الدوريات الفرنسية وتفتيش المنازل بحثاً عن سلاح، وظهور "ربيع" واختفائه مجدداً..! فالتقدم الوحيد الملحوظ في هذا العمل يكمن فقط بالتغيير المستمر بمشهدية شارته وتسلسل الأسماء المتجددة عليها لضيوف شرف يُطل بعضهم في سياق الحلقات بأسلوبٍ أقرب الى الحشو من الحاجة لظهورهم!

وعليه، يمكن القول أنه كان على الشركة المنتجة ان تقفل الستار على العلاقة بين ربيع ونسرين باختصار الأحدات قبل السباق الرمضاني بدلا من استنساخها. وكان على الكاتب والمخرج ان يتفقا على خاتمة مقنعة بدلاً من الاسهاب في اللاموضوعية العالقة على عتبة إعلان الاستقلال اللبناني في العام 1943 من القرن الماضي. فهل ستكون الخاتمة منطقية أم أن القيمين على المسلسل سيعتمدون المبالغة بتخليص أهل الضيعة من كل مشاكلهم بقدرة قادر، وتزوير فرحة اللبنانيين باستقلالهم الذي لم يكتمل باستمرار معاناتهم مع سيادتهم المنقوصة حتى يومنا هذا؟!